من حين لآخر يطل علينا رجل مصري على منصات السوشيال ميديا يتحدث عن تجارب النساء في أمور لم ولن يختبرها بنفسه يومًا ما، يأتي حديثهم من ثقة غريبة لا نعلم مصدرها، يتحدثون عن تجارب الحجاب والأمومة وفطرة المرأة.. إلخ، ويصنفون النساء حسب رؤيتهم لما تشعر به النساء به تجاه أنفسهن وتجاربهن. تصنيف نابع من استحقاقية الرجل المصري كما عهدناه حتى في الحديث عما نشعر به نحن النساء في حياتنا اليومية.
كذلك أصف ما قام به أحد الكتاب والباحثين منذ يومين عن إشكالية خلع وارتداء الحجاب، موجهًا خطابًا صريحًا لمن خلعته بأن تتسق مع ذاتها وتعلن أسبابها واضحة حتى يسهل تصنيفها، هل هي خلعته كقبلة بداية شهوانية تنتظر ما بعدها من تغيير لنمط الحياة أم قبلة نهاية لموقف لطيف يملأها الود ومشاعر الحب؟! ولا ننتظر منها غير ذلك فلا تغيير يطرأ عليها ولا معارك جديدة أخرى تختلقها، تحافظ على نمط حياة متدين يتجنب الكبائر، لم تخلع الحجاب ومعه هذا النمط المحافظ ولا تشتبك مع معارك حول فريضته.
قارن الكاتب بين حاملي المصحف وحاملي اتفاقية السيداو، وهي مغالطة وقع فيها، حيث افترض أن هناك تعارض بين الاتفاقية وما يشمله القرآن من حقوق للنساء وحماية من التمييز، كما افترض أن قرار خلع الحجاب مرتبط بشكل وثيق بسلوك صاحبة القرار، وهو ما نحتاج أن نقف أمامه لمناقشته وكذلك ما ذكره الكاتب بداية وختاما لحديثه "مايخصنيش"!
ما طرحه الكاتب - على الرغم من اعتذاره عن الصياغة فيما بعد - هو نموذج لخطاب متكرر يتدخل في شئون النساء واختيارتهن، مع تغليف الحديث بكلمات كميخصنيش»/ في الأول والآخر أنتي حرة / أنا بنصحك/ أنا خايف عليكي/ لازم تسمعي الرأي الآخر، وهي محاولة للتلاعب بالألفاظ للوصول لنفس نتيجة الخطاب المباشر صاحب الصياغة المليئة بالوصاية والذكورية، والتي يسعى لها المجتمع الذكوري حتى يضمن أن شئون النساء هو أمر يخص الجميع لا هن وحدهن، لتعيش النساء سجينات وصايتهم، حتى وإن تحررت تظل مطالبة بتبرير ومناقشة ما تعيشه، حتى مشاعرها التي لم ولن يختبروها، متجاهلين تمامًا ما تدفعه النساء مقابل هذه الاختيارات والمكتسبات الضئيلة، ولكن في حقيقة الأمر هم المستفيدون مما تعانيه النساء، فمن دون معاناتهن لن تظل تلك الوصاية موجودة، ولن يحظى أحدهم بامتيازات ذكوريته في مجتمعنا.
يرى هؤلاء أن منظورهم مختلف لأنه «ميخصهوش»، على الرغم من كل حديثه الذي يؤكد فيه أن الأمر يعنيه ويخصه بدرجة كبيرة، حيث يشغل بالهم لماذا خلعت هذه الفتاة الحجاب؟ وهل خلعت معه رداء العفة وخرجت عن قيم الأسرة المصرية؟ هذا الطرح المتكرر وسط حديث الرجال عن أي امرأة تختار فقط أن تخرج عن هذه الوصاية ممتلئ بالوصم والتهديد بلغة ذكورية واضحة يصل من خلالها خوف وترقب من فقدان سيطرته على الأمر، وتظل خطوة تحرر النساء وتعالي أصواتهن هو شيء مفزع ومؤرق لأحدهم يدفعه للحديث والبحث عن تصنيف ما مغلفًا حديثه حول اتساقًا فكريًا مع ما نعيشه، حتى وهو بكل تأكيد «ميخصوش».
ما يغفله الكاتب هو أن اختيار مثل خلع الحجاب تدفع الفتيات والنساء ثمنه من أمانهن الشخصي، وعلاقتهن الطيبة بأهلهن وخسارتهن الاجتماعية، كما يعرضهن لخطر التعنيف والحبس والتهديد بالقتل والوصم اجتماعيًا كما فعل، كذلك تتعرض النساء للابتزاز العاطفي والديني والضغط المجتمعي والعلاقات المسيئة، وظن المجتمع الذكوري أن من خلعته تعلن بذلك عن رغبتها في نظرات الرجال وإثارتهم مما يعرضها للمضايقات والسب ووصفهن بأقبح الكلمات، مبررين لأنفسهم أن من ترغب في الحماية عليها أن تتغطى وتلتزم بالكود المطروح من قبلهم، بغض النظر عن إحصائيات التحرش بمن التزمت بهذا الكود والتي تنسف هذا الخطاب من أساسه.
تجاهل أيضًا الكاتب أنه لا مجال للمقارنة حتى يختبر ما تعيشه النساء أبدًا، لا أحد يهتم بما يرتدونه، لن تثور المجتمعات والعائلات والسوشيال ميديا إذا قرر أحدهم ارتداء شورت قصير يكشف عورته بالمعنى الديني، ولن يدفع الثمن كما تدفع النساء عند رفع هذه القماشة عن رأسهن، لن يوصم أحدهم لنشره صورة يعري فيها جسده متباهيًا بعضلاته وفحولته، لن تثار فتاوى بالألوان المناسبة لملابسهم ورائحتهم وصولًا لشعر وجههم وحواجبهم، لن يختبر الرجال أبدًا الخوف داخل العلاقات بسبب رغبة أحدهن بخلع الحجاب أو تغيير «ستايل لبسها»، كل تفصيلة في مظهر النساء يتدخل فيها المجتمع ورجال الدين والشريك والأهل، بنطلون أم جيبة، طرحة أم نقاب، أسود أم ملون، رائحة أو بدون، قصير أم طويل أم طويل جدًا، لن يختبر الرجال كل هذا أبدًا ولم يمنعهم ذلك عن التدخل في شؤوننا والحديث عما نعيشه وإثارة الجدل المستمر باستحقاقية معهودة غير مهتمين بمن قتلت أو عنفت أو حبست بسبب هذه الأفكار! يدافعون عن حرية الرأي حين يتحدثون عن اختيارات النساء وهم يحرمون عليهن الاختيار نفسه، بل ويحاسبوهن عليه.
كما نرى، يظل الخطاب الذكوري يتلون حتى يضمن استمرار سيطرته على حياة النساء، تارة مقاومة وهجوم على من تطالب بحقها وتارة أخرى في ثوب الحكمة والنصح، أو كما قال أحدهم من «شريك لا وصي»، من شريك لا يقف على نفس المسافة مع ما نعانيه، ولا يملك ذات الأدوات المحدودة، بل يستطيع أن يتراجع من المعركة في أي وقت محميًا بامتيازاته، كيف لنا أن نثق في شريك يتحدث بلغة الأنا والاستحقاقية؟ لا يريد سماع ما تحتاجه الضحية أو الناجية، بل يوصم من تجادله بأنها لا تستطيع أن تقرأ أو تعي ما يقوله بسبب ما عاشته «التروما ساعات بتعمينا»!
عزيزي الرجل المصري نحن النساء نحمل صدماتنا منكم فوق رؤوسنا لأنها تميزنا عنكم، ما اختبرناه في حياتنا خلق بداخلنا تعاطفًا تجاه بعضنا البعض، ورؤية أعمق لما نعيشه، يصعب على من يتحدث من الخارج رؤيتها أو قراءتها.