هيلن كيلر.. ليست معجزة

هيلن كيلر، المناضلة الأمريكية الشهيرة، هي النموذج المفضل لمدربي التنمية البشرية، كيف لا؟! وهي المثال الحي علي الإرادة الصلبة التي تجاوزت العقبات التي فاقت التصور، تلك المرأة التي أصيبت مبكرا بالإعاقة المزدوجة حيث فقدت السمع والبصر معا. فهي لا تري كي تتعلم الإشارة، ولا تسمع كي تتعلم الكلام، رغم ذلك تعلمت باللمس، ثم تعلمت الكلام، وتعلمت حتي حصلت علي الدكتوراه، وألفت  ثمانية عشر كتابا، وكانت خطيبة مفوهة، ومدافعة عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وحقوق المرأة، كما تبنت الاشتراكية الراديكالية، وانضمت للحزب الاشتراكي. سافرت كيلر حول العالم تلقي محاضرات لتدافع عن حقوق المهمشين حتي أنها زارت مصر، والتقت طه حسين 1952. بصحبة رفيقتها أن سوليفان.

تمثل كيلر أحد النماذج الإيجابية للأشخاص ذوي الإعاقة بالتأكيد، لكن الإرادة القوية ليست سوى أحد جوانب القصة. هناك عوامل عديدة ساهمت في نجاحها الباهر، بداية من الأسرة المثقفة التي اهتمت بالبحث عن أفضل المتخصصين في مجال الإعاقة، مرورا بوجود معاهد متطورة بأمريكا مثل معهد "بيركز للمكفوفين"، وصولا لوجود أشخاص موهوبين أثروا في حياتها وبالأخص العبقرية أن سوليفان، التي دربت كلير علي التواصل باللمس، وهو أمر يحتاج الكثير من الصبر، والتواصل الصحيح أدى للتعلم الذي أستمر حتي تمكنت كيلر من الكلام، والحصول علي أعلي الدرجات العلمية، وتعلم أربع لغات. وقبل كل كذلك الأوضاع المالية الجيدة للأسرة التي مكنتها من الإنفاق علي التأهيل، والتعليم.

ماذا لو لم تجد كيلر هذه العناية؟ وماذا لو كانت فقيرة مثل أغلبية الأشخاص ذوي الإعاقة؟ وماذا لو تقابل معلمتها وصديقتها أن سوليفان؟ إجابه تلك التساؤلات وغيرها، هي الفيصل في حياة ذوي الإعاقة. الملايين منهم لا يحققوا النجاح، ويعيشوا أوضاع بائسة ليس لغياب الإرادة القوية لكن لغياب العوامل الأخرى التي تساهم في رفع الحواجز، وتمكنهم من الوصول لحقهم في الفرص المتساوية مع غيرهم.

قبل عقود، قدم أحد برامج التليفزيون المصري، فقرة عن فتاة هندية بلا ذراعين تجيد استخدام قدميها للقيام بعمل اليدين، كانت تلك الفقرة مادة للحديث بين المصريين طوال أيام. لم يدرك الجمهور حينها أن تلك الفتاة ليست معجزة، وأن تدريب القدمين للقيام بعمل اليدين أمر طبيعي في حالة فقد الذراعين بل أن هناك مصريين لديهم تلك المهارة، وأحدهم يلعب تنس الطاولة باستخدام الفم، الأمر ليس معجزة انه ببساطة تدريب، وتأهيل، وتعلم، فالإنسان كائن قابل للتعلم مهما كانت حالته الجسدية.

من المهم تقديم النماذج الإيجابية للأشخاص ذوي الإعاقة، ليس بوصفها معجزات خارقة للطبيعة، لكن بوصفها أمثلة لإثبات القدرات الكامنة لديهم. القدرات البشرية تحتاج لبيئة داعمة، وفي مجال الإعاقة تلعب سياسات التمكين، وبرامج التأهيل، والتعليم المتطورة، دورا حاسما في حياة ذوي الإعاقة، وقبل كل ذلك مواجهة الاتجاهات السلبية السائدة ضدهم علي كل المستويات. المساوة، والفرص المتساوية لا تتحقق بالاستبعاد بسبب الإعاقة بل علي العكس، يتسبب الاستبعاد في خسارة المجتمع لآلاف المواهب، وإهدار إمكانيات هائلة يمكن أن تساهم في فائدة كبيرة للمجتمع.

إن اهمال حياة ملايين البشر من ذوي الإعاقة، يخلق مأساة كبيرة يعيش أصحابها علي هامش الحياة في عزلة مفروضة بثقافة رجعية، وسياسات شكلية تقوم علي الشعارات.

للأسف يلعب الإعلام دورا سلبيا في مجال الإعاقة بتكريس مفهوم الدعم الخيري، والعاطفي، ووصف الاشخاص ذوي الإعاقة بأوصاف غير صحيحة، إعلام يقدم العجز علي القدرة، والدعم علي التأهيل، والتعليم. علي الإعلام أن يهتم أكثر بمجال الإعاقة، ويبحث قليلا ليعرف كيف يقدم النماذج الإيجابية بوصفها أمكانيات واقعية وليست معجزات.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة