«حرية الفكر والتعبير» ترصد الانتهاكات التي تواجه الأكاديميين والباحثين المخلى سبيلهم

عانت الحريات الأكاديمية في مصر على مدار عشر سنوات من التضيق والانتهاكات، ويأتي الحبس الاحتياطي للأكاديميين والباحثين في مقدمة هذه الانتهاكات، بالإضافة إلى المنع من السفر والتعنت في إنهاء أوراقهم الرسمية.

وفي هذا الصدد أصدرت مؤسسة «حرية الفكر والتعبير» تقريرًا بحثيًا بعنوان «سجن بلا نهاية» يرصد الانتهاكات التي يواجهها الأكاديميون المخلى سبيلهم في قضايا سياسية، والتي تنوعت بين انتهاكات إدارية وأمنية وقضائية، جاءت على خلفيات متعددة، بينها معارضة سياسات الدولة، الاشتباك مع نقاط بحثية محظورة، والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب ما رصده تقرير المؤسسة، واجه أكاديميون صعوبات في العودة إلى العمل بعد تنفيذ قرار قضائي بإخلاء سبيلهم، حيث تقوم الجامعات بفصل البعض بسبب الانقطاع عن العمل بدون سبب، أو التعسف في إصدار قرار العودة إلى العمل، كما في حالة محمد محي الدين، عضو مجلس الشورى السابق وعضو اللجنة التأسيسية للدستور عام 2012، والأستاذ المساعد في قسم الهندسة المدنية بكلية الهندسة جامعة بني سويف.

قبض على محي الدين في 23 فبراير 2019، على خلفية نشاطه في حملة «اتحاد الدفاع عن الدستور» لجمع التوقيعات الرافضة للتعديلات الدستورية من خلال استمارة إلكترونية. وأصدرت النيابة العامة قرارًا بإخلاء سبيله في يونيو 2022 على ذمة التحقيقات في القضية رقم 277 لسنة 2018 حصر نيابة أمن الدولة العليا، بعد حبس احتياطي استمر لمدة 40 شهرًا تقريبًا.

وفور تنفيذ قرار إخلاء سبيله، حاول محمد العودة إلى عمله في جامعة بني سويف مرة أخرى، من دون أي استجابة، حيث أعلمته الجامعة بإصدارها قرارًا في 10 أغسطس 2022 بفصله بسبب الانقطاع عن العمل، عندما كان محبوسًا احتياطيًّا، واشترطت تقديمه شهادة بمدة حبسه، بينما لا تمنح النيابة شهادات لمن زادت مدة حبسهم على سنتين. وحتى رغم طلب النيابة مخاطبة الجامعة مباشرة، ترفض الجامعة مخاطبة النيابة لسؤالها عن مدة حبسه، مع أن الجامعة كانت تصرف له نصف راتبه وهو محبوس، بحسب تقرير المؤسسة.

ورغم تقدمه بطلبات للعودة إلى عمله للجنة فض النزاعات في الجامعة ولجنة العفو الرئاسي والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وتلقيه وعودًا بذلك، لم يتحقق أيٌّ من هذه الوعود حتى اليوم.

امتدت صعوبات العودة إلى العمل للقطاع الخاص، سواء جامعات أو شركات، فبعدما رفضت جامعة القاهرة عودة شادي الغزالي حرب إلى عمله كعضو هيئة تدريس بكلية الطب جامعة القاهرة، توجه شادي إلى المستشفى الفرنساوي وغيرها من المستشفيات الخاصة، وبرغم معرفة تلك المستشفيات به شخصيًّا، رفضت قبوله للعمل لديها.

وإلى جانب صعوبات العودة إلى العمل التي واجهت بعض الأكاديميين فور إخلاء سبيلهم، تأتي أزمة المنع من السفر التي تعرض لها عشرات الأكاديميين والباحثين على مدار السنوات العشر الماضية.

وطبقًا للشهادات التي حصلت عليها وحدة الرصد والتوثيق من باحثين بالخارج، تم إلقاء القبض عليهم بعد عودتهم إلى مصر في زيارات قصيرة عائلية أو أكاديمية، تم منع هؤلاء من السفر بعد الإفراج عنهم بعد توقيفهم فى المطار.

أحد هؤلاء الباحثين وليد سالم، باحث الدكتوراه في جامعة واشنطن، الذي تناقش رسالته تاريخ القضاء المصري. ألقي القبض على سالم في مايو 2018 على خلفية مقابلته أستاذًا جامعيًّا في سياق بحثه الميداني في رسالة الدكتوراه الخاصة به، وظهر في نيابة أمن الدولة في مايو 2018 على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018 حصر نيابة أمن دولة العليا، وتقرر حبسه احتياطيًّا حوالي ستة أشهر في سجن طرة، حتى صدر قرارًا باستبدال الحبس الاحتياطي بتدابير احترازية في 10 ديسمبر 2018، استمرت حتى 22 فبراير 2019، عندما ألغتها نيابة أمن الدولة وأخلت سبيله بضمان محل إقامته.

تكررت محاولات سالم للسفر أكثر من مرة، وباءت جميعها بالفشل، حتى إدراج اسمه رسميًا في قوائم الممنوعين من السفر بقرار من النائب العام في 23 مايو، من دون إبداء أسباب أو مدة محددة للمنع. وبذلك لم يتم منعه من استكمال دراسته فقط، بل ومن رؤية ابنته منذ عام 2018.

وبالإضافة إلى تعرض الأكاديميين والباحثين لانتهاكات، مثل الإيقاف أو الفصل من العمل والمنع من السفر وصعوبة إيجاد عمل في القطاع الخاص، إلى جانب عدم وجود قنوات رسمية فعالة يمكن اللجوء إليها لحل النزاعات، رصدت المؤسسة معاناة الأكاديميين والباحثين، من أزمات ومشاكل مادية ناتجة عن عدم وجود مصدر دخل، أدت إلى مغادرة بعض الأكاديميين مصر للبحث عن فرص مهنية وتعليمية أفضل، مثلما فعل شادي الغزالي. أو الاتجاه إلى العمل الحر «فريلانسينج» من أجل كسب العيش، مثل وليد سالم وباتريك جورج. كما يعاني البعض من مشاكل نفسية تتعلق بالشعور بعدم الأمان وعدم الاستقرار وقلة الخيارات المطروحة.

والجدير بالذكر أن مصر صُنفت في 2021 ضمن الفئة الأخيرة – الفئة الأدنى والأسوأ- في مستوى الحريات الأكاديمية، في مؤشر الحرية الأكاديمية الذي يطلقه باحثين بجامعة « إرلنجن نورنبيرج»، ومعهد V-Dem بجامعة «جوتنبرج» السويدية، والمعهد العالمي للسياسة العامة في برلين، وشبكة «باحثون في خطر» بجامعة نيويورك.

اعتمد التقييم على 5 عوامل، وهي حرية البحث والتدريس، حرية التبادل الأكاديمي والنشر، الاستقلالية المؤسسية، سلامة الحرم الجامعي، وحرية التعبير الأكاديمي والثقافي. وجاءت مصر ضمن الفئة الخامسة والأخيرة، التي ضمت دولًا من بينها الصين وإيران وكوريا الشمالية واليمن وسوريا والبحرين والسعودية والإمارات وتركيا وغينيا الإستوائية وإريتريا وكوبا، فيما حصلت بعض الدول التي تحكمها حكومات شمولية كالصين وإيران على درجات أعلى من مصر في تقييم الحريات الأكاديمية، وكذلك كانت دولة اليمن في مرتبة أعلى من مصر في التصنيف.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة