ما قبل سره الباتع

هل علينا شهر رمضان المعظم منذ أيام قليلة، وكعادة الحال يتجه الرأي العام المصري بشكل كبير تجاه تحليل وتقييم الأعمال الفنية المطروحة في الدراما الرمضانية، ومن أكثر الأعمال إثارة للجدل كان مسلسل “سره الباتع” للمخرج خالد يوسف، والذي يشارك فيه كوكبة من نجوم التمثيل في مصر، والمسلسل مقتبس من رواية الكاتب الكبير يوسف إدريس وتحمل نفس اسم المسلسل. وبعيدًا عن فنيات العمل فهو يتعرض لمرحلة تاريخية مهمة في تاريخ مصر وهي مرحلة الحملة الفرنسية، ولكي نتفهم جيدًا تلك الفترة لابد أن نعرف الشكل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة المصرية قبل دخول الفرنسيين.

فنجد أن الظروف الجغرافية في مصر ساعدت على تقوية الرابطة بين السكان وتوحيدهم على مر الزمن، وهذا الشعور لا يقتصر على السكان الأصليين، بل يشمل أيضًا الأجانب اللذين حاولوا التقرب شيئًا فشيء من مستوى الناس كي يندمجوا مع المصريين، وهذا ما نلاحظه في المماليك، فلقد كان المماليك في فترتهم الأولى ينتمون إلى أصول تركية متمثلة في المماليك اللذين جذبهم الملك “صالح” آخر ملوك الأيوبيين، وأسكنهم قرب وادي النيل ومنه سماهم بالمماليك البحرية، ولكن في مطلع سنة 1328 كان السلاطين يحصلون على العبيد من الشراكسة أو البرجية بصفة خاصة، وقد سموا بالمماليك الشراكسة أو البرجية لأنهم يسكنون في أبراج القلعة، وكان عندما يدخل هؤلاء العبيد بيوت السلطان يتم تعليمهم وتدريبهم من أجل إعدادهم للالتحاق بالجيش أو حتى مناصب الدولة، ويتلقون دراسة إسلامية، وعندما يتعلم العبد ويصبح ناضجًا يسمى مملوك، أي من يمتلكه السيد، وقد كان يمنع على المماليك الوراثة، ولكن تم خرق هذا المبدأ خلال الفترة 1290-1328، وقد بدأ الميراث مع سقوط المماليك البحرية ومجيء المماليك البرجية.

وكان المماليك يفرضون على أرض مصر الخصبة وعلى الفلاحين المصريين الضرائب، ويحصلون على “مكوس” من تجارة الرقيق بينهم وبين أوروبا وآسيا، وظل هذا الوضع حتى بسط الأتراك سيطرتهم على مصر. وفي الوقت الذي بدأت فيه مظاهر الإعياء والضعف تظهر على السلطة وحكم المماليك في مصر، أخذت قوة المماليك العثمانيين في النمو والظهور، وكان ذلك قبل الدخول العثماني لمصر، وكانت هناك علاقات ودية بين سلاطين المماليك والعثمانيين، حيث وقف العثمانيين إلى جانب المماليك للدفاع عن ديار الإسلام، وعندما عجزت قوة المماليك في مصر عن التصدي للسفن البرتغالية وغاراتها على السواحل العربية، إلا أن هذه العلاقات سرعان ما تدهورت، ويتضح ذلك من خلال معركة ” مرج دابق” قرب حلب عام 1516، وفي سنة 1517 فقدت مصر استقلالها السياسي وأصبحت مجرد ولاية عثمانية.

وبعد الدخول العثماني لمصر لم يكن جميع المماليك مؤيدين للحكم العثماني في مصر، ولم يكن كل اللذين عينوا أو استمروا في مناصب هامة مخلصين للدولة العثمانية، ومع ذلك شهدت مصر فترة من الاستقرار السياسي. ولكن كعادة مصر سرعان ما تغير الوضع وبدأت البلاد تعيش حالة من الاضطراب، ورجعت قوة المماليك وازداد نفوذهم، وأصبح الولاة العثمانيين مجرد رؤساء صوريين، وفي القرن 18 أصبح الوالي العام العثماني لا يملك سوى لقب “الباشا”، وأصبحت الأمور في أيدي المماليك اللذين كانوا يمتلكون الأراضي.

ولما استُفزت الدولة العثمانية من المماليك أرسلت أسطولًا بقيادة “حسن باشا” للقضاء على نفوذ المماليك، ووضعت بعض الإصلاحات، ورغم أن هذه الإصلاحات هامشية وليست جوهرية حقق “حسن باشا” المهمة الأساسية وهي إعادة مصر كولاية تحت الحكم العثماني، لكن بمجرد ما رجع حسن باشا إلى الاستانة عاصمة الدولة العثمانية مهد ذلك لظهور الحملة الفرنسية على مصر، لكي يدخل نابليون بونابرت قائد الحملة دون مقاومة ويسهل عملية احتلال الأسطول المصري بسهولة، ولذلك قيل إن حملة نابليون بونابرت مؤامرة درست وحيكت في قصر السلطان العثماني.

وفي تلك الفترة كانت البلاد مضطربة بسبب ضعف الحكومة المركزية وضعف ولاتها وانشغالهم بجمع المال والدفاع عن أنفسهم ضد المماليك، اللذين كانوا يعملون لمصلحتهم الخاصة وأهملو جانب القوة العسكرية، وبالتالي اجتمعت أسباب الانهيار السياسي والتراجع في الأهمية التجارية وبالتالي التخلف الاقتصادي، وهذا ما جعلها محل أطماع الفرنسيين.

فنجد على طول تلك الفترة من التاريخ أن مصر لم تستقر للعثمانيين بعد ضمها للخلافة العثمانية، لأنها كانت تعاني من المحاولات المتكررة للمماليك لاسترجاع نفوذهم، وهي محاولات باءت بالفشل في أغلب الأحيان، وأصبحت مصر ولاية عثمانية مرتبطة بمركز الخلافة في الاستانة. ورغم أن المماليك لم تكن بأيديهم السلطة تدخلوا في كثير من الأمور وفي مختلف المجالات، ومع هذه الاضطرابات بين المماليك والدولة العثمانية وسوء الظروف السياسية والاقتصادية في مصر بسبب تراجع هيبة الدولة العثمانية عالميًا كان دخول الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت لمصر سهلًا.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة