قناة السويس.. صندوق سيادي جديد يخرج عن الموازنة

حالة من الجدل اجتاحت مواقع التواصل الإجتماعي، على خلفية موافقة مجلس النواب، على مجموع مواد مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس، فيما أرجأ رئيس المجلس، حنفي جبالي، الموافقة النهائية إلى جلسة لاحقة.

تضمنت مذكرة مشروع تعديل قانون هيئة قناة السويس، أسباب التعديل بأنها ترتبط بـ”الظروف الراهنة التي يشهدها العالم ويواجهها مرفق قناة السويس، نتيجة ضعف الأداء الاقتصادي العالمي، وتراجع معدلات التجارة العالمية كأثر لتداعيات فيروس كورونا، وتذبذب أسعار البترول الخام وتداعياته على تكاليف شحن مختلف السلع والبضائع، فضلاً عن سعي بعض الدول إلى أن يكون لها دور محوري في نقل التجارة عبرها، وبناء على ذلك بات من الأهمية ضرورة تنمية مرفق قناة السويس وتطويره، بما يسهم في تحقيق مستهدفات الحكومة المصرية في التنمية الاقتصادية”.

واستحدثت التعديلات أعمال الصندوق التابع لهيئة قناة السويس، حيث يكون له شخصية اعتبارية وموازنة مستقلة، يهدف إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرفق قناة السويس وتطويره من خلال الاستغلال الأمثل لأمواله، وفقًا لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها، ومجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أية ظروف استثنائية أو قوة قاهرة أو سوء في الأحوال الاقتصادية.

وبحسب التعديلات، يسمح للصندوق القيام بجميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، بما في ذلك: المساهمة بمفرده أو مع الغير في تأسيس الشركات، أو في زيادة رؤوس أموالها، والاستثمار في الأوراق المالية، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها، ويكون رأس مال الصندوق المرخص به مائة مليار جنيه مصري، ورأس ماله المصدر والمدفوع عشرة مليارات جنيه مصري تسدد من قِبل هيئة قناة السويس.

فيما حددت التعديلات موارد هذا الصندوق بأنها رأس ماله، بالاضافة الى نسبة من إيرادات هيئة قناة السويس، أو تخصيص جزء من فائض أموال الهيئة لصالح الصندوق بعد الاتفاق مع وزير المالية، وعائد وإيرادات استثمار أموال الصندوق، بالإضافة إلى الموارد الأخرى التي تحقق أهداف الصندوق، ويقرها مجلس الإدارة، ويقبلها رئيس مجلس الوزراء.

وجاءت موافقة مجلس النواب، على الرغم من الهجوم الذي شنه عدد من النواب على الحكومة ورفضهم مشروع القانون، حيث اعتبرت النائبة مها عبدالناصر مشروع القانون تهديد لمبدأ وحدة الموازنة، وطالبت النائبة بحضور رئيس مجلس الوزراء الى البرلمان للرد على استفسارات النواب، في السياق ذاته أعرب النائب أحمد فرغلي عن تخوفاته من مشروع القانون، لما يمنحه من صلاحيات واسعة للصندوق السيادي، وضعا في الاعتبار أن القانون الحالي يسمح للهيئة بالاستثمار.

قناة السويس خط أحمر:

وتحت هاشتاج قناة السويس خط أحمر دون عدد من النشطاء وسياسيين، اعتراضا على مشروع القانون.

وأدان المرشح السابق لرئاسة الجمهورية وزعيم الحركة المدنية حمدين صباحي، عبر صفحته مشروع القانون قائلاً: “الرفض القاطع الحاسم للصندوق السيادي للقناة واجب وطني وسياسي وأخلاقي على الحكومة أن تسحب فورا هذا المشروع المهين، #قناة_السويس_خط_أحمر”.

من جانبه كتب الباحث الاقتصادي، إلهامي المرغني عبر صفحته بـ”فيسبوك”، أن قناة السويس علامة في تاريخ الوطن، بدأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أخفق فى بعضها ونجح في بعضها الآخر، لكنها ملحمة وطنية. “للأسف قناة السويس أصبحت مجرد أصل يباع ويشتري مثل مجمع التحرير ومثل تيران وصنافير.. من يفرط في حقوق بلاده ولو للحظة واحدة يبقى أبد الدهر مزعزع العقيدة سقيم الوجدان”.

فيما طالب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، مدحت الزاهد، بسرعة تأسيس جبهة للدفاع عن قناة السويس ضد مشروع قانون تعديل قانون نظام هيئة قناة السويس، خاصة ما يتعلق بإنشاء صندوق يسمح بشراء وبيع وتأجير واستئجار الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.

وقال الزاهد “يلزم الآن تأسيس جبهة للدفاع عن قناة السويس لتوحيد الجهود بشمولها لكل معارضي قانون الصندوق والتفريط في الأمن القومي وسيادة مصر على شريانها الحيوي، مصر في خطر يستهدف نيلها وقناتها ومصادر ثروتها وقوتها، الآن.. الآن.. وليس غدًا”.

الحكومة تنفي مزاعم بيع القناة:

رداً على حالة الجدل التي أثارها مشروع القانون، أكد رئيس مجلس النواب المصري، حنفي جبالي، إن مشروع القانون المقدم من الحكومة “لا يتضمن أي أحكام تمس القناة أو بيعها”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الدولة ملزمة وفقا للمادة 43من الدستور بحمايتها وتنميتها والحفاظ عليها بصفتها ممرا مائيا دوليا مملوكا لها.

وخلال الجلسة العامة، أمس الثلاثاء، قال جبالي إن” البيع أو الاستئجار أو الاستثمار بصندوق القناة يتوافق مع طبيعة الصناديق ولا يمس بأي شكل القناة نفسها، وأن قناة السويس مال عام لا يمكن التفريط فيه”. مؤكداً على أن “البرلمان المصري يبذل قصارى جهده في تمحيص القوانين للحفاظ على الوطن والمواطن وعلى رأسها صندوق قناة السويس”، وختم الجبالى كلمته بأن مجلس النواب لم ولن ينجرف إلى إصدار قوانين تمس أحكام الدستور الذييعبر عن ضمير الامة وأن المجلس يبذل قصارى جهده لتمحيصالقوانين لخدمة الوطن.

فيما صرح اسامة ربيع ريئس هيئة قناة السويس، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية لميس الحديدي، “إن فكرة القانون أو إنشاء صندوق خاص بهيئة قناة السويس، تهدف إلى تحقيق أهداف كثيرة جدا منها: زيادة قدرة الهيئة على المساهمة في التنمية المستدامة لمرفق الهيئة، والمساعد على تمكين قناة السويس لمواجهة الأزمات، والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أي ظروف استثنائية”.

 وأشار ربيع إلى أن “الصندوق يعزز إقامة مشروعات عملاقة قائمة على دراسات جدوى مثلى بمشاركة مكاتب استشارية كبرى مثل بناء سفن عملاقة وترسانات وأحواض والوقود الاخضر المستدام، حيث أن تلك المشاريع تحتاج لإدارة اقتصادية، وهذا الأمر ممكن من خلال إنشاء صندوق لقناة السويس، وأكد أن هذا الصندوق لن يؤثر على الفائض الذي يذهب للدولة من قناة السويس والذي يزيد كل سنة، موجهًا رسالة طمأنة للجمهور قائلًا: “إطمئنوا لامساس بالأصول، ولا هناخد من ميزانية الدولة”.

إلى جانب هذا علّق النائب محمد سليمان، رئيس اللجنة الاقتصادية بـ مجلس النواب، على ما أثير عن الغرض من إنشاء هيئة قناة السويس لصندوق استثماري، قائلا: يجب التفرقة بين مرفق قناة السويس وهيئة قناة السويس والصندوق المُزمع إنشائه، حيث أن مرفق قناة السويس مملوك للدولة ملكية عامة، وحماية أصوله وممتلكاته مكفولة بموجب الدستور، والمرفق ليس مملوك للهيئة، ولكن الهيئة تديره فقط وأعمال شئونه.

وأضاف رئيس اللجنة الاقتصادية بالنواب، في بيان له، أن أموال هيئة قناة السويس – طبقا لقانون إنشائها، عامة وتؤول للموازنة العامة للدولة بالكامل، كما أن الصندوق المزمع إنشائه مملوك للهيئة بالكامل، والغرض منه مواجهة حالات الطوارئ والأزمات ومخاطر التقلبات في العوائد المستقبلية، ويكفل استدامة موارد للتطوير المستمر لمرفق القناة.

وعن حق الصندوق في بيع وشراء واستئجار أصوله والاستثمار مع الغير، أوضح: أمر طبيعي، لأن الصندوق له موارد يمكن أن يستثمرها في أصول مالية أو عينية، والاستثمار في هذه الأصول يكون بالبيع أو الشراء أو الاستئجار، وهي الأشكال النمطية للاستثمار، ولم يتطرق القانون من قريب أو من بعيد باستحواذ الصندوق على أي أصل من أصول المرفق ذاته، وغير مسموح بذلك لأن أصول وممتلكات مرفق قناة السويس (الممر المائي) – ليست ملكًا لهيئة قناة السويس كي تتصرف فيها، وإنما مملوكة للدولة ملكية عامة، أما أموال الهيئة فهي مملوكة للدولة ملكية خاصة، حيث أن للهيئة الحق في استثمار أصولها بشكل يكفل لها استدامة الموارد، وتعظيمها بالشكل الذي يحميها من مخاطر التقلبات في التدفقات النقدية المستقبلية، وكساد حركة التجارة العالمية.

المعارضة ترفض مشروع القانون:

من جانبها، أعربت الحركة المدنية الديمقراطية عن رفضها القاطع لمشروع إنشاء صندوق لهيئة قناة السويس. الأمر الذي اعتبرته الحركة في بيانها  يمثل تهديدًا لسيادة مصر على  مواردها الاستراتيجية ومن شأنه أيضًا أن يهدد أمن مصر القومي.

وأكدت الحركة المدنية على أنها تعارض هذا المشروع ليس فقط لمساوئه الاقتصادية، لكن أيضًا لمخاطره السياسية والاستراتيجية. وأشارت إلا أنه قد سبق للحركة أن طالبت مؤسسات الحكم في بيانها في ٦ سبتمبر الماضي  بعدم الاندفاع في اتخاذ قرارات اقتصادية تتعلق بالأصول ذات الطابع الاستراتيجي، والتي تمس الأمن القومي قبل أن تستمع إلى رأي المعارضة في الحوار الذي دعت إليه، لأن من شأن هذا الأسلوب إهدار قيمة الحوار وجدواه.

واستطردت الحركة المدنية في بيانها بأن الحكومة تقدمت بمشروع قانون لتعديل بعض أحكام القانون ٣٠ لسنة ١٩٧٥ الخاص بنظام هيئة قناة السويس، وذلك بغرض إنشاء صندوق مستقل ذي شخصية اعتبارية يكاد يبتلع هيئة قناة السويس ويعرضها لأخطار جمة، وذلك لعدة أسباب الآتية: “أن  المادة (١٥) من مشروع القانون الحالي، التي تتكون من فقرة وحيدة من سطرين تفرعت إلى ٩ مواد من ١٥ مكرر ١ حتى ١٥ مكرر ٨، في حين أن القانون الأصلي لقناة السويس كله ١٦ مادة بخلاف مادة النشر، بالإضافة إلى أن  فلسفة مشروع التعديل بإنشاء صندوق لقناة السويس جاءت في أربع نقاط، متضمنة فى القانون الحالى. وحسب المذكرة الإيضاحية فإن جميع مواد القانون الحالي  ٣٠ لسنة ١٩٧٥ تفي بالغرض تماما بزيادة قدرة الهيئة في الاستثمار، ودون إنشاء صندوق مستقل عن الهيئة نفسها”.

وأشارت الحركة في بيانها إلى  أن كل خبراء الاقتصاد فى مصر والمؤسسات الدولية يطالبون بوحدة وشمول الموازنة العامة، وإذا بنا نضرب عرض الحائط بكل هذه المطالبات بإنشاء صندوق جديد موارده وإيراداته لا تمت بصلة إلى موازنة الدولة وبعيد تمامًا عن رقابة البرلمان.

كما أوضحت الحركة أنه قد زاد على ذلك تحويل نسبة من إيرادات قناة السويس وتخصيص جزء من فائض الهيئة لهذا الصندوق، وهذا أمر يقلل من الحصيلة الدولارية المهمة، التي سيتم تحويلها إلى الصندوق بعيدًا عن موازنة الدولة، لأن فوائض قناة السويس، باعتبارها هيئة اقتصادية، تؤول للخزانة العامة.

وقد كشف رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، مدحت الزاهد، عن اجتماع طارئ ستعقده أحزاب الحركة المدنية الأثنى عشر، غدا الخميس، لمناقشة الأمر.

ورفضت الحركة أن يتم إقرار النظام الأساسي للصندوق ( بعيد عن البرلمان وبقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض رئيس هيئة قناة السويس وبعد موافقة مجلس الوزراء) لهذا المرفق الخطير الذي يشكل أمن قومي لمصر، وكذلك لائحة نظامه الأساسي، بعيدًا عن موافقة البرلمان.

وأكدت الحركة في ختام بيانها رفضها القاطع لأي احتمال لخصخصة أي جزء من قناة السويس التي هي مصدر أساسي للدخل القومي للشعب المصري ورمز من رموز كفاحه وتضحياته التاريخية. كما أكدت على ضرورة أن تقوم الحكومة بسحب هذا القانون فورًا تقديرًا لقدسية الرمز ووضعه فوق الشبهات ولسيادة مصر على مواردها وشريانها الحيوي.

من جانبه أعرب حزب الدستور عن قلقه إزاءَ القرارات والسياسات الاقتصادية التي تتخذها الحكومةُ سواءً التوسع في سياسة الاقتراض أو فرض مزيدٍ من الضرائب على الشعب أو بيع مزيدٍ من الأصول بدلا من تنميتها وزيادة إنتاجها وأرباحها، كما يرفض الحزب تقسيم موازنة الدولة إلى ميزانيات مستقلة تتبع الصناديق الخاصة والتي لا تخضع لرقابة أو مناقشة من المؤسسات التشريعية والتنفيذية والرقابية.

وفي بيانه أكد الحزب على أن قناة السويس كانت ولا زالت شاهدةً على كفاحِ المصرييين، فقد شارك في حفرها ما يقربُ من مليون مصري، ومات ما يربو من مائةٍ وعشرين ألف مصري أثناء أعمال الحفر ، كما استشهد جنودٌ مصريون دفاعًا عنها أثناء التصدي للعدوانِ الثلاثي سنة ١٩٥٦ وحرب الخامس من يونيو سنة ١٩٦٧ وحرب التحرير في السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣  ولن يقبلَ المصريون العبثَ بمقدراتهم وانتزاعِ قناةِ السويس من سيادتهم بأي مُسمى أو تحت أي ذريعة.

وتأتي تلك المخاوف بالتزامن مع اتجاه الحكومة في الالتزام بسياسة طرح أصول الدولة للاستحواذ الأجنبي.  وجاءت موافقة مجلس النواب المصري على تعديلات القانون، بعد أيام من إعلان صندوق النقد الدولي، منح مصر على حزمة دعم مالي لمصر بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرا، إضافة إلى حزمة تمويلية بنحو 14 مليار دولار.

وذكر صندوق النقد الدولي، في البيان، أن التمويل الإضافي بقيمة 14 مليار دولار، سيتم سدادها ببيع مزيد من أصول الدولة.

وتشهد مصر أزمة اقتصادية، خلفها تراجع الاحتياطات النقدية من العملة الصعبة، مما دفعها للاقتراض للمرة الثالثة من صندوق النقد الدولي، واتخاذ إجراءات تتعلق بتحرير سعر صرف العملة، وبيع عدد من أصول الدولة لسداد مستحقات الدولة الخارجية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة