كيف يرى القانون المصري النساء؟

أثار مسلسل «تحت الوصاية» جدلًا واسعًا حول حق الوصاية للأم على أموال أطفالها، وكذلك حق الولاية التعليمية التي يكفلها القانون للأم بعد طلبها في المحكمة لهذا الحق، وبدون طلبها أو علمها بهذه الخطوة لا تستطيع أن تمارس حقها في اتخاذ القرارات الخاصة بتعليم أولادها، وتظل الوصاية كاملة للأب في حياته سواء كانت العلاقة الزوجية قائمة أو بعد الطلاق، حيث يحصل الزوج على الولاية التعليمية أوتوماتيكيًا، على عكس الأم التي لا تستطيع أن تحصل عليها إلا بعد إذن المحكمة.

بسبب تلك الوصاية المكفولة للأب، لا تستطيع الأم تسجيل طفلها عند الولادة، أو استخراج جواز سفر أو سحب أموال من حساب بنكي حتى وإن كانت هي مودعتها، فيما تنتقل الوصاية في القانون المصري في حالة وفاة الأب للجد ثم الأم إلا في حالة مطالبة (ذكر) من عصب القاصر، وذلك للحفاظ على ثروة القاصر. بينما في حالة وفاة الأم تنتقل الوصاية للأب مباشرة، وفي كلا الحالتين تخضع أموال القصر للمراقبة من المجلس الحسبي، ولكن الاختلاف الوحيد هنا أن القانون لا يثق في وصاية الأم كحل أولي على أموال أولادها رغم ثقته في رعايتها لهم من خلال ضمان انتقال الحضانة للأم في حالة وفاة الأب أو في حالة وفاة الأم تنتقل الحضانة للجدة من ناحية الأم، وهو ما يدفعنا للتساؤل حول نظرة القانون للأمهات والنساء، فهل يرى القانون المصري النساء كما يرى الرجال؟ وهل تُعامل النساء كمواطن مصري مؤهل للمحاسبة ونيل الحقوق كما هو الحال للرجال؟

يتعامل قانون الأحوال الشخصية مع الأسرة في إطار تنميطي جندري يصر على الأدوار التي حُصر فيها الرجل والمرأة، حيث يكون دور الرجل الإنفاق والمرأة دورها الخدمة والرعاية، مما يترتب عليه أن الرجل أو الأب يأتي في مرتبة متأخرة جدًا في الحصول على حق الحضانة، وأيضًا حصر المرأة أو حرمان الأم من التصرف في الشئون المالية والتعليمية، لتعيش خادمة لأطفالها لكن دون أي وصاية أو ولاية عليهم.

هذا القانون يناسب العصور الوسطى التي كانت فيها النساء سجينة المنزل، لها أن تمارس دور واحد وهو خدمة ورعاية الأسرة بلا مقابل، قانون قاصر لم يرى التغيرات الكبيرة التي طرأت على المجتمع من اختلاف الأدوار وتحمل المرأة في ما يقرب من ثلث أسر مصر عبء الإنفاق بشكل كامل، ومشاركتها بشكل جزئي في أغلبية الأسر، مع الإبقاء على حصرها في أدوار الخدمة والرعاية والأعمال المنزلية غير المدفوعة، كل ذلك لا يعتد به القانون بل يظل يرى أن الإنفاق هو دور خاص بالرجال مقابله يحصل على امتيازات كالوصاية والولاية، كما لا يرى حق للنساء في اقتسام الثروة المشتركة والتي يساهم الطرفين الآن بشكل فعلي في تكوينها، وهذا الحق يتوارثه الرجال أولًا لثقة القانون فيهم، وحرمان النساء من هذا الحق وكأن هؤلاء الأطفال هم من نسب الأب فقط وذكور عائلته، وما الأم إلا فرد غير كامل الأهلية قائم على الخدمة والرعاية.

هذا التمييز يبرز التناقض الواضح في التعامل مع النساء في قانون الأحوال الشخصية والقانون الجنائي على سبيل المثال، كما عرضنا فيما سبق يتعامل قانون الأحوال الشخصية مع النساء من خلال نظرة دونية تحد من قدراتهن وتنتقص من مكانتهن، بل وتنزع عنهن حق المواطنة الكاملة التي يكفلها الدستور لهن، والتي تتضمن حق امتثال جميع المواطنين نساء ورجال على مسافة واحدة دون تمييز، إلا أن هذا القانون تعاني النساء بسببه من تنميط جندري وتمييز قائم على النوع الاجتماعي، يحصل من خلاله الرجل على امتيازات عديدة لا تحصل عليها النساء في المقابل، كحق التطليق الشفوي والتعدد والطلاق القسري، وكذلك الوصاية على الأبناء والتي كما ذكرنا يعامل القانون فيها النساء على أنهن غير محل ثقة، وغير مؤهلات لذلك وهو تمييز واضح وغير مفهوم.

على عكس القانون الجنائي الذي تعامل فيه النساء على أساس أنهن مواطنات مصريات إن أخطأن يعاقبن عقاب كما الرجل، بل أحيانًا يفوق عقابها عقاب الرجل، كجريمة الزنا على سبيل المثال، حيث أن للنساء عقوبة عامين في مقابل ٦ أشهر فقط للرجال، فهل القانون المصري يرى أن نفس الخطأ والجريمة حين تكون الفاعل إمرأة تستحق عقاب أكبر؟ وهل هي نفس النظرة التي تعامل فيها النساء من خلال قوانين أخرى؟ هل القانون محايد فعلًا بين المواطنين رجال ونساء؟ وهل يرانا جميعًا على مسافة واحدة؟ أم يعاقبنا حين نخطىء نحن النساء بعصا مشددة ورحيمة على الرجل أحيانًا؟ وعند الحقوق يدفعنا إلى الوراء خلف الرجال، كمواطنين درجة ثانية أو أقل!

وضع فريق عمل «تحت الوصاية» يدهم على الجرح، وذكرنا بما نعانيه من انحياز واضح لشركاء المجتمع فقط لأنهم رجال، أما عنا نحن النساء فلا أظن أن القانون المصري يرانا أصلًا.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة