الفكر والتعبير ترصد إشكاليات الحصول على المعلومات في قضايا «أمن الدولة العليا»

كشفت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تقرير حديث لها عن الصعوبات التي يواجهها المحامون الذين يتولوا الدفاع عن عشرات المتهمين في قضايا الرأي أمام نيابة أمن الدولة العليا، وأبرزها عدم السماح لهم بالاطلاع على أوراق القضايا، أو التواصل مع المتهمين قبل بداية التحقيقات، بالإضافة إلى غياب المعلومات حول موعد جلسات التحقيق، ما يجعل حضور التحقيق مع موكليهم مرتبطًا بتواجد المحامين المستمر في مقرات النيابة.

وبحسب الورقة التي أصدرتها المؤسسة في نهاية ديسمبر، يُمنع المحامون من الاطلاع على كافة أوراق التحقيقات، سواء أثناء حضور التحقيق الأول مع المتهم، أو أثناء جلسات التحقيق التكميلية. وتشمل أوراق التحقيقات محاضر الضبط، أقوال المتهم نفسه، أقوال الشهود أو متهمين آخرين في القضية، محاضر تحريات الأمن الوطني، أو أي تقارير فنية معدة في القضية، أو أي تقارير طبية عن حالة المتهم نتجت من طلب النيابة الكشف الطبى على المتهم أو عرض المتهم على جهات (الطب الشرعي – مستشفي السجن) لبيان الإصابات أو الحالة الصحية التي يمر بها المتهم.

كما تمنع نيابة أمن الدولة العليا المحامين من الحصول على تلك الأوراق، لدواعٍ أمنية تتعلق بسرية التحقيقات، على الرغم من أن مفهوم السرية لا ينطبق بأية حالة من الأحوال على مجريات دفاع وعمل المحامين، لتمكينهم من أداء عملهم، وخصوصًا تقديم الدفوع القانونية بناءً على فهم مجريات التحقيقات كاملة.

وأشار التقرير إلى أن المحامي يتولى الدفاع عن المتهم من دون معرفة المحاضر المحررة في القضية، مثل محضر الاستدلالات ومحضر الضبط، وأمر النيابة بالضبط والإحضار، وتحريات الأمن الوطني بكل تفاصيلها منذ تاريخ تحرير محضر التحريات، والمدة الزمنية التي تمت من خلالها التحريات، والمدة الزمنية المرتكب فيها الوقائع المسرودة بالتحريات، وتاريخ إذن النيابة العامة، ما يفرِغ الدفاع القانوني من مضمونه.

كما يُمنع المحامي من حضور المناقشة المبدئية التي ينفرد فيها وكيل النيابة بالمتهم قبل بدء التحقيق الفعلي، وهي من الإجراءات غير القانونية التي تتخذها نيابة أمن الدولة العليا للتحكم في مسار التحقيق.

بالإضافة إلى ما سبق، يُمنع  المتهم قبل بدء التحقيقات من القيام بالتواصل مع محاميه أو مطالبة النيابة بالاتصال به لحضور التحقيق معه والدفاع عنه. وتمنع نيابة أمن الدولة العليا المحامي من الانفراد بالمتهم قبل بداية التحقيقات، والحصول منه على المعلومات اللازمة حول وضعه والإجراءات التي تمت معه، ومن شرح توجهات الدفاع القانوني، قبل أن تقوم النيابة بدورها بسؤال المتهم ومواجهته بالاتهامات والوقائع الموجودة بالتحريات.

كما أوضحت الورقة أنه في أغلب القضايا تفرض نيابة أمن الدولة العليا السرية على مكان احتجاز المتهم، على الرغم من أن النيابة العامة تملك سلطة مراقبة أماكن الاحتجاز، ولها الحق في إصدار قرار الحبس ومعرفة أين يتم احتجاز المتهم ووضعه في أيٍّ من مراكز التأهيل والإصلاح. ولا يتم معرفة مكان احتجاز المتهم إلا من خلال المتهم نفسه بعد نقله إلى مكان الاحتجاز، أو بتكرار السؤال في قطاع الحماية المجتمعية التابع لوزارة الداخلية.

كما أشار التقرير إلى تعمد نيابة أمن الدولة العليا إخفاء ماهية الاتهامات، تحديدًا التي يواجهها المتهم، فأغلب التحقيقات التي تتم مع المتهمين أمام نيابة أمن الدولة تحقيقات مبهمة لا يعرف منها ماهية الاتهامات التي يواجهها المتهم تحديدًا، والوقائع التي ارتكبها، والنصوص العقابية التي تستند إليها التحقيقات.

وبسبب غياب المعلومات حول جلسات التحقيق، يرتبط حضور المحامي التحقيق مع موكله بالتواجد المستمر في مقر نيابة أمن الدولة العليا، وليس الإخطار بعرض المتهم على جلسة أول تحقيق.

استعان التقرير بالقضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة، والتي يواجه فيها الناشط والمدون علاء عبد الفتاح، والمحامي محمد الباقر، والمدون محمد أكسجين، نفس الاتهام بنشر أخبار كاذبة، وذلك على الرغم من اختلاف ظروف القبض عليهم.

وقالت المؤسسة إن المتهمين ومحاميهم، خلال فترة التحقيق مع الثلاثة، والتي قاربت على السنتين، لم يتمكنوا من الاطلاع أو تصوير أي من أوراق القضية، كما لم يتمكن المحامون من معرفة إجراءات التحقيق، حتى أن  محامي أكسجين لم يتمكن من حضور جلسة التحقيق الأولى معه أصلًا، ما تسبب في عجز المحامي عن تقديم أي دفاع قانوني جاد عن المتهمين، بحسب تقرير المؤسسة.

وأفاد تقرير المؤسسة بأن الحصول على المعلومات يعد أداة أساسية لتمكين المواطنين والمواطنات من الدفاع عن حقوقهم/ن، والتماس السبل القانونية لضمانها.  كما أشار التقرير إلى معاناة مصر من غياب تشريع يكفل الحق في تداول المعلومات، رغم النص الدستوري على هذا الحق في المادة (68) من الدستور المصري.

وتنص المادة (68) من الدستور المصري على أن «المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة وفقًا للقانون».

كما تؤكد المادة (84) من قانون الإجراءات الجنائية على حق المتهم في تصوير أوراق القضية، وتنص المادة على أن: «للمتهم والمجني عليه والمدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها أن يطلبوا على نفقتهم أثناء التحقيق صورًا من الأوراق أيًّا كان نوعها، إلا إذا كان التحقيق حاصلًا بغير حضورهم بناء على قرار صادر بذلك».

فيما أكدت المادة (125) من قانون الإجراءات الجنائية على حق محامي المتهم في الاطلاع على التحقيقات، حيث نصت على أنه: «يجب السماح للمحامي بالاطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة، ما لم يقرر القاضي غير ذلك، وفي جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق».

وفي سياق متصل، تنص المادة (52) من قانون المحاماة على أن: «للمحامي حق الاطلاع على الدعاوى والأوراق القضائية، والحصول على البيانات المتعلقة بالدعاوى التي يباشرها. ويجب على جميع المحاكم والنيابات ودوائر الشرطة ومأموريات الشهر العقاري وغيرها من الجهات التي يمارس المحامي مهمته أمامها أن تقدم له التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه، وتمكينه من الاطلاع على الأوراق والحصول على البيانات وحضور التحقيق مع موكله وفقًا لأحكام القانون، ولا يجوز رفض طلباته دون مسوغ قانوني. ويجب إثبات جميع ما يدور في الجلسة في محضرها».

للاطلاع على الورقة:

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة