كن لك وللآخر (3)

هناك رواية تروى عن الخيول العربية لا أعلم مدى صحتها، لكن قررت أن أحتفظ بمعناها ومرادها الذي تصورته لحظة سماعي أول مرة لتلك القصة.

يقول الراوي إن الخيول العربية الأصيلة لا تأكل في حالتين، الحالة الأولى عند إهانتها بشكل أو بآخر، فمثلًا عندما تختلط الخيول في غنيمة أحدهم في حرب ما، يقوموا بعد ذلك بفرزها وفصل الخيل العربي عن الباقين، فيتم صف الخيل في صفوف تشكل مربعًا أو مستطيلًا حسب العدد والمساحة، ويمر شخص بسوط أو بعصا ويقوم بضرب كل حصان ضربة على رأسه، ثم ينتهي ويقوم بالمرور مرة أخرى، ولكن هذة المرة بالطعام، فالحصان الذي يمتنع عن الأكل من يد من أهانه هو حصان عربي أصيل. أما الحالة الثانية فهي عند أسره، فالحصان العربي الأصيل لا يأكل من يد من قام بأسره.

بصرف النظر عن صحة الرواية من عدمها، لفت نظري شيء أراه إيجابيًا وملهم في ذات الوقت، وهو كيف ينتصر الفرد للكل. عندما يرفض هذا الحصان أن يأكل من يد من أهانه وذله فإنه لا ينتصر لنفسة فقط، بل ينتصر لكل بني جنسه، يقرر التضحية بنفسة لكي يلفت انتباه المعتدي أن نتيجة الإهانة هي فقدانه، ومن بعده خسارة أي آخر من بني جنسه، فينتبه هذا المعتدي أن الخسارة له فادحة، فيقرر أن يتوقف عن إهانتهم، فتنجو أجيال من بعدهم.

هكذا أرى هذه الرواية، ولو عكسناها علينا كبشر فالموضوع بسيط، أعلم أنك عندما ترفض الإهانة – وهنا كلمة الإهانة مجرد رمز في حالتنا نحن البشر، فالإهانة هي الظلم والقهر والقسوة والفساد والجهل والعنف والتعصب وكل ما هو ضد إنسانيتنا بشكل أو بآخر، عندما ترفض أن تمارس أو يمارس ضدك أي من هذه الإهانات، فأنت تنتصر أولًا لإنسانيتك، وثانيًا لكل مخلوقات الأرض.

كما فعلت الخيول نفعل، لا أكثر ولا أقل، مع الفرق أن لدينا مئات السبل للتعبير عن ذلك، وإن كان الخيل لا يستطيع أن يعبر عن رفضه واعتراضه إلا بهذه الطريقة فهو معذور، لأنه ببساطة لا يملك إلا ذلك، أما نحن فلدينا الكثير والكثير. لو قررنا أن نرفض كل ما هو ضد إنسانيتنا فمع الوقت والزمن سيأتي أجيال الحق والعدل والرحمة والجمال والعلم والمعرفة هو الطبيعي والسائد بينهم، ربما لا يستطيع جيلنا أو أولادنا أو حتى أحفادنا أن يعيشوا تلك الأيام، لكن سنكون شركاء بشكل أو بآخر في كل ما حدث، ابنك سيحكي لحفيدك، وحفيدك سيحكي لابنه أن هناك أجيال من أجدادنا دفعوا معنا ثمن كل ما حدث هذا. سنظل وهم سينجون.

أن تعيش لك وللآخر هذا كل مراد الخالق، انتصارنا لإنسانيتنا وتقديس واحترام كل خلق الله هو كل مبغى الله من عبده.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة