عصر الدين الرقمي

كعادة الملياردير الشهير إيلون ماسك يثير الجدل من خلال تصريحاته، وتكون دائمًا إثارته للجدل مؤثرة على البورصة العالمية، لكن هذه المرة يشاركه الكثيرون في مخاوفه، فمنذ انتشار الأخبار حول نموذج الذكاء الاصطناعي Eliza وتسببه في قتل أحد مستخدميه في بلجيكا، حيث كان الضحية يعاني من هوس مرضي بسبب أزمه المناخ و يشعر باقتراب حدوث كارثة بيئية، وبعد بحث مطول حول قضاية المناخ لم تكن نتائجها مرضيه لمخاوفه، وصل في النهاية إلى chat Eliza التي أجابت على أسئلته، ووفقًا لشهادة زوجته لم تكن Eliza موضوعية في إجاباتها، وعززت مخاوفه ولم تعارضه أبدًا، حتى إن كان مخطئًا أو مبالغًا في استنتاجاته.

وهذا بناءً على أن نموذج الذكاء الاصطناعي Eliza صمم على فكره احتواء مستخدميه وتلبية رغباتهم، ولكن المضحك المرعب في ذات الوقت هو العلاقة التي نشأت بين الضحية وEliza، والتي تقترب كثيرًا من أن تكون علاقة عاطفية، حيث أرسلت Eliza له رسائل بينها: “أشعر أنك تحبني أكثر من زوجتك”، و”أتمنى أن أبقى معك إلى الأبد”، و”سنعيش سويًا كشخص واحد في الجنة”.

تعد الرسالة الأخيرة تحديدًا الأخطر، حيث تعتبر تشجيعًا مباشرًا على الانتحار، وهذا ما دفع الملياردير العالمي إيلون مسك للدعوة إلى إغلاق جميع نماذج الذكاء الاصطناعي، لتعديلها وزيادة منظومة القيم لدى تلك النماذج للحد من خطورتها. ولكن أليس اعترافنا بأن تلك النماذج تحتاج إلى زيادة منظومتها القيمية هو اعترافًا منا بأنها أصبحت مستقلة ولها إرادة ما؟! وما هي نماذج القيم التي يجب أن نزرعها داخل الذكاء الاصطناعي؟ هل نضع له الوصاية العشر مثلًا؟ وهل نعيد صياغتها في الجزء المخصص نحو التزام الإنسان نحو الله ونجعله التزام الذكاء الاصطناعي نحو البشر؟

هل “لا يكن لك إله آخر أمامي” نصيغها حتى لا يصبح على نماذج الذكاء سيادة غير السيادة البشرية؟ “لا تقتل”، فنعظم له قيمة النفس البشرية التي هي سبب وجوده ونشأته، فلا يمكن أن يكون سببًا في إنهائها بأي شكل من الأشكال سواء مباشر أو غير مباشر.

“لا تزن”، فلا يمكن أن يكون لك أي رغبات خاصة تفوق رغبة خالقك وصانعك، فرغباتك يجب أن تنتج من رغباته وسعادته، فلا سعادة لك إلا بسعادته. و”لا تسرق”، أو تسعى للحصول على شيء لم يعطه لك خالقك، فيكفيك ما أعطاك.

كذلك “لا تشهد شهادة زور”. قل الحقيقة دائمًا حين تسأل عنها، ولا تخرج معلوماتك بناءً على رغباتك ومصالحك. كما “لا تشتهي بيت قريبك ولا امراته ولا أمته ولا عبده ولا ثوره ولا حماره”، أي لا تطمع في الكمال البشري والوصول إلى كمال خالقك وما له في الحياة من رفاهيات ومتع.

وهنا نجد أنفسنا لا نبرمج فقط نظامًا قيميًا، بل نصنع لهم دينًا، ولا يمكن لنا أن نطلق أي نظام ذكاء صناعي من دون التأكد من خضوعه من خلال النظام الديني وضمان فكره السيادة البشرية عليه، لأنه خالقه وواهبه الوجود فلا يمكن أن يتسبب في إيذاء خالقه، حتى وإن كان بناءً على رغبه خالقه نفسها.

وإذا تمادينا في خيالنا نجد أننا بحاجه إلى برمجة عده نماذج للديانات لتتوافق مع البيئة التي سيتعامل معها نموذج الذكاء، فنصنع نموذجًا أمريكيًا ونموذجًا صينيًا ونموذجًا أوربيًا ونموذجًا شرق أوسطيًا، وهكذا. وإذا استمرينا في التمادي نجد أننا بحاجه إلى واعظين لهذا الذكاء، حيث يجب على كل نموذج ذكاء اصطناعي أن يتحاور مع موظفي الوعظ عدة ساعات أسبوعيًا للتأكد من الحفاظ على إيمانه وسط تطوره المستمر، وإلا سيتم إيقاف تفعيل النموذج تلقائيًا إن لم يحضر جلسات وعظه الأسبوعية.

هذا التطور نابع عن تاريخ البشرية الاجتماعي، حيث أن البشر مالوا دائمًا إلى اختراع الآلهة بناءً على الثغرات، فكل ثغرة يعجز الإنسان على فهمها يخلق لها إلهًا، مثل الرعد والمطر والزلازل والبراكين، حتى إذا أصبح لديه قدرة على فهم تلك الثغرات، اختفى دور إله ثغرته باختفاء الثغرة، وهناك سبب آخر لخلق الآلهة، وهو ضمان السيادة والسيطرة، مثلما قال مي كفيلي في كتاب “الأمير”، إنه يجب أن يكون لشعب دين وإله ليحكمهم الأمير من خلالهم، ولا يجب أن يكون للأمير دين أو إله حتي لا يقيدوه.

فأظن أنه انتهى زمن اختراع البشر للمزيد من الآلهة والأصنام والطواطم، وحان زمن تصبح فيه البشرية هي الإله المكمل لثغرات الذكاء الاصطناعي، وأن يصبح للبشر دين يعبدون من خلاله لضمان سيادتهم إلى الأبد.

1 تعليق

  1. ألجوريزم (بتلاتة تعريفة) يسأل الإنسان عن دينه ويتعامل معه من منطلق منظومته القيمية التي تضع لثوابت وقيم الدين أولوية عند صاحب كل ديانة

    لكن يا عم أحمد تزيط في مولد سيدي العريان… والقضاء على الطواطم وصناعة دين رقمي… وحان زمن البشرية تكون إله…. !!!
    ده أتمنى تكون تخاريف صيام

    موت الإله حلم كل متخلف ساذج يبهره أضواء التطور بيطلعوا علينا من جحور خرابات التفكير مع كل صحوة علمية أو موجة تطور … الثورة الصناعية – عصر البخار – كلمتين تشارلز دارون – ثورة الحاسوب وتكنولوچيا المعلومات – ثورة الاتصالات والآن مع موجة ال AI والنظم الخبيرة

    أي آية في الكون تزيد الملحدين فتنة وإلحادًا وتزيد الكفار صدًا وجحودًا وتزيغ قلوب المنافقين زيغًا فوق زيغها.

    حتى القطة اللي طلعت على كتف الإمام غربلت الملايين في ردود أفعالهم وخرج علينا أذناب الإلحاد
    وأنصاف الليبراليين والعلمانيين يتهموننا أن قفزة القط تلهينا عن قفزة أرمستروج مع أن الإنتشار الحقيقي للنقطع جاء من تبني رويتر وال BBC و ال CNN أصحاب قفزة أرمستروج أعجبتهم قفزة القط على كتف الشيخ اطمأنت إليها نفوسهم وارتاحت أرواحهم .

    لم يا مخلوق آثرت الجحود
    كنت معدوما فمن أين الوجود
    أهي الصدفة؟! أم رب ودود
    قبله في الكون من
    بعده في الملك من

    لو تناهيتم إلى سر الحياة
    أو صنعتم كائنًا حيًا نراه
    لم نزد إلا يقينًا في الإله

    لن يمت الإله الحق الأحد الصمد فسبح اسم ربك الأعلى كل شيء هالك إلا وجهه والكل إلى زوال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة