رحلة البحث عني

مع اقتراب عيد ميلادي الرابع والثلاثون أقرر أن اذهب في رحله للبحث عني، أريد أن أجدني من جديد. قررت أن أذهب بعيدا، مؤكدة علي شعار جديد لحياتي، وهو أن السعاده قرار. ينعتني الجميع الأن بالمجنونة والمتهورة، كيف يمكن أن تستمتعي وحدك؟! كيف لك أن تجدي المتعة في الوحدة؟!

أجيب بكلمة صديقي المقرب، “أعياد الميلاد ليست للاحتفال، أعياد الميلاد للمراجعات”، ونظرا لأني عدت من رحلتي للبحث عني بالعديد من القرارات، لنبدأ بسرد رحلتي، لعلها تفيد غيري في رحلته.

 قررت أن تكون مراجعاتي في مكان بعيد عن القاهرة ودوشتها ونقاشاتها، بمنأى عن مظاهر صراعات الطبقة المتشبثة بكونهم لم يعودوا طبقة فقيرة، أنا أيضا منذ قرار التعويم وقد انحدرت ربما لطبقتان، وأعلنت أني سأحارب الغلاء بالاستغناء، لكن الغلاء هنا لم يقتصر على رفاهياتي فقط، بل نال مني ومن أساسيات الحياة.

مشفقة أنا علي كل من يحارب في معركة لا نعلم عنها شيئا، نحاول النجاة من وحش خفي يأكل الأخضر واليابس.

 كلماتي هنا ليست بصدد الغلاء ولكني ثرثارة كثيرة الكلام، حتي أن صديقاتي اذا وجدوني يوما صامتة أدركوا أن الاكتئاب قد نال مني، وأني قد سقطت في نوبة، لذا برجاء عذري عندما أحيد عن موضوعنا.

 رغم مروري بضائقة مالية الا أني قد فضلت الاستثمار في صحتي النفسية، جميع من يعرفوني يدركون مدي صعوبة هذا الشهرعلي، فهو الموعد السنوي لنوبة الاكتئاب الموسمي، ولكني هذا العام قررت أنني لن أستسلم لهذا الاكتئاب، سأحاول أن أثبت أن السعاده قرار.

أنا الأن أكتب مقالتي أمام أمواج البحر الزرقاء، بينما أستمع لأغنية “لما كان البحر أزرق”، اذا لم تعرفوها فهي أغنية قديمة من اغاني حقبة التسعينات، قدمتها احدي الفرق الموسيقية، وهنا قررت أن أشارك معكم هذه اللحظة.

 أنا الأن وحدي أفترش شاطئ أحد فنادق مدينة “دهب”، أفكر في كل لحظات الخذلان التي تعرضت لها، أفكر في كل مرة لم يختارني أحد فيها، وأفكر أني لم أكن ذات أهمية في حياة الجميع، رغم أني دائما ما قدمت حياه الأخرين على حياتي، اكتشفت أني قد سُرقت مني سنوات عديدة، ولكن رغم ايماني بأن هناك من سرق مني سنوات حياتي، الا أني علي الاقل أعلم أين ذهبت السنوات التي لم تسرق مني.

 عاصرت ثورة يناير 2011 وتبعات الثورة و كنت شاهدة علي عدة حكومات وأزمات اقتصادية وسقوط حكام واعتلاء غيرهم الحكم، و كنت شاهدة علي العديد من ألوان وأنواع الموسيقى، حتي أني عاصرت “موضات” ملابس مختلفة، أصبحت امرأة مستقلة وتعاملت مع كافة أنواع العادات البالية والمضايقات الذكورية في العمل والمواصلات والشارع وفي كل شئ.

 تعلمت فعل كل شئ وحدي، حتي أنني ذهبت الي السينما وحدي، واحتفلت برأس السنة وحدي، و استمتعت في كل مرة مارست فيها وحدتي، الجدير بالذكر أن أكثر ما كنت أخافه هو الوحدة، لطالما بحثت عن الونس بكل نواحي حياتي كانت أختي تنعتني بجملة لا تفشل في اضحاكي أبدا “انتي بقرة ماشيه تحب كل الناس” لم تكن تعلم أنه لم يكن حب للناس بقدر ما كان خوف من الوحدة

  هذا العام قررت أن أواجه مخاوفي جميعا، أن أكون مغامرة وأستمتع بالاحتفال بعيد ميلادي وسط أشخاص أجهلهم تماما، وعندما انتهت الحفلة غادرت وحدي. لم أعد ألتفت لأري من خلفي، حتي أني أصبحت عيني لا تزرف الدمع عند رؤية صور صديقتي التي هجرتني. سخرية الاقدار لم تعد تخيفني، اتخذت قراري بطلب السعادة و ساستمر في السعي خلف مطلبي.

وسط كل هذا أدركت اعتيادي على فعل كل شئ وحدي، ولكني الأن أعلم أنني أريد أن يشاركني أحد في كل شئ، والمشاركة هنا ليست احتياج، ولكن شراكة، تعلمت مؤخرا أن العلاقات تبني علي الشراكة،  بحثت كثيرا عن الأمان ولم اجده، لكني الأن توصلت لسر الأمان، اذا لم تجد الأمان بنفسك فسوف تفشل كل محاولاتك للعثور عليه مع الأخرين.

 وجدت السر الأن في استطاعتي فعل كل شئ بنفسي ولنفسي، أنا الأن في مكان لا يوجد به سواى، أفترش الرمال واشاهد النجوم وأستمع ل “دوشة” وفوضي أفكاري، أشعر أني قد وجدتني أخيرا.

 لا يمكنني أن أنقذ الجميع، ولكن علي أن أنقذ نفسي أولا، لن أستطيع اسعاد الجميع، لكني أستحق أحيا سعيدة. اليوم الذي يمر لن يعود والحياة لاتعطي فرص كثيرة، اذن يجب علي اقتناص فرصتي و السعي لها.

 عدت للكتابة وهذا انجاز يحسب لي، قررت أن لا أضيع المزيد من الوقت علي الراحلين عن عالمي، وأن أعطي لنفسي فرصة جديدة للحياة، أعلم أني كبرت ولم أعد تلك الفتاة الصغيرة، حتي أخطائي لم تعد صغيرة أيضا ولكني الأن سوف أبدا رحلتي وحدي، أعلم ما أريده، وهو أن أكون سعيدة، كل منا يستحق السعادة، يستحق الحياة، يستحق فرصة أخرى، ليبدا من جديد، وأنا سأبدأ من جديد.

قررت أن أعطي فرصة لأميرة أن تحيا، أعلم ان الوضع الاقتصادي لنا جميعا لا يبشر بخير، وأن كلماتي عن التفاؤل والفرص هي محض لحظة من نشوة الفخر بالذات، من الممكن أن يغزوها اكتئابي وأسقط بين لحظة وأخرى.

الخلاصة أنني أحارب الأن في معركة أعلم عنها كل شئ، أحارب من أجلي ومن أجل من أحب.

 الوقت لم ينته ولازلت أتنفس، حتي ولو انتهى عمري بالخامسه والثلاثون سأكون راضية، هذا قراري لعامي هذا. الحياة مليئة بالمصاعب ولن تنتهي، لكن هذا الوقت سيمر حتما، فالدرس الأكبر هنا أن لكل شئ نهاية، للحزن نهاية وللفرح نهاية، واعتيادنا للفرح أو الحزن غير مبرر، الحياة لن تنتظر أحد وأنت لن ترتشف اكسير الحياة لتعود وتبدأ من جديد، في النهاية اشعر بأني قد وجدت نفسي، وأنت متي ستجدها؟!

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة