فاجىء الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 26 ديسمبر الماضي المجتمع المصري وخاصة الشباب المقبل على الزواج، بعدما اجتمع مع لجنة إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية، بتوجيه اللجنة لإنشاء صندوق لرعاية الأسرة، ووثيقة تأمين لدعمها ماديًا في مواجهة النفقات والتحديات ذات الصلة بمسائل الأحوال الشخصية، مع توفير المصادر التمويلية له، بالإضافة إلى دعمه من قبل الدولة، حيث دعا الرئيس الشباب إلى تمويل الصندوق بمبلغ من المال قبل الزواج، على أن تدفع الحكومة مبلغًا مماثلًا للصندوق المقترح، سوف يتم استخدامه بعد ذلك لدعم الأسر خاصة في حالات الانفصال والطلاق.
الغريب في الأمر أن بنك ناصر الاجتماعي، وهو بنك تابع للحكومة المصرية، يمتلك صندوقًا مشابهًا، تحت اسم «صندوق تأمين الأسرة»، منذ عام 2004، والذي أسس بموجب القانون 11 لسنة 2004، ويستهدف مساعدة الأسر التي هجرها عائلها بلا منفق، بجانب تنفيذ الأحكام الصادرة بتقرير النفقات والأجور وما في حكمها. وهنا نقف أمام تساؤل مهم، هل كان الأولى هنا التوجه لإقرار صندوق جديد لدعم الأسرة؟ أم تفعيل وتطوير الصندوق الموجود بالفعل داخل بنك ناصر؟
فإقرار الصندوق الجديد بالشكل الذي طرحته الحكومة المصرية سيأتي بنتائج اقتصادية عكسية، خاصة في ظل وجود صندوق آخر بالاسم نفسه يعالج مسائل ما بعد الانفصال والطلاق تابع لبنك ناصر الاجتماعي، ولن يؤدي الصندوق إلا لمزيد من الأعباء المالية الجديدة، التي تؤدي بدورها إلى ارتفاع تكاليف الزواج في مصر، في ظل تردي الوضع الاقتصادي للبلاد وزيادة أسعار الذهب والأثاثات والأجهزة الكهربائية وغيرها من مستلزمات الزواج، ما سيؤدي إلى زيادة نسب العنوسة أو فرص الزواج غير القانوني، وما يترتب عليها من أعباء اقتصادية جراء انتهاك النسيج الاجتماعي والخلافات المترتبة على ذلك، وهو ما يتضح جليًا في القضايا المتداولة في محاكم الأسرة، فلا يوجد أي مبرر اقتصادي من الصندوق المقترح سوى الحصول على تمويل جديد لحكومة من أفراد الشعب ولكن بصيغة جديدة، ولكنه هذه المرة سيؤثر بالسلب على البنية الاجتماعية التي هي أساسها الأسرة، بما يشكل ضربة للاقتصاد الوطني الذي يقوم بالأساس على استقرار الأسرة المصرية.
وكان الأولى حل الإشكالية الرئيسية الخاصة بصندوق تأمين الأسرة ببنك ناصر الاجتماعي، والتي تواجها الأسر عند تنفيذ حكم من محكمة الأسرة، وهي الحد الأقصى للنفقة الذي يتوقف عند مبلغ 500 جنيه فقط، وهو ما يعرقل تنفيذ الأحكام، لأن إذا كان لدى أي زوجة أو مطلقة أحكام نفقة للتنفيذ تتراوح بين ألفي و4 آلاف جنيه لا يستطيع أحد تنفيذها لدى بنك ناصر بسبب الحد الأقصى المنخفض، وبالتالي كان الأجدى رفع سقف البنك لتفعيل دور الصندوق بدلاً من إنشاء صندوق جديد.
ومن جانب آخر هناك عدة مواد معلنة مثل وجوب أخذ المأذون موافقة القاضي قبل إتمام عقد الزواج، بعد الاطلاع على فحوصات طبية للزوجين. من المفيد اجتماعيًا تفعيل تلك الفحوصات كخطوة استباقية لمنع العديد من المشاكل المسببة للطلاق وانهيار الأسرة فيما بعد الزواج، ولكن فكرة موافقة قاضي على الزواج ستكون محل تشكيك وجدل حول تفرغ القضاة لتلك المسألة، فالجميع يعلم مدى تكدس ساحات القضاء بالقضايا، وطول فترة التقاضي التي ينادي الجميع بتقصيرها، وتنفيذ الأحكام الناجزة، أحد المشكلات الكبيرة التي تواجه الدولة المصرية. ومن ناحية أخرى نجد أن الفصل في الزيجة سيكون محل وجهة نظر للقاضي، وهو ما يتعارض مع الفكرة الأساسية للزواج، وهي حرية اختيار وتدخل في أدق تفاصيل شؤون المواطنين وحريتهم الخاصة.
يتضمن مشروع القانون أيضًا الحفاظ على الذمة المالية لكل زوج ونصيب كل منهم في الثروة المشتركة التي تكونت في أثناء الزواج، وهو الأمر المعمول به في معظم دول العالم، والذي يحافظ بدوره على حقوق الزوجة كشريك أصيل في الثروة التي جمعت وقت الزواج، واحتفاظ كل طرف بأمواله الخاصة التي هي نتيجة عمله بشكل مستقل، بالإضافة إلى إعادة صياغة وثيقتي الزواج والطلاق بما يضمن اشتمالهما على ما اتفق عليه الطرفان عند حالتي الزواج والطلاق، فضلًا عن توثيق الطلاق كما هو الحال في توثيق الزواج، وعدم ترتيب أي التزامات على الزوجة إلا من تاريخ علمها به، وعدم الاعتراف بالطلاق الشفهي.
وفي هذا الأمر كانت هيئة كبار علماء الأزهر الشريف في فبراير 2017 رفضت مقترحًا للرئيس السيسي بإقرار توثيق الطلاق كشرط لوقوعه، وأقرت وقوع الطلاق الشفوي المستوفي لأركانه وشروطه، ولم يحدث أي تغيير في موقفها حتى الآن، وكان قد أعلن الأزهر أكثر من مرة أن قانونه المعد يختلف عن غيره من حيث الصياغة والمضمون، كما أنه يعالج القضايا الأسرية وفق مصلحة المجتمع، ويتميز عن غيره من مقترحات القوانين، مما سيجعلنا نقف الفترة القادمة من مناقشة القانون حتى إقراره من مجلس النواب أمام إشكالية قد تصل إلى حد المعركة القانونية والفقهية، بين الحكومة المصرية من طرف ومؤسسة الأزهر من طرف آخر، حول شرعية القانون المنتظر.
.