الإعاقة بالتعريف هي حالة دائمة، وهذا ما يميزها عن المرض المؤقت بطبعة، فالشخص يصبح ذو إعاقة حين يفقد أحد الحواس أو جزء من الجسد بشكل دائم، وعلى مدار التاريخ تقاس الإعاقة علي ما يفترض أنه "الشخص النموذج" أي صاحب القدرة الجسدية الكاملة، ورغم سذاجة الفكرة علميًا ببساطة لأن الشخص الكامل غير موجود واقعيًا، لكنه ظل مستخدمًا حتى وقت قريب، وبهذا المقياس يصبح الشخص ذو الإعاقة ناقص أو محدود القدرة، ولازمته وصفة العاهة، تلك الكلمة البغيضة التي للأسف مازالت تستخدم حتى في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهو وصف مهين يجب رفضه وإزالته من الاتفاقية سريعًا.
هذا النقص المفترض أنتج مفهوم التأهيل، والذي كان يهدف في البداية إلى تعليم الشخص تلبية بعض احتياجاته بنفسه، ٍوتطور التأهيل بعد ذلك عبر مراحل تاريخية عديدة، وتطور مفهومه من مرحلة لأخرى، ونكتفي هنا بتناول ثلاث مراحل أساسية ساهمت في تطور مفهوم التأهيل مع الأخذ في الاعتبار الاختلافات الثقافية تجاه الإعاقة.
بدأت المرحلة الأولي مع تغير المفهوم الديني خاصة الكنسي للإعاقة من كونها تجسيد للخطيئة إلى كونها تجسيد لآلام المسيح، وبدأ التأهيل بمفهومه البسيط داخل الكنيسة لتعليم الأشخاص الاعتماد على أنفسهم جزئيًا، ويتشابه الوضع مع ثقافات أخرى مع الفارق، فالحضارة العربية أنشأت مؤسسات خاصة للتأهيل، وحظي ذوي الإعاقة بقدر من المساواة، وفي تلك المرحلة ظهرت أدوات مثل العكاز والأطراف الصناعية الخشبية. في تلك المرحلة لم يهدف التأهيل لدمج ذوي الإعاقة في النشاط الاقتصادي، فهم غير قادرين على الإنتاج وإن كان بعضهم يعمل ببعض الأعمال التافهة مثل النظافة والطهي، لكن النسبة الغالبة كانت خارج نمط الإنتاج، وكان أغلبهم يعيش على التسول.
المرحلة الثانية، والتي أحدثت نقلة نوعية في التأهيل، بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، مع نهاية الحرب شهد الإنتاج الرأسمالي طفرة كبيرة، وافتقدت الرأسمالية للأيدي العاملة نظرًا للعدد المهول لضحايا الحرب، كما أن نسبة كبيرة من الجنود عاد من الحرب وقد انضموا لصفوف ذوي الإعاقة، هنا ظهرت الحاجة لتأهيل ذوي الإعاقة للعمل وليس فقط للاعتماد على أنفسهم، وظهر مفهوم جديد للتأهيل هو "التأهيل المهني"، حيث ارتبط التأهيل بممارسة مهن محددة، وتأسست العشرات من مراكز التأهيل للتدريب على الحرف المختلفة، وأنفقت الرأسمالية على مراكز التأهيل، ودربت كوادر للعمل بها خاصة الأطباء والمدربين المهنيين، وفي تلك المرحلة تطورت كثيرًا الأطراف الصناعية التي تصنع من مواد مختلفة، وتم دمج أعداد كبيرة من ذوي الإعاقة في سوق العمل كعمال منتجين، لكن بالطبع بأجر أقل من غيرهم، لكن كان من المفيد جدًا في ذلك الوقت التطور الكبير في طب الإعاقة الذي يهدف للحد من أثر الإصابة الجسدية بأكبر قدر ممكن.
المرحلة الثالثة، يصعب تحديد بدايتها لكنها ترتبط بتطور وسائل التواصل، والانفجار التكنولوجي الناتج عن ظهور الانترنت، حيث فتح الانترنت نافذة واسعة على العالم لذوي الإعاقة، وكسر إلى حد كبير حاجز العزلة المفروضة عليهم.
ومن جهة أخرى يمثل ذوي الإعاقة جزء كبير من سوق تكنولوجيا الاتصالات، فقد تطورت أجهزة الهاتف لتتضمن برامج خاصة بفئات الإعاقة المختلفة، خاصة برامج ذوي الإعاقة السمعية حيث يمكنهم إجراء المحادثات بلغة الإشارة، كما يمكن للشخص التواصل مع أخر متكلم عن طريق برامج ترجمة لغة الإشارة، كذلك البرامج الصوتية الخاصة بذوي الإعاقة البصرية حيث يمكنهم التعامل مع الهاتف والكمبيوتر بالصوت، وهناك الكثير من التطبيقات الخاصة بذوي الإعاقة. كما ساهمت التكنولوجيا الحديثة في تطوير التأهيل، وسهلت عمليات إعادة التأهيل للأشخاص المصابين حديثًا، ومكنت الكثير منهم من تطوير قدرتهم ومهارتهم، حيث يمكنهم تجاوز حاجز المسافة لإمكانية العمل عن بعد في الكثير من الحالات.
ومازالت التكنولوجيا تتطور بسرعة كبيرة، وأصبح ذوي الإعاقة جزءًا هامًا من هذا التطور، فالأجهزة التعويضية أصبحت أكثر كفاءة بحيث تكاد تماثل الجسد العادي، وتوجد أبحاث متطورة لإيجاد حلول جذرية لفقد البصر عن طريق كاميرات دقيقة، وكذلك بالنسبة للسمع، لكن كل هذا التطور لا يعني في الحقيقة قرب نهاية الإعاقة، فهي جزء من التنوع البشري لكن التطور العلمي في المستقبل سيساهم بقدر كبير في الحد من أثارها، وتحقق قدر أكبر من المساواة.