من الاتهام بتهديد القيم الأسرية إلى الإرهاب.. استهداف أمني لصناع المحتوى

حالة من الاستهداف الأمني طالت صانعات وصناع المحتوى على تيك توك ويوتيوب وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي، بدأت منذ إبريل 2020 وتستمر حتى الآن. وكانت التهمة الأبرز التي يتم اتهام صانعات وصناع المحتوى بها هي تهديد القيم الأسرية، وفقًا لقانون جرائم تقنية المعلومات، ومن ثم تنوعت التهم بين الإتجار بالبشر وخدش الحياء ووصولًا إلى جريمة الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، في الوقت الذي يلجأ فيه عدد كبير من الشباب والشابات لصناعة المحتوى ونشره عبر منصات التواصل الاجتماعي كمصدر للدخل، في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية.

القبض على صناع فيديو «الزيارة» بتهمة الإرهاب

قررت نيابة أمن الدولة العليا، أمس الأول، حبس صانعي المحتوى أحمد حسام الدين، الشهير بـ«بسه»، وبسمة حجازي، المعروفة باسم «وردة»، 15 يومًا على ذمة التحقيقات بتهمة نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية، وذلك على خلفية نشر مقطع فيديو  كوميدى تمثيلي لهم أثناء زيارة محتجز في حجز أحد أقسام الشرطة

واجهت النيابة المتهمين بمقطع الفيديو، ونفيا تمامًا وجود أي قصد جنائي، مؤكدين أنهما يهدفان إلى الإضحاك والانتشار وزيادة التفاعل والمشاهدات. وأوضحوا أنهم لم يصطنعوا مكانًا يشبه التخشيبة أو الزنزانة، بل صوّرا الفيديو في كافيتيريا بالإسكندرية بها باب حديدي استغلاه على شكل باب زنزانة.

أنوش فى قبضة الأمن بتهمة خدش الحياء

وقرر قاضي المعارضات بمحكمة جنوب القاهرة، السبت الماضي، تجديد حبس نبوية صاحبة قناة «أنوش» 15 يومًا على ذمة التحقيقات، في اتهامها ببث مقاطع فيديو خادشة للحياء، بعدما ألقت قوات الأمن القبض عليها الجمعة، على خلفية بعد بلاغ قدمه المحامي أشرف فرحات بتهمة التعدي على القيم الأسرية وخدش الحياء العام.

أقرت نبوية خلال التحقيقات أنها لجأت إلى تقديم محتوى روتين الأعمال المنزلية على يوتيوب وتيك توك كمصدر للدخل، بعد أن انفصل عنها زوجها، قبل أنا يعود إليها مؤخرًا.

ولم تكن أنوش صاحبة الروتين المنزلي السيدة الأولى التي يتم استهدافها أمنيًا بسبب المحتوى الذي تقدمه، فخلال العامين الماضيين تزايدت ظاهرة الملاحقة الأمنية لصناعات المحتوى. والجدير بالذكر أنه في بعض الحالات تم القبض على الفتيات بعد رصد وحدة الرصد والمتابعة التابعة للنيابة العامة، فيما ألقي القبض على آخريات على إثر بلاغات مقدمة من محامين، بينهم أشرف فرحات الذي يشتهر باستهدافه لصانعات المحتوى، في إطار حملة أطلقها تحت عنوان «حملة تطهير المجتمع»، ومثله المحامي سمير صبري الذي تقدم بالكثير من البلاغات للمكتب الفني للنائب العام.

موكا حجازي «طفلة» في مرمى اتهام  ممارسة الفجور

وأجلت محكمة النقض، السبت،  النظر في الطعن المقام من مقدمة المحتوى الشهيرة باسم موكا حجازي، ضد حكم حبسها عامين إثر اتهامها بممارسة الدعارة والفجور إلى جلسة 11 فبراير المقبل.

ألقت قوات الأمن القبض على حجازي في يوليو 2021، وكان عمرها 16 عامًا، بناءً على بلاغ تقدم به أحد المحامين المعروفين اتهمها فيه بالتحريض على الفجور، وبث فيديوهات ذات إيحاءات جنسية بملابس فاضحة، وذلك باستخدام تطبيق تيك توك وقناة خاصة بها عبر يوتيوب.

كذلك حكم في نفس القضية على الشاب معاذ م. بالسجن 3 سنوات، وتغريمه 100 ألف جنيه، بعدما أدانته المحكمة باستغلال موكا حجازي، وتصويرها بملابس فاضحة، ونشر فيديوهات وصور لها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب تقرير سابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، التي تتولى إحدى محامياتها الدفاع عن موكا، أجري التحقيق مع الفتاة من دون حضور محام، وقد أقرت أن معاذ م. هو صاحب الهاتف الذي كانت تصوّر عبره فيديوهاتها، وأنه هو من كان يحدد لها المحتوى. وبناء على شهادتها هذه، ألقت قوات الأمن القبض على الشاب المصري ووجهت له اتهامات بالإتجار بالبشر واستغلال حجازي جنسيًا وتجاريًا.

فيما أفادت عزيزة الطويل، المحامية الموكلة بالدفاع عن موكا، أن موكلتها تعتبر ضحية وليست متهمة، رغم الحكم الصادر ضدها.

وأوضحت عزيزة في مقال نشر على موقع «المنصة»: «أولًا تم توجيه الاتهامات للمتهم الثاني باستغلالها جنسيًا وتجاريًا وتعريض حياتها للخطر باعتبارها طفلة، ونشر مقاطع مصورة للطفلة والتعدي على القيم الأسرية، وفي 13 إبريل الماضي، صدر حكم يدينه بالسجن ثلاثة سنوات مشددة، وغرامة مائة ألف جنيه ومصادرة هاتفه».

تابعت عزيزة: «ثانيًا تم تخصيص جزء من القضية عن جناية هتك عرض الطفلة موكا،  ثالثًا أكد الأخصائي الاجتماعي في تقريره المرفق بأوراق القضية “تم استغلالها من خلال (…) الذين جعلوها تسير في هذا الطريق غير الأخلاقي وهي بذلك ضحية لظروف نشأتها وتربيتها وتحتاج للتأهيل، رابعًا انتهت مذكرة النيابة في جناية الإتجار بالبشر إلى استبعاد المسؤولية الجنائية من قبل المجني عليه فيما ارتكبه من جرائم مرتبطة بجريمة الإتجار بالبشر، التي كانت وجهت للطفلة المذكورة».

واستطردت عزيزة الطويل: «ما سبق سرده يوضح اضطراب حقيقة الواقعة في التحقيقات، بين وضع موكا تارة كمجني عليها في وقائع استغلال جنسي وتجاري وهتك عرض، وتارة أخرى كمتهمة باعتياد ممارسة الدعارة والإعلان عن ممارسة الفجور. ذلك الاضطراب جعل القضية مسخًا مشوهًا، بأن تحاكم موكا عن ذات الوقائع التي أحيلت بها كمجني عليها في قضية الإتجار بالبشر، التي صدر لصالحها حكم جنائي ضد المتهم الثاني، وتعاقب بالحبس بدلًا من توفير الحماية المقررة للضحايا وفقًا لقانون الإتجار بالبشر».

البداية حنين حسام ومودة الأدهم

بدأت حملة استهداف صناعات المحتوى، على خلفية استخدامهن لتطبيق التواصل الاجتماعي تيك توك في 23 إبريل 2020، عند القبض على الطالبة بجامعة القاهرة حنين حسام، واتهامها بتهديد قيم الأسرة المصرية وقيم المجتمع المصري والتحريض على الفسق والفجور وممارسة الرذيلة.

برأت محكمة مستأنف القاهرة الاقتصادية حنين و3 آخرين في يناير 2021 من تهمة التعدي على القيم والمبادئ الأسرية، وألغت حكم محكمة جنح القاهرة الاقتصادية بمعاقبتهن بالحبس سنتين وغرامة 300 ألف جنيه، وذلك قبل أن يتم محاكمتها مجددًا على نفس الاتهامات بالإضافة إلى تهمة الاتجار بالبشر أمام محكمة الجنايات عام 2022، والتي قضت بحبس حنين حسام 3 سنوات بتهمة الاتجار بالبشر وغرامة قدرها  200 ألف جنيه.

وبعد القبض على حنين حسام، واجهت 8 نساء الاتهامات نفسها، ثم توالى ضم المتهمين في القضية من الإناث والذكور. كان من بين المقبوض عليهم مودة الأدهم، التي قررت المحكمة حبسها 6 سنوات وتغريمها 100 ألف جنيه بتهمة الإتجار بالبشر، وريناد عماد التي ظلت في الحبس بأمر النيابة لعدة أشهر، قبل أن يتم إخلاء سبيلها على ذمة القضية.

صناع المحتوى في مرمى الاتهام بنص المادة 25

استندت أغلب محاكمات صانعات وصناع المحتوى على المادة (25) من قانون جرائم تقنية المعلومات. وأحالت النيابة العامة المصرية عددًا من المتهمات والمتهمين إلى المحكمة الاقتصادية ومحكمة الجنايات، بعد اتهامهم بارتكاب جرائم من خلال حسابات شخصية، إلى جانب الاستناد إلى قوانين أخرى، بينها قانون جرائم تقنية المعلومات، وقانون العقوبات، وقانون مكافحة الدعارة، وقانون مكافحة الإتجار بالبشر، وأخيرًا قانون الطفل.

وفي ورقة حقوقية صادرة عن مؤسسة «حرية الفكر والتعبير» وصفت المؤسسة المادة 25 من القانون 175 لسنة 2018 بـ«النص العقابي الغامض»، 2018، حيث تنص المادة على «عقاب كل من ينتهك مبادئ وقيم الأسرة المصرية». واستنكرت المؤسسة تضمن المادة كلمات مطاطة تسمح بتدخل الأهواء الشخصية.

وفي تصريحات صحفية سابقة، قالت المحامية الحقوقية انتصار السعيد إن هناك بعض «اليوتيوبرز» متخصصين في مراقبة المحتوى الرقمي للسيدات وتقديم بلاغات بها. مشيرة إلى أن هؤلاء الأشخاص اعترفوا بأنفسهم بالتبليغ عن الفتاتين، وعن «شيري» وابنتها، وبعد القبض عليهم احتفوا بذلكز

كما أوضحت المحامية أن تطوع البعض بالإبلاغ عن آخرين لمجرد تقديم محتوى يراه غير مناسب، يرسخ لمبدأ محاربة الحريات، ويزيد من فرض السلطة الأبوية من قبل الدولة، كما لفتت إلى أن بعض مواد قانون العقوبات الخاصة بمخالفة الآداب العامة تستخدم لغة فضفاضة، غامضة ومطاطة – بحسب تعبيرها، حيث لا تعرف هذه اللغة الأفعال التي يتم تجريمها، وإنما تضعها تحت مظلة واسعة من التفسيرات.

وأكدت انتصار السعيد أن استخدام بعض الألفاظ مثل «فسق» و«فجور» و«رذيلة» في القضايا المخالفة للآداب العامة تُترك لتقدير القاضي، إن كان يعتد بالفعل محل الاتهام كجريمة أو لا، وبالتالي يكون مصير المتهمين أو المتهمات في هذه الحالة مرهون بالسلطة التقديرية للقاضي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة