السيرة العطرة للراحلة منى قطب زوجة الفنان حلمي التوني

الإنسان سيرة. تركت عالمنا السيدة الجميلة منى قطب رحمها الله، زوجة الفنان التشكيلي حلمي التوني، الذي خاض في الفن بكل فرادة تحسب له، ورسم للأطفال بحب ووعي كبيرين، وتفنن في أغلفة الكتب حتى وصلوا إلى ثلاثة ألف غلاف. أجمل ما قيل عنه  السوريالي الشعبي المتفائل، وهو بالفعل متفائل ومبهج وقلما فارقت الابتسامة وجهه البشوش، ومن أقواله إن الناس تحتاج دائمًا إلي البهجة، والمصريون ما زالوا محتفظين بهويتهم.

فارقته منذ يومين شريكته وضياء حياته الجميلة منى قطب عن عمر يناهز ٧٤ عامًا، سيدة الزمالك خريجة الجامعة الأمريكية. كانت تجربة الزواج الثاني له وحب عمره، واستمر زواجهما لأكثر من أربعين عامًا. كانت تدير أعماله بكل حب وإخلاص كأنها أحد معجبيه، بل وأشدهم أعجابًا، وكنت من المحظوظات القلائل الذين تعاملوا مباشرة مع هذه السيدة الراقية ومع الفنان التشكيلي حلمي التوني، فقد تشرفت أن أشارك في تحضير معارض له سنويًا منذ عام ٢٠١٦ وحتى ٢٠٢٠، وكنت حينها أعمل في جاليري بالزمالك يعرض فيه الفنان أعماله كل سنة في نفس الوقت تقريبًا من شهر ديسمبر.

المعروف أن معظم الفنانين يعملون طوال العام على تحضير موضوع وقصة معرضهم، فلكل معرض قصة حتى وإن تشابهت الشخوص، فمثلها مثل السينما البطل والممثل واحد لكن القصة التي يدور حولها المعرض مختلفة. كانت الأعمال التي قام بإبداعها والعمل عليها بحسن وجمال تعرض مرة واحدة كل سنة، وكانت السيدة منى قد أدركها الإعياء والتعب منذ سنوات، وكانت تنزل من بيتها إلى الجاليري لتحضير معارض التوني ومتابعتها، على الرغم من سوء الأحوال الجوية، وعلى الرغم من مرضها الذي كان يمنعها من النزول معظم الوقت. كانت دائمًا ترتدي الكمامة لحماية رئتها المتعبة في زمن ما قبل الكورونا، وتنزل لتشرف على تعليق لوحات التوني في الجاليري، وتدقق في ترتيبها حسب الألوان والشخوص والأرقام والأحجام. كانت حقًا منظمة وقوية لمتابعة كل ذلك في هذا السن ومع هذا المرض.

كانت ترتب لوحاته حسب كل سيدة وطفلة وأم، كلهن سيدات وبنات من وحي خيال التوني. ولأن التوني يعرف عنه رسم السيدة المصرية الجميلة وما تحمله بكل معنى من الجمال، فكانوا يرتدون في لوحاته الملاية اللف والبرقع والبيشة واليشمك والمنديل. كانت اللوحات تحمل في طياتها ملامح حقيقية لوجه السيدة منى قطب، هل كان يقصد أن يرسمها في معظم لوحاته؟ هل وجهها هذا الذي كان وراء اليشمك وعينيها المتسعة ومنخارها المدبب بشكل جميل كأنها نفرتيتي الحاضر، ملكة دائمًا وسط الحضور؟

كانت دائمًا تحضر في بداية افتتاح يوم المعرض لتطمئن من أن كل شيء في مكانه، ويأتي بعدها أولادهم وأحفادهم الذين كانوا دائمًا يوزعون صورًا مطبوعة لأعمال جدهم على المدعوين في بداية المعرض، ثم تأتي هي لتقف بجوار الفنان ليقدم معرضه. كانت دائمًا ساندة وداعمة لفن ورسالة زوجها، وهو يعطي حبه وتحياته لكل معجبيه ومقتني أعماله والفنانين الذين كان هو مثلهم الأعلى في الفن، وكيف لرجل مثل التوني أن يكون غير عظيم وهو بجانبه سيدة عظيمة مثل السيدة منى؟ التي تركت روحها وسيرتها العطرة بجانب الفن مثالًا على أن وراء كل نجاح كبير دائمًا سيدة وحب كبير مثلها رحم الله روحها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة