الجميع يشعر بالقلق من انهيار بنك silicon valley أو "وادي سيليكون"، ويتوجس الجميع من هبوب أزمة اقتصادية تشبه أزمة 2008، بل ويشعر البعض أنه في ظل هذا الوضع الدولي قد تكون الأزمة أشد فتكًا وخطورة، خاصة أن الخسائر الحالية تقدر بثلاثة أضعاف خسائر ليمن براز التي بدأت كرة الثلج لأزمة 2008.
دعونا أولًا نوضح ما هو بنك وادي سيليكون وما هي الأسباب المؤدية للأزمة.
يأتي ترتيب بنك وادي سليكون في ترتيب البنوك الأمريكية في المركز السادس عشر بقيمة أصول 209 مليار دولار وودائع بقيمة 175 مليار دولار، وله فروع في عدة دول على رأسها الصين والدنمارك وألمانيا والهند وإسرائيل والسويد، وكان البنك يتمتع بسمعه مصرفية ممتازة، حيث استحوذ وحده على 40 % من سندات الحكومة بقيمة 128 مليار دولار، وتضاعفت قيمة ودائع البنك 4 مرات على مدار آخر أربع سنوات، وزادت نسبة قروضه من 23 مليار دولار إلى 66 مليار دولار، وكان البنك يعطي فائدة طويلة الأجل 1.5 %.
بدأت موجة الهلع عندما أعلن المستثمر الشهير "بيتر سيل" عن تعثر البنك في السيولة، ودعا المستثمرين إلى سحب ودائعهم، ومن هنا بدأت كرة الثلج وأعلن البنك إفلاسه بعد الإعلان بيومين.
ولأن بنك وادي سيليكون يختص بالأساس بدعم وتمويل الشركات الإلكترونية، فكان تأثيره واسع المدى، وأدى إلى انهيار العديد من الشركات الصغرى في مجال التكنولوجيا، و في يوم واحد خسرت أربعة بنوك 52 مليار دولار، وانخفض سعر النفط العالمي بنسبة 5% ، كما أعلنت شبكة "بلومبيرج" أنه في خلال ثلاثة أيام تبخرت 465 مليار دولار من الأسواق.
كل هذه البيانات والأرقام تدعو بالطبع إلى القلق، وهناك استغلال سياسي للأزمة، مثل إعلان الكرملين عن استقرار البنوك الروسية وعدم تأثرها بالأزمة العالمية، وهذا كلام عار تمامًا من الصحة ولا يتعدى كونه كيدًا سياسيًا، فالاقتصاد الروسي كما يعلم الجميع هو اقتصاد شيوعي تسيطر عليه الحكومة، وكل شي تابع لقرارات الحكومة وبنكها المركزي، فلا يوجد مجال للمقارنة من الأساس.
ولكن دعونا نستعرض أهم الأسباب لانهيار بنك وادي سيليكون في البداية. السبب الأهم هو زيادة نسبة الودائع بشكل ضخم عن نسبة القروض، حيث تأتي الأرباح الأساسية للبنوك من القروض ونسب الفائدة، ثم تأتي السياسة المصرفية الأمريكية الحالية و مضاعفة سعر الفائدة من صفر إلى 4.7%، ويتوقع البعض أن تصل إلى 6% خلال هذا العام. كل ذلك دفع إدارة البنك لبيع السندات بالخسارة قبل موعد استحقاقها لتغطية فجوة السيولة.
ولكن بالنظر إلى أزمة 2008 نرى أن الانصهار المالي أثر على 500 بنك، وظلت تداعيات مستمرة حتى عام 2015، ولعلم الحكومة الأمريكية بدورها في هذه الأزمة ومسؤوليتها المباشرة. ولعلمها بخطورة ترك كرة الثلج وتداعيات الوضع بخبرة أزمة 2008 أعلنت الحكومة الأمريكية ضمانها لكامل أموال المودعين وليس فقط النسبة المنصوص عليها قانونًا، مما هدأ المستثمرين وأوقف حركة سحب الودائع، ومن ثم تحرك الاحتياطي الاتحادي لفتح خط تمويل لكل البنوك لتفادي أزمة السيولة.
ولم تكن سرعة التدخل من الحكومة الأمريكية وحدها، بل في إنجلترا أعلنت الحكومة أنها سهلت مع بنك إنجلترا بيع بنك سيليكون فالي إلى بنك HSBC في خطوة لحماية الودائع دون التعرض لأموال دافعي الضرائب. وفي ألمانيا أعلنت الهيئة الفدرالية للمصارف أن أزمة سليكون فالي ذات تأثير محدود على الاقتصاد الألماني، وأعلنت تجميد أصول البنك.
وكل هذه التدخلات السريعة للأزمة حسنت الوضع وأوقفت كرة الثلج من التقدم، لكن هل انتهت الأزمة وزال الخطر تمامًا؟
في الواقع الأزمة مستمرة، فلن يكون انهيار بنك سليكون فالي الأخير في ظل تبعات الأزمة العالمية الحالية، ولكن تحمل المسؤولية والإدارة الرشيدة قادرة على احتواء الأزمات، أما نحن كشعوب فدورنا الأساسي في هذه الأزمات هو ألا نهلع، فالهلع وحده قادر على أن يصلنا إلى كل مخاوفنا التي نهلع خوفًا من الوصول إليها.