أب ولكن.. ليلة في منزلنا

بداية العام الجديد ولم يحضر سانتا إلى عالمنا، وتوحدت أمنياتنا جميعًا في جملة من أحد إعلانات مستشفى القلب «أنا عايزة أعيش». جميعنا نحلم بالعيش عيشة هادئة، بلا ديون بلا نزاعات بلا أزمات، لا نريد إحباطات اليوم فهي بداية جديدة.

واستكمالًا لما كنا نسرده عن «حياة»، اليوم هاتفتني لتخبرني أني سأحل ضيفة على بيت أبيها في يوم ميلاده، وأنها أخبرته أني أريد التحدث معه عن حياته وكفاحه. وهنا علمت أني أتعامل مع شخصية نرجسية ومتطلبة أيضًا.

كنت متحمسة جدًا لهذا اللقاء، حتى أني ظللت طوال الليل أرتب أفكاري، كيف سأحاوره؟ ومن أين سأبدأ حديثي؟ وكيف أخفي انتقادي لأفعاله؟ لأجد نفسي أقف أمام معضلة مبدأ من مبادئي التي لطالما تمنيت التخلي عنها، ألا وهي أننا جميعًا ضحايا لضحايا، لأواجه نفسي وأبحث عن: يا تري هو ضحية من؟ من الذي كون هذا الشخص وهذه العقلية؟

دعونا لا نسبق الأحداث، ولنذهب ونرى ما ستؤول إليه الأمور، لربما بالغت حياة بوصف ما حدث. سأكون على مسافة واحدة من الجميع، سأخرج نفسي من الصورة لأراها كاملة، وسأنتشل نفسي من فوضى الأفكار هذه وأستمع لبعض المزيكا. سأدع العشوائية تحكم الآن، ولنرى ماذا سيهدينا راديو الطريق.

طلبت من سائق الأوبر أن نستمع لأي شيء على الراديو، فإذا بها العشوائية تهديني أغنية «ليالينا» لوردة، لأدندن معها وأنا أتابع وجوه الناس بالشارع. أعلم أن هناك العديد من الحكايات خلف كل هذه الوجوه، أنا الآن أريد أن أمتلك القدرة على قراءة أفكار البشر، أريد أن أستمع لكل تلك الآهات الصامتة التي تصيح بها تجاعيد أيديهم وخطوط وجوههم.

هناك طفل يجري من دون حذاء في الشارع ويعبر الطريق مسرعًا، وهناك كلب نائم يحتضن قطة على جانب الطريق، حتى الحيوانات لم يعد لديها وقت للصراعات واختارت السلم، متى سنختار نحن أيضًا السلم ونتصالح مع أعدائنا؟!

ينادي السائق: لقد انتهت الرحلة. وصلنا إلى الموقع المحدد. انتبهت وجمعت أشيائي وصعدت إلى هناك، ليفتح لي الباب طفل يبلغ من العمر 11 عامًا مبتسمًا: أنتي أميرة؟ أجيبه: أيوه، حياة هنا؟

كان سؤالي هنا أكثر من سؤال عن شخص،  بل سؤال عن وجود الحياة في هذا البيت. دخلت إلى بيت بسيط، وامرأه في أواخر الخمسينات ترحب بي، تملك من الحنان الذي يجعلني أريد أن أظل في حضنها ما حييت. إنها الأم والدة حياة. جلسنا سويًا وتحدثنا عن ما آلت إليه الحياة، وأخذت تحكي وتسرد أهمية أن أهتم بحياتي وأتزوج لأحظى بحياة، ووجدت أنها ممن يعتقدن بأنه لا حياة خارج كنف الأزواج، وأننا خلقنا لنعيش في كنف الرجال.

في الحقيقة لا أعلم العيب بمن؟ هل روح المرأة المتحررة تتملكني لذلك أدافع عن أفكاري وأتهمها؟ أم أن قلة الوعي ورواسب التربية القديمة والأفكار القديمة تسيطر عليها؟ ربما كل منا لديه الأفكار الأصلح لحياته، لكن في وسط كلماتها وجدت أم قادرة على أن تأكل كل من يقترب بسوء من أبنائها، لكنها لا تملك أمام الأب سوى البكاء!

الان تدخل علينا زوجة الأب. شابة بيضاء البشرة في منتصف الثلاثينات ترتدي جلبابًا مزخرفًا وتتعامل بود مبالغ، وبعدها يظهر هو مرحبًا بي، رجل ستيني بملامح حادة لا يملك من الوسامة شيء، طويل القامة قمحي البشرة يغزو الشيب شعر رأسه. رحب بي وأجلسني بجواره ناعتًا إياي بابنته، وأنه سيساعدني حتى أتزوج وأوسس منزلًا لي، وأني منذ الآن فردًا من العائلة، وعلي أن أحضر كل أسبوع للمنزل مع إخوتي، فهنا بيت العائلة.

ابتسمت وأحببت مودته، وجلست مع الزوجة الثانية نتبادل الحديث، لتخبرني أنها قد مات أبيها وهي في العاشرة من عمرها، وأن أمها قد فارقت الحياة منتحره، وأن إخوتها أهانوها ومارسوا عليها كل أنواع التعذيب، حتى أنها تركت مدرستها.

عرفتها إحدى صديقاتها على الأب، لنعطيه اسمًا أيضًا، ولكن ماذا سأسميه؟ لنعطيه حرفًا من الحروف، سنرمز له بالحرف «م». تقول: عرفتني إحدي صديقاتي على «م»، وأخبرتني أنها على علاقة به، وأنهما متحابان، وقالت لي إنه شخص عظيم. نعم لقد استخدمت هذا الوصف له. كنت في السادسة عشر من عمري، تحدثنا سويًا وأصبح على علم بكل ما يحدث معي من إخوتي ومحاولاتي للهرب من قبضتهم، فعرض علي الزواج، وتزوجته. لقد كان لي حاميًا.

قاطعتها: كيف تزوجتيه وأنتي طفلة قاصر؟!

أجابت: تزوجنا بورقتين عرفي، وضع إحداهما أمام منزلي، مضيت عليها وأصبحنا متزوجين. ومرت ثلاث سنوات ونحن معًا، وهو يعدني بأني سأغادر ذاك المنزل قريبًا عندما أبلغ السن القانوني، وعندما بلغت السن القانوني علمت واحدة من عماتي بزواجي منه، وقاموا بتكتيفي وإلقائي في منور المنزل، مربوطة اليدين والأرجل، وتلون جسدي باللون الأزرق من فرط الضرب.

تكمل: استطاعت إحدى قريباتي إبلاغه بما يحدث، فجاء مع سيارة الشرطة وأخذني من قبضتهم  وأدخلني إلى منزله، وجعل مني زوجته أمام الجميع. لقد أنقذني.

وفي وسط حديثها تأتي ابنتها لتقول: ماما أنا مسحت برنامج تسجيل المكالمات بالغلط، لتتوتر الزوجة وتقول لها: أبوكي هيخرب بيتي لو عرف إنه اتمسح.

وهنا علمت أنها حبيسة، ولكن تقنع نفسها بأنها في حال أفضل. أكملت وهي تمدحه لكونه رجلًا صانها وتزوجها. لم أستطع أن أسالها عن مشاركتها زوجته وأطفاله بيتهم، لكني لم أستطع فعل ذلك، فكيف نحاسب طفلة على أفعالها؟

الآن أمامي حالة لمتلازمة ستوكهولم، وحالة أخرى من البيدوفيليا الواضحة. لقد ازدحم عقلي الآن بكم هائل من الأفكار. جاء صوت الأم تنادينا أن ننضم لها لتناول الغداء، وأنا قررت الآن أن أكتفي وأراجع طبيبي النفسي الآن، فما سمعته ورأيته يحتاج لطبيب يعالج طبيبي.

الحياة ليست منصفة، ولكننا لم نكن نريد سوى حياة بها حياة.

1 تعليق

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة