تعمل الحكومة المصرية الآن على إعداد مشروع القانون الجديد للأحوال الشخصية، من خلال لجنة قضائية مشكلة من وزارة العدل، على أن تنتهي اللجنة من إعداده خلال شهرين، ثم يطرح لحوار المجتمعي، قبل عرضه على مجلس الوزراء وإحالته للبرلمان.
تهدف اللجنة إلى صياغة قانون متكامل ومفصل للأحوال الشخصية. ونقلت وسائل الإعلام بعض الملامح المرتبطة بمواد يشملها القانون، من خلال تصريحات لمسؤولين ونواب، إلى جانب ما أعلن عنه رئيس الجمهورية في 26 ديسمبر الماضي، خلال كلمته في افتتاح مشروعات قومية جديدة بمحافظة الجيزة، والذي أثار حديثه خلالها عن «صندوق الزواج» جدلًا واسعًا على وسائل التواصل.
أعلنت اللجنة من جانبها عن بريد إلكتروني لتلقي المقترحات والتعديلات الخاصة بالقانون. وكشف المستشار عمر مروان عن تلقيها نحو 5 آلاف مقترحًا من أفراد ومؤسسات - بينها مشيخة الأزهر- وحزب.
المشكلات الموجودة في القانون الحالي
كان أحد المقترحات المقدمة للجنة «مشروع قانون الأحوال الشخصية لمؤسسة قضايا المرأة المصرية»، والذي تقدمت به النائبة نشوى الديب للمجلس خلال العام الماضي، وسبق وتقدمت به النائبة عبلة الهواري لبرلمان 2020، لكنه لم يعرض على اللجان النوعية أو يطرح للمناقشة.
توضح المحامية ندى نشأت من مؤسسة «قضايا المرأة» أن أبرز مشكلات قوانين الأحوال الشخصية الحالية في مصر تتمثل في عدم تطورها منذ عام 1920، ونظرتها للرجل أنه مصدر المال، وليس له أي أدوار رعائية، فيما تنظر للمرأة كوعاء، دورها الحمل والولادة والرعاية فقط، من دون أي نوع من أنواع الولاية أو القوامة على أطفالها.
لا تملك ندى أي تصور عن القانون الذي تعده اللجنة، وتشير إلى وجود تعتيم واضح عليه، فحتى اللحظة لم يتم نشر أي ملامح واضحة للمشروع، وكل ما يتم تداوله رؤوس مواضيع عن نقاط وقضايا بعينها، من دون أي توضيحات بخصوص إجراءات تنفيذها، أو التطرق بأي شكل من الأشكال إلى الفلسفة التي قام عليها هذا القانون.
تضيف ندى: حتى النقاط الجيدة عُرضت بشكل غامض، ما يرتبط في الأصل بأزمة منع وتقييد تداول المعلومات. ما نتج عنه فهم ملتبس للتعديلات المقترحة، وبالطبع انتشار الشائعات، مثلما حدث مع «صندوق الرعاية».
حقيقة صندوق «رعاية الأسرة»
تضمنت الشروط المطروحة لعقد الزواج بالقانون الجديد إنشاء صندوق لرعاية الأسرة، ووثيقة تأمين لدعمها ماديًا، ويستهدف دعم الأسر خاصة في حالات الانفصال والطلاق. ووفقًا لما نشر، من المقرر أن تمول الحكومة الصندوق، لكن على المقبلين على الزواج المساهمة في دعمه بمبلغ لم يتم تحديده بعد، وهو ما واجه انتقادات تعلقت بزيادة الأعباء المالية على الشباب.
أدى غياب الشفافية والقيود المفروضة على حرية تداول المعلومات إلى انتشار الشائعات حول صندوق الرعاية، وتداول الناس أخبارًا عن إجبار الزوج على دفع 30 ألف جنيه مقابل الحصول على تصريح زواج. تشير المحامية إلى أن انتشار مثل هذه الشائعات غرضه وقف أي تطور حقيقي في القانون.
تقول ندى إن الإعلان عن الصندوق جاء غير واضح كبقية العناوين، فلا نعلم حتى اليوم تفاصيله، والفرق بينه وبين صندوق «تأمين الأسرة» التابع لبنك ناصر، والذي يستهدف مساعدة الأسر التى هجرها عائلها بلا منفق، وهل كان الأولى التوجه لإقرار صندوق جديد أم حل مشكلات الصندوق الموجود وتطويره؟ كذلك تضيف أنه لم يوضَّح ما إذا كان للصندوق القدرة القانونية للتصرف مع الزوج في حالات الامتناع عن الدفع.
تلفت ندى إلى أن الإشكالية الرئيسية الخاصة بصندوق تأمين الأسرة ببنك ناصر الاجتماعي، والتي تواجها النساء عند تنفيذ حكم من محكمة الأسرة، هي الحد الأقصى المنخفض للنفقة، والذي يتوقف عند مبلغ 500 جنيه فقط للأسرة كلها، كما تحتاج العملية لإجراءات وأوراق تصل إلى 11 مستندًا رسميًا لكي تتمكن السيدة من الصرف، وما يرتبط بذلك من تكاليف وأعباء مادية.
من ناحية أخرى أثار حديث الرئيس السيسي في نهاية ديسمبر حول «لجنة برئاسة قاضي» للموافقة على الزواج غضبًا كبيرًا. تقول ندى إن البند الخاص بتصريح القاضي أحد النقاط التي يشملها مشروع قانون مؤسسة قضايا المرأة للأحوال الشخصية، مثل كثير من النقاط المعلن عنها. وبينما لم تتضمن التصريحات أي شروح، أوضحت المحامية أن التصريح الذي يشمله مقترح المؤسسة يرتبط بالزواج الثاني، ليقرر القاضي ما إذا كان الزوج يمتلك القدرة المالية والنفسية والجنسية لذلك، ويكون للزوجة الحق والحرية في الاستمرار أو الطلاق مع الحصول على حقوقها كاملة.
أزمة توثيق الطلاق.. ومطالبات بحظر «الطلاق بالإرادة المنفردة»
يتضمن مشروع القانون الجديد إعادة صياغة وثيقتي الزواج والطلاق بما يضمن اشتمالهما على ما اتفق عليه الطرفان عند الزواج أو الطلاق، فضلًا عن توثيق الطلاق كما هو الحال في توثيق الزواج، وعدم ترتيب أي التزامات على الزوجة إلا من تاريخ علمها به.
وبعدما عارضت هيئة كبار علماء الأزهر في 2017 دعوة الرئيس السيسي إلى إصدار قانون يقضي بحظر الطلاق شفويًا، وبإقرار توثيق الطلاق كشرط لوقوعه، وصرحت في بيان رسمي بشرعية الطلاق الشفوي، وأن «أي تمرير لمسألة شرعية في القانون من دون موافقة صريحة معلنة من الأزهر الشريف ستجهض بالقانون»، حصل لقاء بين وزير العدل وشيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وأعضاء هيئة كبار العلماء، وانتهى الاجتماع بحصول المستشار عمر مروان على موافقة مكتوبة منهم أن يتضمن القانون الجديد توثيق الطلاق الشفوي.
وأكد الأزهر في بيان جديد أصدره في نهاية ديسمبر الماضي على الرأي الشرعي الثابت من وقوع الطلاق الشفوي المكتمل الشروط والأركان، مشددًا أنه على الزوج أن «يلتزم بالتوثيق فور وقوع الطلاق، حفاظًا على حقوق المطلقة وأبنائها»، وأنه «من حق ولي الأمر شرعًا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه؛ لأن في ذلك إضرارًا بالمرأة وبحقوقها الشرعية».
وفي هذا الشأن، تؤكد المحامية ندى نشأت أن توثيق الطلاق الشفوي لن يحل الأزمة، فالطلاق الغيابي - أحد أنواع الطلاق بالإرادة المنفردة للرجل- هو طلاق رسمي موثق، ورغم ذلك لا تحصل المرأة على حقوقها الشرعية والقانونية بمجرد توثيقه، وتقع عليها أعباء الذهاب للمحكمة والتقدم بطلبات للنفقة والمؤخر وغيرها. كما أنه في حالة عدم توثيق الزوج للطلاق الشفوي تتحمل الزوجة مسؤولية إثبات ذلك، وتسعى هي في مختلف المسارات القانونية للحصول على حقوقها، بينما تطالب المنظمات بأن يكون الطلاق بيد المحكمة، لحفظ حقوق المطلقة وأولادها.
كما يتيح القانون الجديد للمرأة المطلقة الحصول على نفقة مؤقتة خلال 48 ساعة من تطليقها، بقيمة ١٥٠٠ جنيه كحد أدنى، للحفاظ على تماسك الأسرة، ثم تذهب للمحكمة لرفع دعوى النفقات الخاصة بها وبأولادها، بحسب ما أوضحت النائبة أمل سلامة عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، في تصريحات تليفزيونية.
ترى ندى أن النفقة العاجلة للمطلقة أحد النقاط الإيجابية المذكورة بخصوص مشروع القانون الحكومي الجديد. وتستنكر مرة أخرى التعتيم وغياب التفاصيل، وعدم الإشارة بأي شكل من الأشكال إلى آليات التنفيذ وإجراءات صرف هذه النفقة.
الحفاظ على الذمة المالية ونصيب كل زوج من الثروة المشتركة
توضح المحامية أن المقصود بـ«تقسيم العائد المشترك» أي كل ما جمعه الزوجين سويًا، ويخرج من ذلك أموال الزوج قبل الزواج، وما يتحصل عليه كميراث. وتضيف: «هي قعدت تربي العيال 20 سنة عشان هو يقدر يخرج يشتغل ويجيب فلوس، فلما يتطلقوا تترمي في الشارع؟ واللي قلعت دهبها عشان جوزها يدخل مشروع، والمشروع بقى ملايين، الست دي مالهاش نصيب في رأس المال؟».
وفي فبراير 2022 طالب شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، بإعادة إحياء فتوى حق «الكد والسعاية» للمرأة، وهي فتوى تقضي بحق ونصيب معلوم للمرأة في مال زوجها، يصل إلى نصف ثروته، سواء في حالة الطلاق أو الوفاة، ذلك نظير عملها ومشاركتها له في تكوين تلك الثروة.
حق «الكد والسعاية» أو«حق الشقا» مشتق من التراث الإسلامي، مثلما أكدت ندى نشأت، ويستهدف حفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدًا في تنمية ثروة زوجها، وتطبقه دول مثل المغرب وماليزيا وإندونيسيا، والمسلمون في سنغافورة، وجميعها تستند في ذلك إلى أحكام الشريعة.
يرجع التأصيل الفقهي لفتوى «الكد والسعاية»، مثلما توضح ندى، إلى واقعة حبيبة بنت زريق زوجة عامر بن الحارث، عندما اختصمت ورثة زوجها لدى الخليفة عمر بن الخطاب، في نزاع حول حقها بعدما مات الزوج وترك أراضي ودورًا وأموالًا، فأخذ ورثته مفاتيح المخازن ليقتسموا الورث، فحكم عمر بن الخطاب لحبيبة بالنصف من جميع المال جزاء كدها وسعايتها، ثم بالربع من نصيب الزوج باعتبارها وارثة لأنه لم يترك ولدًا.
تؤكد ندى أن تقسيم الثروة المشتركة التي تكونت أثناء الزواج يحفظ حقوق الطرفين. ودللت على ذلك بإحدى القضايا حيث كان يعمل الزوج في الخارج ويرسل أموالًا لزوجته وأطفاله، ادخرت هي منها واشترت شقة باسمها، وعند الطلاق لم يأخذ نصيبه فيها لأن الشقة قانونًا ملك زوجته.
محكمة واحدة لمنازعات كل أسرة
كما تعمل اللجنة على وضع نظام جديد بمشروع القانون يجمع منازعات كل أسرة أمام محكمة واحدة، ما يعد أحد أبرز مطالب المنظمات حقوقية وجمعيات الدفاع عن المرأة لسنوات طويلة.
تشرح ندى: «الست بتقدم نفقة قدم قاضي في دايرة ما، لو عايزة تقدم ولاية بتروح قدام قاضي تاني فدايرة تانية، والطلاق قدام قاضي تالت، وترفع ضَم قدام النيابة أو قدام قاض رابع، وهكذا»، بينما تشدد على أهمية وضرورة فهم القاضي للسياق العام للقضية كلها، ما سيتحقق عندما ينظر قاضٍ واحد قضايا الأسرة كلها.
الرؤية والاستضافة والحضانة
من أهم النقاط المنشورة بخصوص التعديلات ربط الرؤية والاستضافة بالنفقة، ما يعني أن الأب الذي يمتنع عن الإنفاق على أبنائه ليس له الحق في رؤيتهم، كما توضح ندى، وتلفت إلى أنه وفقًا للمنشور سيسقط حق الأب في الرؤية حال عدم الحضور في المواعيد المقررة لها، بعد إعطاء أجل ثلاث مرات، كذلك نقل الحضانة من الأم حال عدم حضورها الرؤية.
نص القانون على الاستضافة ليختلط الأطفال بأسرتهم مدة تتراوح ما بين يومين أو ثلاثة أيام شهريًا، وإذا رفض الأب إعادة الاطفال إلى الأم، فستكون هناك عقوبة جنائية رادعة، مع منعه من استضافة أولاده مرة أخرى، بينما تشير المحامية إلى أن التصريحات حتى الآن تتحدث عن حقوق الرجال من دون أخذ حقوق النساء في الاعتبار، وتتابع: «نعم الأب يستحق حقوقًا أكثر في الرؤية والاستضافة، ولكن ما هي معاييرك لتطبيق ذلك؟ وأين الحماية؟ وما هو دور الدولة؟ ولِم لَم يتحدث أحد عن الولاية المشتركة أو القوامة المشتركة أو الأدوار الرعائية المشتركة؟».
تابعت المحامية: «كما أن مؤسستنا الشرطية غير مؤهلة للتعامل مع قضايا الأسرة، وفي الحالات التي يأخذ فيها الأب الطفل ويختفى لا تتحرك الشرطة (لأنه مع والده)! وتحتاج الأم إلى حكم إثبات حضانة تتقدم بناء عليه ببلاغ خطف، ولا تستطيع التنفيذ لأن (مافيش أب بيخطف عياله يا أستاذة»، مشددة على ضرورة وجود ضمانة قضائية لعودة الأطفال لأمهاتهم.
كما تنص التعديلات على تغيير ترتيب الأب في الحضانة ليكون في المرتبة الثانية بعد الأم، وهو ما طالبت به المنظمات، مع استمرار سن الحضانة 15 عامًا للذكر والأنثي كما هو من دون تغيير. وفي هذا السياق تؤكد ندى نشأت على أهمية ألا يكون النص الخاص باستمرار سن الحضانة في ظاهره الرحمة وفي موطنه العذاب، فتتحول هذه السنوات لعقوبة للأم، لافتة إلى نقطة محورية تم تجاهلها تمامًا إعلاميًا ورسميًا أثناء الحديث عن القانون المنتظر، وهي حق الأم المطلقة في الاحتفاظ بحضانة أطفالها في حالة زواجها مرة أخرى، مشددة على ضرورة أن يقر القانون الجديد بشكل قاطع أن زواج الأم ليس سببًا لسقوط حضانة أطفالها.
ووفقًا لوسائل إعلام رسمية، سينص القانون على عدم جواز نقل الطفل من مستوى تعليمي لمستوى تعليمي أخر بعد الطلاق، شريطة إثبات تعسره ماديًا. وهو ما يحدث أيضًا في الكثير من الحالات، حين يُقدم الآباء المطلقون على نقل أبنائهم انتقامًا من الأم منزوعة «الولاية التعليمية».
واستنادًا لفلسفة القانون الحالي، يعتبر الأب «الولي الطبيعي» للأطفال، فلا تستطيع الأم تسجيل أبنائها عند الولادة في غياب الأب، كما لا تستطيع فتح أو التصرف في حساب بنكي لأبنائها، أو اصطحابهم للخارج من دون موافقة مكتوبة من الأب، ما يتحول لأزمة أكبر في حالات انفصال الوالدين، حيث يستغل البعض أمر «الولاية الطبيعية» لمنع الأم من اتخاذ أي قرار بشأن دراسة الأبناء.
وعلى الرغم من أنه بموجب قانون الطفل تؤول الولاية التعليمية إلى الحاضنة بمجرد الطلاق، تمتلىء قاعات محكمة الأسرة بقضايا لنساء يطالبن بأمر وقتي يعطيهن الحق في الولاية التعليمية على أولادهن، وهي حق تمثيل الطفل وإدارة شؤونه التعليمية، مثل تقديم أو سحب ملفه التعليمي قبل بلوغه سن 15 سنة. وتتسائل ندى: «ستمنع الأب من نقل الطفل لمستوى تعليمي أقل، فماذا في حالات النقل لنفس المستوى ولكن لمدرسة أبعد؟ ولماذا هناك تصميم على توريط المرأة في إجراءات طويلة ومعقدة للحصول على حقها القانوني في الولاية التعليمية كحاضنة؟».
وبينما أكد المستشار عبد الرحمن محمد رئيس لجنة إعداد مشروع القانون، في تصريحات تليفزيونية نهاية ديسمبر الماضي، أن القانون الجديد «وضع حلولًا للولاية التعليمية ودراسة الأولاد في المدارس، كي لا يدفع الأطفال ثمن الخلاف بين الآباء»، تقول ندى: «تتحدث التصريحات عن (حلول) لكل شيء، لكن لم يطرح أو يوضح أحد أي حلول!». وتؤكد أن معركة النساء في قانون الأحوال الشخصية هي «معركة ضد امتيازات الرجال، لا حقوقهم».