في حكم قضائي صادم، أصدرت محكمة النقض الأربعاء 7 يونيو، حكمًا باتًا، غير قابل للطعن، باعتبار جرائم التظاهر من الجرائم "المخلة بالشرف"، والتي تُفقد مرتكبها شرط حسن السمعة والسيرة، بما يجيز لصاحب العمل إنهاء علاقة العمل بإرادة منفردة.
واعتبر الحكم أن التحريض على التظاهر والانضمام إلى كيان إرهابي محظور، وتعطيل المواصلات العامة أو الخاصة، وحمل السلاح والإضرار بالأمن القومي، من ذات الجرائم المخلة بالشرف.
واستند الحكم إلى نص المادة 129 من قانون العمل، والتي تجيز لصاحبه أن ينهي عقد العمل، ولو كان محدد المدة أو مبرمًا لإنجاز عمل معين، إذا تم الحكم على العامل نهائيًا بعقوبة جنائية أو عقوبة مقيدة للحرية أو جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، وذلك ما لم تأمر المحكمة بوقف تنفيذ العقوبة.
وفسّرت المحكمة النص السابق بأنه يمنح صاحب العمل الحق في إنهاء عقد العمل إذا ثبت لديه الدليل على ارتكاب العامل لفعل يُعد من قبيل إخلاله بالتزاماته المنصوص عليها في القانون، لاسيما التزامه بالحفاظ على كرامة العمل، وأن يسلك المسلك اللائق به.
وشددت المحكمة على أن اتهام العامل بجرائم الانضمام إلى كيان إرهابي محظور أو قطع الطريق أو تعطيل المواصلات العامة أو الخاصة وحمل السلاح إضرارًا بالأمن القومي للبلاد يُعد بلا شك "اتهامًا بما يمس شرف العامل وأمانته وكرامة عمله، ويفقده بالتبعية لشرط حسن السيرة والسمعة الواجب توافره فيه لاستمراره في عمله".
وتابعت المحكمة أنه حال مجرد توجيه تلك الاتهامات للعامل، دون صدور حكم نهائي، يكون صاحب العمل مخيراً في إنهائه لخدمة العامل إما بالانتظار حتى صدور الحكم النهائي بإدانته أو استعمال حقه في الإنهاء بالإرادة المنفردة، تقديرًا منه لفقده شرط حسن السيرة والسمعة ومن ثم افتقاده للثقة فيه، ويخضع في تقديره لذلك وكما هو الحال في جميع حالات الإنهاء بالإرادة المنفردة لرقابة القضاء.
ويعد هذا الحكم بمثابة تصريح للقطاع الخاص بإنهاء خدمة موظفيها المتهمين بهذه الجرائم بإرادة منفردة، شأنها في ذلك شأن الجهات الحكومية، التي يجيز لها قانون فصل الموظفين الحكوميين بغير الطريق التأديبي، وفقا لما أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي في أول أغسطس/آب 2021، عزل موظفيها المدانين بذات التهم.
ولا يوجد في القانون تعريف محدد لمفهوم الجرائم المخلة بالشرف، فيما فسرته محكمة النقض في حيثيات حكمها بأن وإن كان لم يضع تعريفًا محددًا جامعًا مانعًا لمفهوم الجريمة المخلة بالشرف، إلا أنه يمكن تعريفها بأنها تلك الجرائم التي ترجع إلى ضعف الخُلق وانحراف في الطبع وهو ما ينطبق على جريمة "استعراض القوة، وقطع الطريق، وإطلاق النار" والتي تُمثل تعطيلًا لأحكام الدستور والقانون، ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها، إلى جانب الإضرار بالسلم الاجتماعي.
وصدر الحكم في طعن أقامته شركة الإسكندرية للصيانات البترولية، طالبت فيه بإلغاء حكم صادر من محكمة استئناف الإسكندرية بإلزامها بأن تؤدي تعويضًا قدره 300 ألف جنيه لأحد موظفيها؛ جراء الأضرار التي أصابته من قرارها بإنهاء خدمته.
وتعود تفاصيل الواقعة عندما فصلت شركة الإسكندرية للبترول، موظفا يعمل لديها منذ عام 1984، وذلك بداية من 24 مارس 2014 بعد إيقافه عن العمل لحبسه في قضية تجمهر واستعراض قوة ثم صدور حكم بإدانته.
وبعد حصول الموظف على البراءة في إعادة محاكمته لاحقا أقام دعوى تعويض ضد الشركة، لتقضي محكمة أول درجة برفض الدعوى استنادًا إلى أن سلامة قرار الفصل من عدمه يرجع إلى وقت صدوره، فاستأنف الموظف على الحكم.
غير أنه في 5 ديسمبر 2017، قضت محكمة الاستئناف بإلغائه وألزمت الشركة بتعويضه بمبلغ 300 ألف جنيه نظير ما اعتبرته فصلا تعسفياً، وهو ما لم يلق قبول الشركة فطعنت على الحكم أمام النقض، التي قضت في حكمها النهائي البات الذي أقرته مبدأ قضائيًا بإلغاء حكم التعويض، وحكمت بتأييد حكم أول درجة الصادر بفصل الموظف عن العمل.
وخلال السنوات الماضية، اتخذت الحكومة المصرية منهجًا صريحًا في التضييق على حرية التظاهر، من خلال إصدار قانون رقم 107 لسنة 2013 ( قانون التظاهر)، وتفعيل قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914، والذي لم يلغ رغم أنه صدر في فترة الاحتلال، وطالبت عدد من المؤسسات بضرورة إلغاء العمل بهذا القانون، لكن تلك المطالبت باءت جميعها بالفشل وكان آخرها الحكم الصادر عن الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري، في 18 يناير 2020، بعدم قبول دعوه بإلزام رئيس الجمهورية بنشر إلغاء قانون التجمهر في الجريدة الرسمية ووقف العمل به.
وفي وقت سابق، نشر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وهو منظمة أهلية، تقريرا يضم 95 صفحة عن القانون الذي يجرم تجمع خمسة أشخاص فأكثر والذي يفرض عقوبات جماعية بطلب من سلطات الاحتلال البريطاني لوقف احتجاجات المصريين ضد حكمها مع اقتراب الحرب العالمية الأولى.
وما اكتشفه الباحثون حينها أن البرلمان المصري أصدر في 1928 قانونا بإلغاء قانون التجمهر. وكان يتعين أن ينشر القانون الذي ألغى قانون التجمهر في الجريدة الرسمية ليصبح ساريا بعد أن مر 30 يوما دون أن يصدره الملك فؤاد الأول أو يرفضه.
لكن الملك الذي عارض إلغاء قانون التجمهر والذي كان يعرف أن رفض إلغائه سيقابل بالمعارضة من البرلمان، قرر الملك منع نشر القانون الجديد في الجريدة الرسمية ليبقى وضع كل من قانون التجمهر وقانون إلغائه مبهما.
على الرغم من ذلك استمرت الحكومات المصرية المتتالية في تطبيق قانون التجمهر في مختلف المراحل. فيما أعاد الرئيس جمال عبد الناصر 1968 استخدامه بقوة بعد مظاهرات للطلاب.
ويقول الباحثون إن عدم نشر قانون إلغاء قانون التجمهر في الجريدة الرسمية لا يقلل من قيمته القانونية ولهذا السب كان استمرار العمل بقانون التجمهر ولا يزال غير قانوني.
وكان مركز القاهرة قد أصدر بيانا في يناير 2020، أكد فيه على أن القانون يعد الأداة الرئيسية للتخلص من المعارضين وأصحاب الآراء المستقلة في كل المجالات، فضلاً عن مئات الالاف من المحتجزين بموجبه حاليًا سيصبح من حقهم- إذ ثبت الغائه- إعادة محاكمتهم، وتعويض من الحكومة على سنوات حبسهم بموجب قانون ملغي.
واستمرارًا لنهج الحكومة المصرية في التضييق على المعارضين، فإلى جانب تفعيل قانون التجمهر الذي يعتبره الكثير من الحقوقيين والنشطاء ملغى وتفعيله غير قانوني، فقد قام الرئيس المؤقت عدلي منصور بإصدار قانون التظاهر عام 2013، ورغم مطالبات النشطاء والحقوقيين بضرورة إلغائه لعدم دستوريته ظل العمل به حتى الآن، رغم إقرار الدستور المصري بحق التظاهر السلمي.
وتردّدت الآراء حول مخالفته للمبادئ الدستورية، وعدم صلاحية رئيس الجمهورية المؤقت حينذاك لإصداره، خاصة في ظل غياب سلطة تشريعية منتخبة ودون مناقشة مجتمعية. وتم تطبيق القانون فور صدوره، ومُنعت بمقتضاه العديد من التظاهرات، كما تم القبض على متظاهرين وحبسهم أو توقيع غرامة مالية عليهم.