الطريق الذي نمشيه كل يوم

عند كل صباح أستعد للخروج من منزلي كما تفعل أنت، ولكن هل نمشي نفس الطريق؟

في مصر قد تكون الحقائق غير واضحة، حيث أن مع كل حادث تحرش تظهر الضحية كحالة يتم درسها، تحت شعار “هي كانت لابسة إيه؟”. يتم قياس طول ملابسها ومدى وسعها بعناية تحت إشراف خبراء الموضة على السوشيال ميديا، أو تحت شعار آخر “إيه اللي وداها هناك؟”. وهذا بالتأكيد لأن من المفترض أن يكون هناك أماكن متاحة للنساء وأماكن محظورة علينا، وإن لم نحترم تلك القاعدة عوقبنا بالتحرش والاعتداء واللوم بعد كل حادثة.

ولكن اليوم أتيت أحكي عن طريق تمشيه أنت كل يوم، ولأني شريكة لك في الوطن أمشيه في نفس الوقت حتى أصل إلى عملي مثلك تمامًا! ولكن هل رحلاتنا تتشابه؟

في الحقيقة إن رحلتك اليومية لعملك قد تكون بسيطة على عكس رحلتي، فأنا سيدة ثلاثينية ظلت محجبة لمدة 16 عامًا. حجابي تنوع بين العباءة والبنطال، عشت سنوات طويلة من عمري أمشي ذلك الطريق وأنا محملة بشعور الذنب، شعور بأني السبب من قبل أن يحدث شيء، كل يوم أستعد للخروج من منزلي وأنظر في مرآتي لأتساءل هل مظهري ملفت؟ هل وجهي مستفز؟ أذكر نفسي بأن يجب على صوتي أن ينخفض وأن لا تصدر مني ضحكة، أن أمشي على الرصيف وابتعد عن الزحام ولا أمشي وحدي في الشارع، وأن أتتبع خطوات من يسير خلفي وأنظر جيدًا في وجه من هو أمامي، أتجنب الموتوسيكلات والدراجات، لا داعي من الأكل والشرب في طريقي حتى لا أصبح “فتنة”، أذكر نفسي بأنني سيارة كما قال الداعية المشهور يجب أن تغطى أو كما كان سابقًا حلوى ويجب أن تغلف لحمايتها من الذباب، ولكن هل فعلًا لم يراني الذباب أبدًا؟

في وضح النهار ووسط الزحام وبعد كل هذا قد تتفاجأ بأني تعرضت للتحرش في كل يوم مشيت فيه نفس الطريق، وقد تكون مررت من جانبي في رحلتك اليومية ولم تسمع صرختي أو تشعر بها، الأمر الذي سيدهشك هو أنه لا يوجد امرأة في مصر لم تتعرض للتحرش وفقًا لدراسة أعدتها الأمم المتحدة للمرأة في 2013 ،99،4 % من السيدات المصريات تعرضن للتحرش، وطبقاً لدراسة المركز المصري لحقوق المرأة (ECWR) عام 2008 ، كانت 72% من النساء اللاتي تعرضن للتحرّش يرتدين الحجاب أو النقاب. وفي دراسة أخرى أجرتها منظمة الأمم المتحدة للمرأة، أجابت ما نسبته 99.3% من النساء المصريات اللواتي تم سؤالهن بأنهن تعرّضن للتحرّش الجنسي،49.2% تعرضن له بشكل يومي في حياتهم اليومية. وفقًا لنفس الدراسة 89.3% من التحرش الجنسي يحدث في الشارع، 81.8% في المواصلات العامة، 53.3% في الحدائق العامة، بينما 59.3% يحدث في الأسواق، و60.7% على الشواطئ، و39.2% عن طريق المكالمات الهاتفية.

هذه الإحصائيات والدراسات قد ترد على إشكاليات مهمة تطرح مع كل حادثة تحرش جنسي في مصر، مع نقاشات متكررة بين الكثير من رواد السوشيال ميديا، حول من السبب “الجاني أم الضحية” وطرح مبررات تحت شعار “أسباب التحرش”، تدور حول مجموعة من الاشتراطات يجب على الفتاة أو السيدة تحقيقها حتى تكون في مأمن من التحرش الجنسي، أو من اللوم عليها إن حدث ذلك، حتى تحولت من ضحية إلى جاني، بل يدعو البعض لمعاقبتها وتحميلها المسئولية فقد فتنت رجل وأثارت شهواته. متغافلين تمامًا عن تلك الإحصائيات والدراسات التي تثبت وبشكل قاطع أن الضحايا من كل أطياف المجتمع، وأن الجاني أصبح أكثر شراسة مع حصوله على حماية مجتمعية ودفاع مستميت من بعض الدعاة ومشاهير السوشيال ميديا وروادها.

ليس فقط على السوشيال ميديا، بل في الطريق ذاته قد تجد من يدافع عن المتحرش ويسعى لتخليصه من بين يدي الضحية، بعد إن استجمعت قواها وقررت أن تواجهه، لتتخلص من شعور الذنب أيضًا حينما ترحل بعد كل مرة صامتة منكسرة لم تستطع حماية نفسها والدفاع عن حقها كما تظن هي، ولكن في الحقيقة ليست هي المسئولة عن ذلك.

وهكذا فقد تحول الطريق من رحلة يومية يجب عليها أن تكون بسيطة ليس بها من التعقيد الذي تراه، إلى مشاهد متتابعة بين هروب تكتيكي ودقات قلب متسارعة ونظرات الخوف والترقب على وجوه النساء، حتى أنه لم يصبح ممر أو مكان للتنقل أو المشي والتسكع، بل رحلة مرعبة تؤدي فيها النساء كل المهام على عجل تتجنب هذا وخائفة من ذاك، لا تتخلى عن سماعات الأذن أو تتظاهر بانشغالها عما يفعله الآخرون. نحن النساء نعلم أن الطريق ذاته لا يشبه طريق الرجال، فماذا عنك هل تجده متشابهًا؟!

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة