شريف الروبي… «البطحة» على رأس الحِوار

ربما هو حس السخرية الذي يرتفع عندي في المآسي مثلي كمثل سائر المصريين، كالعبارة التي انتشرت في الآونة السابقة «يولد المصري وفي قلبه ورقة بردي مكتوب عليها بحروف من ذهب: إن السخرية هي المنقذ من اليأس»، للروائي الفرنسي «جيلبرت سينويه». لكني كلما قرأت عنوان المقال الذي كتبته بنفسي بكسر الحاء أقرأها كلمة أخرى بكسر الحاء أيضًا، تستخدم كصفة رغم أنها بالأصل اسم كائن حي. هل قرأها شخص آخر مثلي؟

على أية حال، مسألة أن يعاد اعتقال أحد النشطاء أو السياسيين أو الشخصيات المعروف رفضها للنظام القائم مرة واثنين وثلاثة لم يعد أمر مثير للدهشة في الحقيقة، فهناك عدة أسماء عانت من إعادة الاعتقال بعد خروجها بفترات طالت أو قصرت، لأنها «متعلمتش الدرس»، وأقتبس هنا تعبير من أحد ضباط الأمن الوطني دون ذكر اسمه لأني لا أعتقد أنه سيكون سعيد بذكره في المقال.

لكن حالة من الحالات الصادمة في موضوع إعادة الاعتقال بعد فترة قصيرة كانت من نصيب الناشط السياسي شريف الروبي. شريف أعيد اعتقاله بعد سلسلة من الاعتقالات خلال السبع سنوات الماضية!

وفقًا لصفحة «الحرية لشريف الروبي»، فقد تم القبض عليه للمرة الأولى في 2016، بتهمة خرق قانون التظاهر على خلفية مظاهرات «تيران وصنافير»، وخرج بكفالة بعد فترة قصيرة، ثم اعتُقل للمرة الثانية في 6 أبريل 2018 من محافظة الإسكندرية، حيث اختفى قسريًا لمدة 8 أيام قبل أن يظهر في نيابة أمن الدولة العليا في 16 أبريل للتحقيق معه على ذمة القضية 621 لسنة 2018 حصر أمن دولة، بالاتهامات المعروفة نفسها. وفي 22 يوليو 2019، وبعد قرابة عام ونصف من الحبس الاحتياطي، قررت محكمة جنايات القاهرة إخلاء سبيل الروبي بتدابير احترازية، ليعاد اعتقاله للمرة الثالثة في ديسمبر 2020، ويتم التحقيق معه في القضية 1111 لعام 2020 حصر أمن دولة، بنفس قائمة الاتهامات المعروفة، حتى خرج في يونيو 2022، أي بعد عام ونصف تقريبًا من الحبس مرة أخرى.

لكن تلك المرة خروج «شريف» كان مصحوبًا بخروج عشرات النشطاء السياسيين وسجناء الرأي، من الذين قامت اللجنة المشكلة من رئيس الجمهورية عقب إفطار الأسرة المصرية في رمضان السابق بتقديم أسمائهم لالتماس عودتهم لحريتهم المستحقة وحل أزمة الاعتقال السياسي، أو ما يحبوا أن يطلقوا عليه «سجناء الرأي».

خرج شريف بعد فترة طويلة من الحياة القاسية، التي ربما تكون سأمت فقط من قراءة التواريخ وتكرار نفس الفعل. خرج ودخل فخرج ودخل! فما بالك بنفسية وعقل الشخص نفسه الذي تعرض لكل تلك الأزمات منذ 2016؟ لنشاط سياسي سلمي محكوم بآليات تقيده بالأساس تقييدًا لا ينتج عنه سوى صرخة المتألم. أن تدخل الجحيم فتلك مصيبة. أما أن تخرج من الجحيم وتعاد لتُساق إليه فتلك مصيبتين.

صرخ شريف تلك الصرخة، تحدث عن معاناته في البحث عن عمل بعدما حفل سجله بالقضايا السياسية ومتابعة أمن الدولة، وهو شخص بسيط كان يملك محل طعام صغير، بالطبع قضى الحبس على تجارته. وهو أيضًا زوج وأب لثلاثة أطفال، أصغرهم في الحضانة! وبدلًا من أن تلفت صرخته نظر العقلاء فيسهلوا له فتح تجارة، أو يتبنوا فكرته عن إعادة الحياة للخارجين من الحبس ظلمًا لسنوات، ورد اعتبارهم اجتماعيًا بدلًا من نظرات الخوف المصاحبة لهم، لفتت صرخته نظر الأجهزة الأمنية، فتم إلقاء القبض عليه مرة أخرى!

بعد شهرين فقط من خروجه في سبتمبر 2022 أعيد اعتقال «شريف» للمرة الرابعة، ولا داعي لتخمين الاتهامات.. نعم هي نفسها!

بعد إعادة اعتقال شريف بسبب تحدثه عن معاناته بعد خروجه من الاعتقال، المعاناة التي يتعرض لها قطاعًا عريضًا وغالبية الخارجين من الاعتقال، والكل يعرف هذا. ونواجه أشكالًا مختلفة من الاضطهاد والكبت، وتتفاوت الدرجات على حسب سمات فردية، إلا أن الشخص الذي صرخ تلك الصرخة تم إلقائه مرة أخرى في الزنازين، في حين تبنت اللجنة ذاتها محاولات تحت مسمى «دمج المحبوسين» وغيرها، ومحاولات عليلة لدرء الصدع لم ينتج عنها إلا بضعة محاولات تُحترم وكثيرًا من البروبجندا غير الصادقة.

وظل اسم شريف الروبي عالقًا كالبطحة على رأس كل وأي حوار، وكنت وما زلت أرحب به، إلا أن إعادة اعتقال شخص خرج مؤخرًا بالجهود ذاتها لأنه تحدث عن معاناته لم تكن بادرة حسن نية أبدًا. ومازال السؤال: شريف الروبي وغيره من سجناء الرأي الذين نعلم وتعلمون أنهم بعيدون كل البعد عن العنف متى يخرجوا لبيوتهم؟!

أذكروا أسمائهم…

شريف الروبي- آية كمال- مروة عرفة- و28 صحفي منهم الصحفيات صفاء الكوربيجي- هالة فهمي- دنيا سمير- منال عجرمه- محمد الباقر- أحمد علام- د.هدى عبدالمنعم. ومئات المعروفين بنضالهم لأجل المجهولين، ومئات المجهولين المعروفين عند الحكم العدل.

الحرية للكل.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة