منذ 114 عامًا نحتفل سنويًا باليوم العالمي للنساء في الثامن من شهر مارس، تخليدًا لذكرى حراك 15 ألف امرأة عام 1908، وخروجهن في مسيرة احتجاجية في نيويورك للمطالبة بتحسين أوضاع النساء في سوق العمل بتقليل ساعات العمل اليومية وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت في الانتخابات. قامت الأمم المتحدة رسميًا بالاحتفال بهذا اليوم عام 1975 وجعلت لكل عام شعار وسمة تميزه منذ ذلك الوقت. واستمر نضال النساء حول العالم عقودًا طويلة وحظت مصر بنصيب كبير، لتصبح الحركة النسوية في مصر أقدم حركة نسوية منظمة في العالم العربي، لذا في اليوم العالمي للنساء هذا العام نرسل تحية عبر هذا المقال لنضال المرأة المصرية عبر التاريخ الحديث.
قد يظن البعض أن الحركة النسوية هي منتج غربي لم تسمع عنه المرأة المصرية إلا مؤخرًا، وهو ما ينافي الواقع تمامًا، حيث يمكننا إرجاع تاريخ الحركة النسوية المصرية إلى مشاركة النساء في ثورة 1919، وهنا نتذكر الفتاة الثائرة حميدة خليل من حي الجمالية بمدينة القاهرة، حيث كان سقوطها بالرصاص الإنجليزي وهي تشارك في الصفوف الأولي أثناء تظاهرة أمام مسجد الحسين هو المفجر الأساسي للثورة.
لم تقتصر مشاركة النساء في ثورة 1919 في المظاهرات، ولكنها شاركت أيضًا في مقاومة الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، من خلال الخروج في الشوارع محتجات على الغزو الفرنسي، وهو ما شارك بشكل كبير على تقوية موقفهن وإعلاء صوتهن وتمكينهن على المدى البعيد للحديث عن قضايا أخرى تمس حياتهن، وهو ما ظهر بعد ذلك حيث عُقد مؤتمر النساء في رشيد، وهنا كانت المرة الأولى التي ناقشت فيها النساء واحدة من أهم القضايا التي تمس حياتهن اليومية وهي تنميط الأدوار الجندرية.
وعلى الرغم من أن تلك المشاركات لم تكن لها صبغة نسوية، عبرت وشكلت وعي نسوي كبير أدى بعد ذلك إلى تكوين لجنة للمرأة في حزب الوفد بقيادة السيدة هدى شعراوي، وكانت لهذه المبادرة دور رئيسي في تقوية موقف النساء وإشراكهن في المشهد السياسي بعد ثورة 1919. ولكن للأسف وقتها لم تحظى مطالبات النساء بقبول كبير، وكان يتم رفضها من القوى المصرية الرجعية والسلطات البريطانية، مما جعل النضال النسوي مقرون بمناهضة الاحتلال البريطاني.
وشهدت مصر في أواخر القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين انتعاشة قوية في الوسط الثقافي النسائي من خلال إصدار المجلات، والتي هدفت إلى خلق مساحة حرة للتعبير عن قضايا النساء والمطالبة بحقوقهن، ناقشت تلك المجلات أهم القضايا بعضها حتى الآن محل جدل ومطالبة من النساء، مثل قضايا الطلاق وتعدد الزوجات، والتي طالبت هدى شعراوي بشكل صريح في أحد المؤتمرات بإلغائه، كما تم مناقشة قوانين حضانة الأطفال والتعليم وحق العمل وتطرقن للأمور الدينية مثل الحجاب وطاعة الزوج وغيرها من المفاهيم التي يتم مناقشتها حتى اليوم من قبل الأوساط الحقوقية المعنية بشؤون النساء.
وكانت أهم مكتسبات الموجة الأولى حق التعليم للنساء والفتيات، والتي ظلت محرومة منه لعقود طويلة، وصولًا للمرحلة الجامعية، حتى تخرجت أول دفعة من الفتيات عام 1933، ثم توالت بعدها الدفعات مما أدى لتواجد النساء في مجال العمل وأتاح لهن فرصة بالمطالبة بحقوقهن، كما ساهم ذلك في زيادة الوعي وتمكين النساء من إدراك الفجوة بينهن وبين الرجال في العمل وتجاهل دورهن كأمهات، وهنا كان لتأسيس الحزب النسائي سنة 1942 بزعامة فاطمة نعمت راشد ضرورة للمطالبة بالمساواة بين الجنسين وحصول النساء على الحقوق الأساسية والاجتماعية على أساس مفهوم المواطنة، وتمكين النساء من كافة وظائف الدولة والحقوق النقابية، كما جاءت مطالب بتعديل قانون الأحوال الشخصية، الأمر الذي يتشابه بما تطالب به الحركة النسوية حتى الآن.
ولا ننسى أبدًا درية شفيق التي أصدرت مجلتها «بنت النيل» عام 1945 وبعدها تحولت إلى «اتحاد بنت النيل» عام 1949، وكان أهم أهدافه هو السعي إلى رفع مستوى الأسرة المصرية ثقافيًا واجتماعيًا وصحيًا، والسعي إلى إصدار تشريعات في مصلحة الأسرة المصرية أيضًا.
ثم تراجعت الحركة النسوية الحرة مع بداية الخمسينيات وحتى السبعينيات، وقامت الدولة وقتها بتوظيف مطالب المبادرات النسائية في مشروعها السياسي، وظهر ذلك التراجع في حل الأحزاب، بما في ذلك «الاتحاد النسائي المصري» و«الحزب النسائي المصري»، حتى تحتكر الدولة الحديث عن مصالح النساء، ليظهر مصطلح جديد وهو نسوية الدولة.
استمر هذا الوضع حتى رفعت الدولة يدها تدريجيًا عن المجتمع المدني في الثمانينات، حيث صدقت مصر وقتها على اتفاقية «السيداو» سنة 1981 وبالتالي أكدت على التزامها بمواجهة التمييز ضد النساء، وأصبح هناك فرصة من جديد لتأسيس منظمات نسوية، وأهمها مركز «دراسات المرأة الجديدة» والذي أصبح مؤسسة بعد ذلك ومستمرة حتى الآن، وكما هو الحال مع مركز «قضايا المرأة المصرية» وغيرهما من المراكز النسوية والبحثية والقانونية، والتي عملت على ذات الملفات التي استمرت المرأة المصرية بطرق أبوابها منذ عشرينات نفس القرن، بالإضافة إلى ملفات الحقوق الإنجابية والملف الأهم وهو ختان الإناث، والتي بادرت نوال السعداوي في أوائل السبعينيات بالإعلان عن كونه جريمة تستحق العقاب وطالبت بوقفه فورًا، وهو ما تم رفضه وقتها.
انحصرت بالتدريج تلك الموجة في قضايا الأسرة لا حقوق النساء أو مطالب الحركة النسوية، وتبلورت وقتها الحركة النسوية في صراع على الوجود من خلال الحفاظ على الكيانات والمراكز وعملها واستمرار تواجد النسويات في المشهد الحقوقي، كما تراجعت مشاركة النساء في المشهد السياسي. واستمر الوضع في حراك ضيق لا يملك الكثير حتى جاءت ثورة يناير 2011، وهي الموجة الرابعة التي نعيشها الآن، وفيها تحارب النساء لأجل الحريات والحقوق على جبهات ومستويات مختلفات قانونيًا ودينيًا واجتماعيًا، كما واجهت قضايا هامة مسكوت عنها كالتحرش وإشكالية الاغتصاب الزوجي والتمييز في القانون والحقوق الاقتصادية في الميراث وكذلك الأعمال المنزلية غير المدفوعة.
وركزت على حرية الاختيار وقبول التنوع وتوفير مساحات آمنة للنساء للحكي، من خلال استخدام التكنولوجيا والأساليب الحديثة، كل هذا الطريق الطويل الذي سلكته النساء من خلال حراك نسوي نابع من قلب معاناتهن اليومية ينفي تلك الصورة السطحية التي تقلل من كفاح هؤلاء النساء اللاتي عشن حياتهن مناضلات يمهدن الطريق لمن سيسلكه بعدهن، نمشي حتى الآن على خطاهن ونشدو نفس النشيد، قد نكون لم نعدو بعيدًا عما طالبن به من حقوق ومساحات للحرية، ولكن بالتأكيد زاد الوعي والأدوات وأصبحت الفرصة متاحة لمكتسبات أكبر، وهو ما يجعل تحقيق ما سعين لهن بنضالنهن أحلام ممكنة.
في يوم النساء العالمي تحية لنضال المرأة المصرية عبر التاريخ الحديث، لا ننسى ما قدمتونه لأجلنا حتى تحيا نساء مصر أحرار مرفوعات الرأس.