ما بين البتر وآمال الترميم نساء تائهات

كنساء مصريات تجرى لنا عملية الختان ونحن صغيرات، من دون موافقة ومسلوبات الإرادة، ضاربين بأعمارنا وأجسادنا الصغيرة عرض الحائط، نحن النساء والفتيات في المنطقة العربية يتم بتر جزء من أجسادنا، وعندما نكبر منا من تجد طريق تعافيها النفسي، وتعيش أخريات في تروما طيلة حياتهن، فيما تحاول غيرهن البحث عن إعادة بناء الجزء المبتور، بما يسمى ترميم الأعضاء التناسلية للإناث. وفي هذا المقال نطرح ما يحدث لنا كنساء من الجانب المجتمعي والنفسي ومن يتحكم بنا وبأجسادنا في ظل قانون يجرم الختان من دون جدوي ودون حماية لأجسادنا .

قطعوا حتة من  جسمي ورموها  للفراخ  تاكلها

تقول ج.أ، البالغة من العمر 43 عامًا، إنها تتذكر حتى اليوم تفاصيل ختانها، عندما كانت طفلة خمس سنوات في إحدى قري المنوفية، ففي عام 1985، وبالرغم من إقامتها في القاهرة، وقعت جريمة الختان في إحدى الزيارات لعائلتها الأصلية في المنوفية. تحكي أنه في تلك القرية يتم تجميع عدد من الفتيات بما يسمى حفلة طهارة جماعية، ويتم وضعهن في «دوار» كبير، ووسط احتفالات عارمة وأمام الجميع يتم ختان الفتيات على يد حلاق ومساعدته، وعند الانتهاء يتم رمي الجزء المقطوع في حوش الدوار للفراخ لتأكله.

تتذكر ج.أ كيف كانت الفراخ والديوك تتصارع لالتقاط الجزء المقطوع منها، وكيف كانت تجلس جدتها – أم أمها- بجوار الفتيات أثناء ختانهن لضربهن، تتذكر كيف كانت تضغط على جسدها النحيل وكيف كان يتم ضربها إذا قامت بأي حركة أو صراخ، وتتذكر أيضًا كيف كان الحلاق يضغط عليها أثناء عملية الختان إذا تحركت أو قامت بالصراخ. لا زالت تتذكر جميع التفاصيل وتقول إن الجريمة تحدث حتى الآن في قريتها.

قوانين للختان وتغليظ للعقوبات لم تجد نفعًا ولا تحمي أجسادنا

قامت مصر بتجريم الختان في عام 2008، وبرغم التجريم لا يزال الختان مستمرًا حتى يومنا هذا، فتغليظ العقوبات ليس رادعًا أمام هذه الجرائم، وإنما وضع آلية لتطبيق القانون لنخلق العدالة ونحمي الفتيات من الختان في وقت مبكر، فالحيل والطرق التي تحدث ما بين خط الصعيد والقرى والأرياف ما زالت مستمرة من دون محاسبة، وتقتل الفتيات ويكون مصيرهن الكفن.

وما بين قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996، المعدل بالقانون 126 لسنة 2008، وقانون رقم 10 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات المصري، الذي غلظ جريمة الختان حيث يستبدل نصي المادتين (242 مكرر) و(242 مكرر/ أ) من قانون العقوبات، النصان الآتيان: مادة 242 مكرر: يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من أجرى ختانًا لأنثى بإزالة أي جزء من أعضائها التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المـشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات. وتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس سنوات إذا كان من أجرى الختان المشار إليه بالفقرة السابقة طبيبًا أو مزاولًا لمهنة التمريض، فـإذا نشأ عن جريمته عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس عـشرة سنة ولا تزيد على عشرين سنة .

وتقضي المحكمة فضلًا عن العقوبات المتقدمة بحرمان مرتكبها، مـن الأطباء ومزاولي مهنة التمريض، من ممارسة المهنة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات تبدأ بعد انتهاء مدة تنفيذ العقوبة، وغلق المنشأة الخاصة التي جرى فيها الختان، وإذا كانت مرخصة تكون مدة الغلق مـساوية لمدة المنع من ممارسة المهنة، مع نزع لوحاتها ولافتاتها، سواء كانت مملوكة للطبيب مرتكب الجريمة، أم كان مديرها الفعلي عالمًا بارتكابها، وذلك بما لا يخل بحقوق الغير حسن النية، ونشر الحكم في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار وبالمواقع الإلكترونية التي يعينها الحكم على نفقة المحكوم عليه .

وبرغم فرض وتغليظ العقوبات ما زال الختان مستمرًا حتى عام 2023، ولا زال لا يتوفر أي عدد دقيق لضحايا عمليات الختان، لأنها تجري في إطار طبي غير شرعي، بالإضافة إلى خوف الأهل من الإبلاغ عن أي وفاة أو إصابة بسبب العملية.

تكلفة أقتصادية باهظة ونساء تجاوزنا سن الأربعين عوائق أمام نساء قررناخوض عمليات الترميم

إن هدف عمليات الترميم هو إصلاح ما تم إزالته في الختان، ويسميها البعض ترميم أو تقويم الأعضاء التناسلية، والعلاج والتجميل والتقويم للبظر والأعضاء التناسلية للفتاة، تلك العمليات أثبتت أنها تساعد الفتيات والنساء اللواتي تعرضن للختان على استعادة الثقة بالنفس.

ولكن الجانب المادي هو الأسوأ في العملية ذات التكلفة الباهظة، فهي ليست في متناول جميع النساء والفتيات، فالعملية تكلف عشرات الآلاف وهذا ليس في استطاعة جميع الفتيات والنساء، خصوصًا في ظل ما نمر به من أزمة اقتصادية.

ليس فقط التكلفة الاقتصادية الباهظة، حيث تروي سيدة تجاوزت الـ45 من عمرها، أنها ذهبت لفحص أولي في أحد المراكز المختصة، وتم رفض عمل العملية لأنها تجاوزت سن الأربعين.

وأخيرًا ليس هناك امرآة استطاعت أن تمحو ذكريات ذلك اليوم من مخيلتها، ولا زال الختان يرتبط باضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب واضطرابات نفسية كثيرة، برغم تغليط العقوبات ضد جريمة الختان الا أن تشوية الأعضاء التناسلية من الانتهاكات المستمرة التي تتعرض لها النساء والفتيات في مصر.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة