من هم البهرة؟ وما سر اهتمامهم بتطوير مساجد آل البيت؟

تواصل الحكومة المصرية تنفيذ مشروع تطوير مساجد آل بيت النبي محمد، بالتعاون مع طائفة البهرة، ويتضمن المشروع ترميم مساجد وأضرحة الإمام الحسين، السيدة فاطمة، السيدة رقية، السيدة سكينة، السيدة حورية، السيدة زينب، والسيدة نفيسة، إلى جانب مسجد السيد أحمد البدوي بطنطا.

وافتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي، الثلاثاء الماضي مسجد وضريح السيدة نفيسة وقد شارك مفضل سيف الدين، "سلطان" أو داعي طائفة البهرة بالهند، بافتتاح المسجد بعد أعمال تطويره وتجديده.

ومنح السيسي سلطان البهرة، وشاح النيل، تقديرا لجهوده المتواصلة في مصر على المستويات الثقافية والخيرية والمجتمعية"؛ ليعرب الأخير في خلال كلمته التي ألقاها أثناء افتتاح المسجد عن سعادته بما تمثله هذه المبادرة الكريمة من تعزيز الروابط ومتانة العلاقات المتميزة التي تجمع الطائفة بمصر على مدار أعوام. ووجه شكره وتقديره لجهود مصر في ما يتعلق بعمارة بيوت الله، مؤكداً التسامح الديني والتعايش السلمي وانفتاح هذا البلد العربي على الأديان والطوائف والمذاهب والأعراق كافة.

وأشاد المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، بالعلاقات التاريخية بين مصر وطائفة البهرة، ومثمناً الدور المقدّر للسلطان والطائفة في ترميم وتجديد مقامات آل البيت وعدد من المساجد المصرية التاريخية.

علاقات البهرة بالدولة المصرية

توطدت العلاقة بين البهرة والأنظمة المتعاقبة الحاكمة لمصر منذ تولي الرئيس جمال عبدالناصر الحكم، حيث أتاح لهم ناصر حرية العبادة وسمح لهم بالمشاركة في ترميم وصيانة مساجد أل البيت، كما منح الأزهر سلطان البهرة الدكتوراة الفخرية عام 1966.

ازدادت العلاقات قربا في عهد الرئيس أنور السادات الذي استقبل سلطان البهرة بنفسه في أول زيارة لمصر، في افتتاح مسجد الحاكم بعد أن قامت الطائفة بتمويل عملية ترميم المسجد. وكان الرئيس مبارك أكثر ترحيبا بالبهرة حيث استقبل السطان ثلاثة مرات في عدة مناسبات.

السلطان مفضل سيف الدين

مفضل سيف الدين هو سلطان البهرة الحالي، والابن الثاني لسلطان البهرة الراحل الدكتور محمد برهان الدين. وفي أدبيات الطائفة، لا يطلق عليه لقب سلطان، بل "الداعي"، وهو الداعي 53 للطائفة، ويسميه أتباعه "الداعي" أو"مولانا".

وُلد مفضل سيف الدين في 20 أغسطس عام 1946 في مدينة سورات الهندية. وتولى والده السلطان الراحل الدكتور محمد برهان الدين تعليمه وتربيته، وله خمسة أبناء، ثلاثة من الذكور أولهم الأمير جعفر الصادق ثم الأمير طه ثم الأمير حسين، وابنتان.

وبحسب معتقدات طائفة البهرة وما تنص عليه  كتبهم، فإنه لا يتولى زعامتهم سلطان جديد إلا بنص وتعيين من السلطان السابق، لذا فإن سلطان البهرة الراحل الدكتور محمد برهان الدين عيّن نجله مفضل سيف الدين خلفا له قبل وفاته بسنتين عام 2011 في مدينة مومباي أمام مئات الآلاف من أبناء الطائفة.

مُنح مفضل سيف الدين، شهادة الدكتوراه في الآداب من جامعة كراتشي الباكستانية في الثامن من سبتمبر 2015، تقديرا لجهوده الخيرية في العمل على توثيق الروابط الكريمة بين المسلمين.

كما منحته الهند جائزة السلام العالمية في نفس السنة اعترافا بما وصفته بمساعيه القيمة وحرصه على تقدم الحريات الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وجهوده في إنشاء مشروع توزيع الغذاء وتأمينه في جميع أنحاء العالم (فيض الموائد البرهانية)، ومساعيه في تعزيز دور المرأة الاجتماعي والاقتصادي.

من هم البهرة؟

أثار ظهور سلطان البهرة في مناسبات عدة فضول الكثيرين لمعرفة من هم البهرة وما سر اهتمامهم بمساجد آل بيت النبي، وما الأسباب التي تدفعهم للمشاركة بميزانيات ضخمة في تطوير مساجد تاريخية مصرية؟ وما الذي يربطهم بها من الأساس؟

البهرة، كلمة هندية الأصل معناها التجارة أو التاجر باللغة الغوجاراتية الهندية، وهي إحدى الطوائف الشيعية الإسماعيلية التي انتصرت لإمامة أحمد المستعلي الفاطمي ضد أخيه نزار المصطفى لدين الله، وذلك بعد وفاة والدهما الخليفة المستنصر بالله الفاطمي سنة 487 هـ. وكان المستنصر قد اختار ابنه المستعلي الذي يصغر نزار ولياً للعهد، ومن هنا نشب الخلاف بين الإسماعيليين، وانقسموا إلى "مستعلية"، و"نزارية" وانتهى الأمر لمصلحة المستعلية.

بعد وفاة الآمر بأحكام الله بن أحمد المستعلي بالله، نشب الانقسام والخلاف مرة أخرى، فبايع بعضهم الحافظ لدين الله، ابن عم الخليفة ليطلق عليهم الحافظية، وبايع بعضهم بن الآمر الذي كان يعرف بالطيب أبا القاسم، وكان طفلاً في ذلك الوقت ليطلقوا على أنفسهم الطيبية، ولينتقلوا به إلى اليمن عند الملكة أروى الصليحية التي أخفته ونصبت نفسها نائبة عنه في تولي شؤون الدعوة الإسماعيلية، واختارت الذؤيب بن موسى الوادعي ليصبح أول الدعاة المطلقين للإمام المستور، ولكن بوفاتها انتهت الدولة الصليحية ومن بعدها ابتعد الطيبيون عن السياسة واهتموا بالتجارة.

حكم أنصار المستعلي مصر حتى هزمهم صلاح الدين الأيوبي طاويا حقبة الدولة الفاطمية. لكن المستعليين لم تنطوِ صفحتهم، بل انتشروا في العديد من دول العالم، وشكلوا قوة اقتصادية عبر عملهم بتجارة الورق، والرخام، والمنتجات الغذائية.

وكانت أرض اليمن هي المحطة الأولى لهذه الطائفة، لكنهم سرعان ما انتشروا في الهند عن طريق عملهم بالتجارة، ونجحوا في جذب عدد كبير من الهندوس إلى مذهبهم، وفي هذه المرحلة سُمّوا "البهرة"، وأصبحت الهند المركز الرئيسي لطائفتهم.

ويقع قصر سلطانهم الـ53 مفضل سيف الدين في الهند، ويصل عددهم اليوم إلى مليوني شخص، وأهم الدول التي يعيشون فيها بعد الهند واليمن هي: باكستان وكينيا وتنزانيا ودول الخليج، خاصةً الكويت والإمارات ومنطقة نجران بالمملكة العربية السعودية، كما استقر عدد منهم في مصر منذ عام 1976 بالاتفاق مع الرئيس المصري آنذاك محمد أنور السادات.

يتزعم البهرة السلطان الذي يتولى حكم الطائفة، ويُطلق عليه الداعي، ويعتبر ممثلاً دنيوياً، ودينياً للإمام. ويُعرف عنهم تعظيمهم سلطانهم، والتزامهم الكبير بمذهبهم وتقاليده.

يتشبث البهرة بكل ما يعود إلى العهد الفاطمي، ويحاولون إحياءه في طقوسهم، واحتفالاتهم.

ويحتفل البهرة بعيد الغدير في 18 ذو الحجة. وبحسب معتقدهم، هو اليوم الذي خطب فيه النبي محمد خطبة عيّن فيها علي بن أبي طالب مولى للمسلمين من بعده، وذلك أثناء عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة المنورة في مكان يسمى بـ"غدير خم".

وتُعدّ زيارة قبور الأجداد ومشاهدة آثارهم من أهم الطقوس لدى البهرة، فهم يأتون إلى مصر لزيارة مساجد الحاكم بأمر الله، الجيوشي، الأقمر، وغيرهما من الآثار الفاطمية الشهيرة.

وفي كل عام، يتوافد عشرات الآلاف من البهرة إلى منطقة حراز التي تبعد عن العاصمة اليمنية صنعاء نحو 90 كيلومتراً لزيارة ضريح حاتم الحضرات حاملين سلطانهم فوق حمالة خشبية، ومرددين الأدعية الخاصة بهم. كما يتوافد الآلاف منهم لزيارة ضريح أروى بنت أحمد الصليحي.

وهم طائفة غير دعوية. لا يسعون إلى نشر مذهبهم، وابعد ما يكون عن العمل السياسي. ينصب كل اهتمامهم على التجارة التي حققوا فيها نجاحات كبيرة.

ويُعرف عن مجتمع البهرة التماسك الشديد. فهنالك مبلغ شهري يدفعه أبناء الطائفة للقيام بالأعمال الخيرية في الدول التي يعيشون فيها. غير أن السرّية التي تغلّف مذهبهم سمحت بنسج الكثير من الشائعات عنهم. 

يعيش البهرة في مصر حياة انعزالية لأنهم لا يحتفلون أمام أحد ولا يبوحون بأسرار مذهبهم لأحد من خارج الطائفة. ويسكنون في أماكن محددة، أشهرها القاهرة الفاطمية، المهندسين وتحديداً شارع سوريا حيث يوجد مبنى خاص بهم يضمّ إدارة شؤون الطائفة. ويعيش عدد كبير منهم في فندق "الفيض الحاكمي" بمنطقة الدراسة المجاورة للأزهر الشريف.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة