كان من الممكن أن أناقش فكرة الضحية والبطل كمشكلة اجتماعية يعاني منها مجتمعنا وحده ،ولكن في الواقع هي مشكله عالمية. غالبًا وسط الاحتفاء والتقدير لضحية بعد تعرضها لانتهاك أو تعدي، يتم وضع الضحية في دور البطولة على الرغم من عدم امتلاكها لأي مؤهلات سوى تعرضها لتجربة حياتية في الغالب لم تكن الضحية مؤهلة لها من الأساس، وإلا لما استسلمت لفكرة اختزال كينونتها فقط في كربلائية التجربة.
وهذا لا يعني أن الضحية لا تصلح لأن تقوم بدور البطولة بشكل عام، ولكن كونها ضحية لا تعني بطولتها مهما كانت قسوة تجربتها. فكون سيدة تعرضت لتحرش أو عنف أسري فهذا لا يعني وجوب قدرتها على أن تكون ناشطة نسوية، وتعرض أي إنسان للحبس لا يؤهله أن يكون ناشطًا سياسيًا أو مدافعًا حقوقيًأ، وإلا كان المسروق هو أفضل من يقوم بدور المباحث، وضحايا الافتراس هم أفضل المدربين للضواري.
و البطل إن كان تعرض لما يؤهله إلى أن يكون ضحية لا يتوقف عند المظلومية ولا يقبل هذا التنميط، لأنه يعلم أن التعرض للانتهاك والتعدي لا يمكن أن يكون مؤهله الوحيد لتصدر أي مشهد أيًا كان.
على العكس تمامًا يرفض أن يتم تقديمه بمجرد دوره كضحية مثل المعتقل السياسي السابق أو مصاب الثورة أو سجين الرأي، لأن هذا التعريف ينفي عنه أي صفة أخرى ويجعل إنجازه الأكبر أن أحدهم قرر الاعتداء عليه، ويجعل من المظلومية هي نعمته الوحيدة لتواجده، لا مشروعاته ولا مجهوداته في سبيل قضيته التي يدافع عنها، ولا تحصيله العلمي وتفوقه على أقرانه، فقط مقدار ما تعرض له من تعدي يكفيه.
وهذا لا يعني أننا نقلل من وجوب احتوائنا و تقديرنا للضحايا ودعمنا الكامل لهم، واجتهادنا في أن نعوضهم عما تعرضوا له من انتهاك ومحاولتنا دمجهم اجتماعيًأ واحترامنا لتجربتهم. كونهم ضحايا لا يمكنهم من تصدر المشاهد، ولكن تصدرهم المشهد يحتاج إلى ما هو أكثر من الابتزاز العاطفي والكربلائية.
نحن نقدر الضحايا ولكن حياتنا وأحلامنا ومشاريعنا ليست أفلام ومسلسلات درامية، ولا سير شعبية نستمتع فيها برحلة البطل من كونه ضحية تم الاعتداء عليها وتتطور أمامنا على الشاشة أو من خلال سرد الحكاية، ونشاهده وهو يتطور وأمام عينه صوره ظالمة ينظر لها، وتشتد موسيقى الناي مع الكمان والعود لتداعب الدموع في عيوننا، حتى نصل إلى النهاية، وينتصر على الشر ويفوز بحبيبته وتنزل أغنية النهاية.
«ولا بد من يوم معلوم تترد فيه المظالم، أبيض على كل مظلوم أسود على كل ظالم»، ويصفق الجمهور منتشي بقبلة البطل والبطلة، ومتحمسين من صوت المزمار.
يكفي تصدر الضحايا المشاهد لمجرد كونهم ضحايا، مما يفرغ مفهوم النُخب من مضمونه ويجبرنا أن نسمح بسطوع محدودي الموهبة لمجرد قسوة تجاربهم وتعاطفنا معهم، مما يعرضنا لزيادة عدد الضحايا وخسائر على مستوى التفاوض والتمثيل والدفاع عن القضايا.
قد يبدو منظوري للمناقشة قاسيًا ومجحف، ولكن في حقيقة الأمر إن لم نتعلم من دروس الفشل لن نصل إلى النجاح ولن يكون بيننا أبطال، وسنظل أسرى المظلومية ولن نكون إلا ضحايا.
روعة يا أحمد
ما شاء الله عليك ...
مقال في صميم المشكلة
دائمًا تقودنا عواطفنا وتصنع اتحاهاتنا وكثيرًا ما نشعر بالتقصير مع المظلوم مما يجعلنا نصدره في المشهد ونرفعه على العرش