من المشاهد المتكررة خلال العمليات الانتخابية الكثيرة خلال السنوات الأخيرة، مشهد العسكري الذي يحمل شخص ذا إعاقة لتوصيله لصندوق الاقتراع أو عدد من العساكر يتعاونوا في حمل شخص على كرسي متحرك، ويحرص الإعلام على نقل صور المشهد بوصفه نموذج للمساعدة الصادقة، وتتناقله قنوات التلفزيون كمشهد رئيسي لأي عملية انتخابية. وبعيدا عن مدى صدق تلك المشاهد، والتي تكشف قبل أي شيء عن سوء التنظيم، وغياب التيسيرات القانونية الخاصة بتمكين ذوي الإعاقة من المشاركة في الانتخابات؛ تكشف هذه المشاهد وغيرها من صور المساعدة الشخصية التي تقدم للأشخاص ذوي الإعاقة عن غياب تام لثقافة الإعاقة.
لعالم الإعاقة ثقافته الخاصة التي تكونت عبر زمن طويل، ومن خلال التفاعل المركب بين الأشخاص والبيئات الاجتماعية المختلفة، وما تشمله من حواجز متنوعة، وخاصة الحواجز الثقافية التي تفترض عجز الشخص وبالتالي حاجته للمساعدة دائما، الواقع أن الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام، تميل - ثقافتهم - دائما للاعتماد على النفس ولا تفضل تقديم المساعدة دون طلبها، ويرتبط ذلك بالبعد النفسي للشخص الذي يرغب دائما في المساواة واحترام قدراته، والنصيحة الاساسية هي أن تقدم المساعدة للشخص ذي الإعاقة في حالة طلبها وبالقدر المطلوب دون مبالغة، وبالتالي فالمبالغة في تقديم المساعدة خاصة في الحالات العامة حيث يكون الشخص تحت نظر جمهور أو بالأخص تصوير الشخص أثناء المساعدة ونشر الصور؛ تمثل إهانة كبيرة للشخص واستهانة بقدراته، وبالطبع تكشف عن حواجز كان من الأفضل إزالتها دون الحاجة للمساعدة، فالشخص على كرسي متحرك يمكنه الحركة بسهولة في الأماكن المهيأة.
وبجانب الثقافة العامة للإعاقة، توجد ثقافات خاصة بالفئات المختلفة، فذوي الإعاقة السمعية مثلا أوجدوا مجتمعات صغيرة خاصة بهم حيث تجمعهم لغة الإشارة والهموم المشتركة، بل أنهم في بعض الحالات يضعوا قوانينهم الخاصة. وتعد جريمة التسول عن طريق الأوراق المطبوعة بلغة الإشارة من أكبر الجرائم في ثقافتهم، حيث تصورهم في صورة المتسولين وتسبب إهانة كبيرة لهم، ويعزلون من يقوم بذلك عن مجتمعهم عقابا على التسول، ولا يعني ذلك انعزالهم عن المجتمع بل الحقيقة أن لديهم الرغبة دائما في التواصل مع الآخرين حتى بدون لغة إشارة سليمة، يكفي فقط أن تكون الإشارة مفهومة، وأن يحظوا بالاحترام الواجب لأي شخص.
كما لذوي الإعاقة البصرية ثقافتهم التي تراكمت نتيجة العزلة النسبية، واعتمادهم على السمع بشكل أساسي حيث يميلوا للاستماع أكثر من الكلام، واستخدام اللمس لتكوين صورة ذهنية للأشياء، فهم من متذوقي الموسيقى والغناء، ويرتبطوا بالإذاعة وبرامجها أكثر من وسائل الإعلام الأخرى، وليس من الغريب أن يتمتع أغلبهم بخفة الظل والميل للسخرية كوسيلة للتواصل مع الآخرين وكسر حاجز العزلة.
أما ذوي الإعاقة الذهنية فهم أكثر عرضة للرؤية السلبية، حيث يُنظر إليهم غالبا بوصفهم غير عاقلين بالقدر الكافي، وينسب إليهم صفات كثيرة بعيدة عن الواقع، ويتعرضون أكثر من غيرهم للإهمال الذي يصل في حالات كثيرة للعزل الكامل عن الحياة الطبيعية، ورغم تنوعهم الكبير حسب القياسات الطبية، يجمعهم بدرجة كبيرة العاطفة الجياشة، والثقة في الغير، ورغبتهم الدائمة في التواصل.
إن فهم ثقافة الإعاقة ونشرها أمر بغاية الأهمية، فنحن نتحدث عن فئة اجتماعية تبلغ أكثر من 10% من المجتمع، فئة يكاد يجهل الأغلبية وجودها وتأثرها الكبير، كما يجهل ثقافتها وقدرتها، ويشكل ذلك عائقا في التواصل السلس معهم، وعدم فهم احتياجاتهم الحقيقية التي لا تختلف كثيرا عن احتياجات كل الناس على تنوعهم، فالبيئة المهيئة ليست مفيدة لهم وحدهم بل مفيدة للجميع، والاعتراف بلغة الإشارة يثري المعرفة ويسهل التواصل. معرفتنا بالتنوع البشري والثقافات المختلفة لمكوناته يثري الثقافة العامة، كما يحمي من إهانات تحدث غالبا بحسن نية.
اقرأ أيضاً: الحماية الاجتماعية لذوي الإعاقة وضرورة التطوير