من جرح أجساد نساء مصر؟

«وردة» فتاة تعيش في بيئة ريفية وسط مجتمع بشري شرقي متهالك من فكر وثقافة تزيد من سوء حال المجتمع وعنفه وتطرفه، رأيت بداخلها صراعًا أزليًا بين العقل والواقع، عقل يفكر فكرًا حرًا وواقع يخلق القيود من كل جانب، فكانت «وردة» إسم على غير مسمى، فتوصف الوردة دائمًا بالنضارة والإشراق والبهجة والتفاؤل، أما وردة فكانت منهكة في الواقع، وجه حزين ضعيف هشة الجسد والروح من واقع وصراع وتناقضات مريرة تعيشها داخل مجتمعها وأسرتها، رأيتها دائمة التساؤل عن هل يأتي اليوم التي تكسر حاجز الحيرة والصمت وتفتت قيود الانكسار وتغدو في فضاء الأمل والحرية؟

حكايات النساء عابرة للأزمان والأمكنة، عابرة من فوق جسور الظلام إلى مفترق النور الذي ييعث الروح ويجدد الأمل في امتلاكهن للحرية في فضاء واسع من الظلام والجهل مجرد من أسمى معاني الإنسانية في امتلاكهن لأبسط حقوقهن وهي أجسادهن، فجسد النساء لم يكن أبدًا وصمة عار توصفهن بـ«العاهرة»، فإذا كانت حريتهن سببًا في ذلك فهن عاهرات أفضل من أن يصبحن جاريات معنفات مقهورات لن يمتلكن الإرادة الحرة حتى في أجسادهن لدى مجتمعاتنا حتى داخل الأسرة الواحدة.

وجدت نفسي في صراع من يمتلك جسدي؟ وهل جسدي هذا ملك لأحد غيري حتى أرى فيه هذا الكم من التحكمات الطاغية على عقول هذه المجتمعات؟ بداية من الأسرة والتي تتمثل في الأب والعم والأخ والجد والخال وصولًا إلى باقي العائلة، حتى رجال الدين والسياسة، فأصبح المجتمع بالكامل منذ عقود زمنية هو الذي يمتلك جسد النساء، فأصبحت الملابس التي نرتديها بجانب الحجاب رمزًا للعفة والشرف لمجرد أنها أنثى، حتى لا تصبح النساء فتنة للرجال والشباب لتحريك شهواتهن ورغباتهن الجنسية، فعندما ترتدي ألوانًا غير الأسود والألوان الداكنة أو تخلع حجابها وتظهر شعرها أو ترتدي ما يحلو لها من ثياب فهي بذلك تشعل أحاسيس الرجال وتزيد من اشتعال شهوتهم الجنسية وتبيح أجسادهن للتحرش بكل أنماطه والاغتصاب وصولًا إلى جرائم القتل لهن بغرض الامتلاك، لكونهن نساء عليهن أن يحفظن أنفسهن من فجاجة الرجال ونظراتهم الجنسية فبالتالي تحفظين شرفك هذه الكلمة التي نتساءل عنها دائمًا.

ماهو الشرف وهل يوجد في الأصل شيء اسمه شرف؟ هذا الشيء الذي قيد به المجتمع النساء فدائمًا يرون أن شرف الفتاة في الحفاظ على غشاء بكارتها، أن شرف الفتاة في الحفاظ علي شرف زوجها، شرف الفتاة وعفتها في حجابها وفي ختانها وأيضًا في زواجها شرف، وكأنها لم تخلق حرة مثل الرجال وخلقت جارية لأغراض تخدم مطامع الرجال، فإذا كان يوجد شرف فالكلمة شرف والصدق شرف والأمانة شرف والحق شرف، فلماذا نترك كل ذلك ونحصر الشرف في شرف النساء الذي يكمن في أجسادهن، فكل ذلك أضعف من وجوديتها كامرأة كاملة الحرية والإرادة عاقلة تمتلك عقلًا واعيًا بفكر حر.

أرى دائمًا أن المجتمعات العربية قد اهتمت بجسد النساء والفتيات لتحقيق مكاسبها الخاصة، وأيضًا وسيلة وأداة ضغط من رجال السلطة في بعض الصراعات السياسية، حتى رجال الدين استغلوا جسد النساء في محاولات سيطرتهم على المجتمع للحصول على الخلافة والسطوة الدينية التي يفرضونها، وكأن الخلافة لن تأتي إلا بحجاب المرأة وختانها والتعدد الزوجي وجلوسها بين جدران منزل بين خدمته وتربية الأولاد برؤيته، حتى صلاحية تربية الأولاد لم تحصل عليها، فعليها السمع والطاعة حتى ضعفت ماهية النساء في أغلب الأزمنة والأمكنة.

أصبح القماش هو رمز عفتي وطهارتي، وأصبح الدم هو رمز لشرفي، وأصبحت الطاعة العمياء أداة لانتهاك إرادتي.

رأيت جسد النساء منتهكًا في كافة بيئات العمل، فالجميع يتعامل معها على أنها سلعة تسهل عمليات البيع جاذبة للعملاء في الشركات والكافيهات والمطاعم وغيرها من بيئات العمل المتنوعة كالفن والإعلام، حتى على الصعيد السياسي والإعلامي لم يسلم جسد النساء من الانتهاكات، فلن تحصل على العمل أو الترقية بالعمل إلا إذا قدمت قربانًا للرجل بجسدها، فهناك انتهاكات كثيرة في ذلك الأمر علي مر العصور.

أرى في جلسات الرجال حديثًا بالنميمة عن علاقاته النسائية وعلى وصف أجساد نساء يتعاملون معهن في بيئات العمل أو دوائر اجتماعية أخرى، وكأن استباحة الحديث في ذلك أصبح بمثابة متعة جنسية لهؤلاء الرجال.

وأخيرًا وليس آخرًا، أرى ضرورية عبور النساء من جسور ثقافية وفكرية وطباع بشرية تحمل الحق المطلق في انتهاكات النساء وإحباطات لقدراتهن الإنسانية، وتحصل على عنوانها الإنساني الذي يميت هذا الفكر العقيم المدين لجموع النساء بالاعتذار فيصبحن نساء بلا قيود متحررات، حتى إذا كأن هذا التحرر يصفهم ويوصمهن بأبشع الصفات، ولكن حريتهن هي الغاية المثلى لتحقيق إرادة حرة لنا كنساء، فعلى جموع النساء في عالمنا الإنساني أن يكسرن حاجز الصمت والخوف وأن يمتلكن إرادتهن وحريتهن في كل شيء بداية من حرية الجسد.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة