العنف السيبراني.. لغة جديدة للعنف الجنسي

تعيش فتيات مصر في خطر محتمل بأن تكون هي الضحية القادمة لأحدث أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهو العنف السيبراني والذي يشمل عدة أنواع تندرج تحت هذا المسمى، ولكن في مقالنا اليوم سنتحدث عن أخطرهم وهو العنف الجنسي.

أوضح صندوق السكان التابع للأمم المتحدة فى آخر إحصائياته أن  معدل الانتشار العالمي للعنف الرقمي ضد النساء والفتيات يبلغ 85٪، ويشمل ذلك النساء اللواتي عانين منه شخصيًا أو شهدنه ضد نساء أخريات. حيث أن 49% من مستخدمات الإنترنت في المنطقة العربية أكدن أنهن لا يشعرن بالأمان من التحرش الإلكتروني. وهذا ما كشفه تقرير الأمم المتحدة الجديد وأشار إلى أن 36% من النساء العربيات اللواتي تعرضن للعنف الإلكتروني العام الماضي نصحن بتجاهل الواقعة، بينما ألقي اللوم على 23% منهن، ونصح 20% منهن بأن يحذفن حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بهن.

أضاف التقرير أن واحدة أو أكثر من بين كل 5 نساء تعرضن للعنف الإلكتروني في المنطقة العربية واضطررن لحذف أو إلغاء حساباتهن على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب العنف الإلكتروني، كما اعترف أكثر من 1 من بين كل 3 رجال تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا ضمن هذا التقرير بارتكابهم أحد أشكال العنف الإلكتروني وأجاب 26% منهم عن سؤالهم عن سبب ذلك هو أنه حقهم هذا الفعل، بينما أجاب 23% آخرون أنهم ارتكبوا أعمال عنف إلكتروني بغرض التسلية.

كما أوضح التقرير الأممي أن الشكل الأكثر شيوعاً للعنف الإلكتروني، الذي يؤثر على النساء في المنطقة، هو تلقي صور أو رموز غير مرغوب بها ذات محتوى جنسي بنسبة 43%، تليها مكالمات هاتفية مزعجة ومحاولات تواصل غير لائقة أو غير مرحب بها بنسبة 38%، ثم تلقي رسائل مهينة و/ أو بغيضة بنسبة 35%”. كما أن 22% من النساء اللاتي تعرضن للعنف عبر الإنترنت تعرضن للابتزاز الجنسي المباشر. وأفادت النسبة الأكبر من النساء اللواتي تعرضن للعنف عبر الإنترنت أنهن تعرضن له على فيسبوك بنسبة 43%، وإنستجرام بنسبة 16% وواتساب بنسبة 11%. ومن بين النساء اللواتي تعرضن للعنف العام الماضي، أفادت 44% منهن أن الواقعة تعدت الحيز الافتراضي.

وطرح التقرير بحثاً نوعياً حول تجارب العنف عبر الإنترنت من خلال منظور منظمات المجتمع المدني والناشطات وجهات تقديم الخدمات. كما أُجرى مسحًا للقوانين والخدمات المتوفرة حالياً، والمتعلقة بالعنف الإلكتروني الذي تيسره تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

تلك الأرقام المرعبة تعكس مدى انتشار العنف الإلكتروني أو السيبراني الممارس ضد النساء وخاصة الجنسي وما يعانين منه، وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة من الدولة للحد من انتشار هذه الجريمة إلا أن شهدت مصر العام الماضي عدة جرائم قتل كان العنف الإلكتروني شريكًا فيها أشهرها حادث قتل نيرة أشرف، والتي تعرضت لتهديد وابتزاز وتتبع لعدة أشهر عبر الإنترنت ولم يحميها تحرير المحضر أو الإبلاغ عن المجرم، بل ولم يحميها القانون حتى بعد موتها من تلاسن المجتمع حول سمعتها وأحقية هذا المجرم فيما فعل.

تنعكس السلوكيات التي يمارسها المجتمع المصري ضد النساء اللاتي يتعرضن للعنف وخاصة الإلكتروني حالياً أحياناً على ما تفعله الدولة وتمارسه تجاه النساء أيضًا، حيث قامت الدولة العام الماضي بالقبض على عدة فتيات تحت شعار «انتهاك قيم الأسرة المصرية»، تلك التهمة المطاطة التي من خلالها تستطيع الدولة ممارسة وصاية أبوية على سلوك الفتيات وهي مماثلة لما يقوم به المجتمع من عنف جنسي إلكتروني أو سيبراني تجاه الفتيات.

يمارس المجتمع مؤخرا على السوشيال ميديا وصاية أبوية على سلوك النساء، وبسهولة تتحول أي إمرأة إلى مادة صالحة لتريند سريع الانتشار حول ما ترتديه أو تفعله أو تعبر عنه من آراء أو معتقدات، وهو تحديدًا ما ينعكس على سلوك الدولة تجاه النساء في قضية مثل فتيات التيك توك، عنف سيبراني يتحكم ويمارس من خلاله وصاية على أجساد وسلوك وحياة النساء.

لذلك قد يسعنا القول بأن أهم ما تعانيه النساء وما يضاعف حجم جريمة العنف السيبراني، هي الثقافة والسياسة الأبوية التي يمارسها أحيانًا أفراد تمثل الدولة ضد النساء مما يصعب عليهن الشعور بالأمن أو الوصول للعدالة عند تعرضهن للعنف الإلكتروني.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة