عام على الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.. ولكن!

أصدرت الأمانة الفنية باللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان في مصر تقريرها الأول بعنوان «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام من التنفيذ»، والذي تناول في 74 صفحة ما تم تنفيذه منذ إطلاق  الاستراتيجية في سبتمبر 2021.

وأشار التقرير إلى أبرز الجهود والتدابير التي اتخذتها الدولة في تنفيذ الاستراتيجية على مدار العام الماضي، إلى جانب جهود الأمانة الفنية لتحقيق نتائجها المستهدفة، ودمجها في السياسات والبرامج التنفيذية للحكومة، فيما حمل التقرير الكثير من التفاصيل التي جاءت مغايرة لما تم تداوله من أخبار وتقارير صحفية وبيانات حقوقية حول حالة حقوق الإنسان في مصر، وسنطرح أبرز تلك النقاط خلال السطور القادمة.

الحقوق السياسية والمدنية:

معاملة السجناء ومكافحة التعذيب:

تحدث تقرير اللجنة عن الجهود التي بذلت على مدار العام الماضي لحماية حقوق الإنسان وتنفيذ مستهدفات الاستراتيجية، مثل مناهضة ومكافحة كافة أشكال التعذيب التي تتم داخل أماكن الاحتجاز، كما استعرض التدابير التي اتخذتها الحكومة المصرية لضمان معاملة السجناء «على نحو يحفظ كرامتهم». في المقابل؛ أصدر مركز «النديم» لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب في سبتمبر الماضي تقريرًا عن الانتهاكات التي مارستها السلطات الأمنية المصرية في أغسطس الماضي، رصد فيه 168 انتهاكًا مختلفًا، بينها ظهور 238 مواطنًا بعد فترات متباينة من الاحتجاز خارج إطار القانون.

وبحسب تقرير «النديم»، تم رصد 6 حالات وفاة في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة، وخمس حالات تعذيب فردي، و15 حالة تكدير فردي، وسبع حالات تكدير جماعي، و32 حالة إهمال طبي متعمد، و40 حالة إخفاء، و39 حالة تدوير على ذمم قضايا مختلفة بعد انتهاء مدة الحبس الاحتياطي.

وفي الوقت الذي أكد فيه تقرير اللجنة على اهتمام الدولة بتوفير الرعاية الصحية اللازمة لكافة المسجونين، يتناقض ذلك مع ما رصدته عدد من التقارير الصحفية والحقوقية عن وفاة عدد من السجناء مؤخرًا نتيجة الإهمال الطبي. ففي نوفمبر الماضي، شهد سجن «بدر 3»  الوفاة الرابعة بين نزلائه منذ افتتاحه بسبب ضعف الرعاية الصحية، وبحسب تقرير نشره موقع «مدى مصر»، توفي السجين حسن دياب حسن، المحكوم عليه في قضية عسكرية، داخل زنزانته، بعد إصابته بغيبوبة سكر استمرت 6 ساعات، لم تستجب خلالها إدارة السجن لمطالب زملائه بإسعافه ونقله إلى مستشفى السجن، بحسب المحامي نبيه الجنادي، الذي طالب جهات التحقيق بفتح تحقيق عادل في ملابسات الوفاة وظروف الاحتجاز في «بدر 3»، خصوصًا في ظل منع الزيارة عن عدد كبير من المحتجزين به.

وفيما يخص معاملة السجناء، ذكر تقرير «العام الأول من الاستراتيجية» أن إجمالي أعداد المفرج عنهم، سواء بقرارات عفو رئاسي عن باقي مدة العقوبة  أو بإفراج شرطي، قد بلغ أكثر من عشرين ألف شخص، تم إلحاق عدد 105 منهم بوحدات التدريب المهني بجهاز التدريب على حرف التشييد والبناء، التابع لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، مما يعني أن هناك 105 فقط قد خضعوا للتدريب المهني من بين 20,000 قد تم الإفراج عنهم. وبحسب مركز «ثيميس» للمحاماة والإصلاح الجنائي، فإن عدم خضوع المحكوم عليهم إلى برامج تدريب مهني وتعليمي بعد الإفراج عنهم للحصول على فرص عمل مستدامة، يؤدي بنسبة كبيرة إلى اتجاه المفرج عنهم نحو  بيئة الجريمة مرة أخرى، ومن ثم دخوله السجن مرة أخري.

وتابع المركز في بيان أنه لا مبرر بأن تكون النتيجة النهائية لمجهودات المؤسسات المعنية تتلخص في إلحاق 105 فقط من المحكوم عليهم بوظائف بعد الإفراج عنهم، في ظل وجود بنية تحتية حديثة، فجميع الاحتياجات اللوجستية متوافرة من حيث المساحة والأدوات، وهو ما يتضح منه القصور البالغ في إدارة ملف معاملة النزلاء المحكوم عليهم.

– حرية التعبير والتنظيم:

من ناحية أخرى، زعم تقرير اللجنة الفنية أن الاستراتيجية استهدفت تعزيز مناخ وثقافة التعددية وتنوع الآراء والرؤى إزاء مختلف القضايا العامة، لكن في المقابل؛ ألقت قوات الأمن القبض على أكثر من 400 شخص، بحسب «المفوضية المصرية للحقوق والحريات»، على خلفية دعوات التظاهر في 11 نوفمبر الماضي، بينهم زياد أبو الفضل عضو حزب العيش والحرية- تحت التأسيس- والذي تم احتجازه لمدة 3 أيام قبل عرضه على جهات التحقيق التي أمرت بحبسه احتياطيًا بعد توجيه عدد من التهم، منها الانضمام إلى جماعة إرهابية.

أما عن حرية الرأي والتعبير، فلا يزال الحجب مستمرًا لأكثر من 500 موقع صحفي داخل وخارج مصر، وفقًا لمؤسسة حرية الفكر والتعبير. وتعود قصة حجب المواقع الإخبارية إلى مايو 2017، عندما تم حجب عدد من المواقع الإخبارية والحقوقية بقرار من جهة مجهولة، ومن بين المواقع التي حُجبت «مصر العربية»، «البديل»، «البداية»، «كاتب»، «الحرة»، «رصيف22» و«مدى مصر».

الحق في الحرية الشخصية:

كما زعم التقرير أن الاستراتيجية استهدفت تعزيز الضمانات ذات الصلة بضوابط ومبررات ومدد الحبس الاحتياطي الواردة في القوانين الوطنية؛ وأكدت على ذلك بإخلاء سبيل 814 من المتهمين المحبوسين احتياطيًا بموجب قرارات من النيابة العامة أو المحاكم المختصة، وذلك خلال الفترة من يناير وإلى سبتمر 2022، فيما لا يزال الكثيرون قيد الحبس الاحتياطي، وفي أغسطس الماضي، صرح كمال أبو عيطة عضو لجنة العفو الرئاسي لموقع «مصر 360» أنه تقدم بـ3000 حالة حبس احتياطي لجهاز الأمن الوطنى بمفرده، إضافة إلى قوائم أخرى لأعضاء آخرين باللجنة قدموا كشوفًا للجهات المعنية، إلى جانب لجنتي حقوق الإنسان بالبرلمان والشيوخ «لكن الأسماء المقدمة تدور في دائرة مغلقة»، بحسب وصفه.

وبحسب منظمة «العفو الدولية»، ظل معظم من  أُفرج عنهم بعد إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي يواجهون قيودًا على حريتهم وحقهم في التعبير، بينهم الناشط السياسي شريف الروبي، الذي أُفرج عنه في يونيو 2022، وأُعيد القبض عليه في سبتمبر، بعدما أدلى بحديث لوسائل إعلام عن الصعوبات التي يواجهها السجناء السابقون. وبحسب المنظمة لا يزال آخرون من المُفرج عنهم حديثًا يخضعون لمراقبة الشرطة، بينما يُمنع كثيرون بشكل تعسفي من السفر للخارج.

 الحقوق الاقتصادية والاجتماعية:

احتفىتقرير العام الأول للاستراتيجية بجهود الدولة في مكافحة وباء كورونا، على الرغم من الإجراءات التعسفية التي اتخذتها الحكومة، بينها القبض على عدد من الأطباء في بداية انتشار الجائحة، بسبب حديثهم عن انتشار الفيروس في مصر، أو انتقادهم لطريقة تعاطي الدولة مع الجائحة، بالإضافة إلى سن تشريع يجرم نشر المعلومات حول الأوبئة، بحسب منظمة «العفو».

كما أشار التقرير إلى تنفيذ السلطات لبرنامج لتطوير المناطق غير الآمنة، متجاهلًا الحديث عن الطرق غير الدستورية لعمليات الإخلاء التي تتم في تلك المناطق، فعلى سبيل المثال حالة الحصار التي تشهدها منطقة الوراق، والتي استخدمت فيها قوات الأمن القوة غير المشروعة مع أهالي المنطقة بشكل متكرر، إلى جانب قمع احتجاجاتهم ضد عمليات الإجلاء القسرية.

وفي أغسطس الماضي، أدانت عضوة مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي سميرة الجزار ما وصفته بـ«التهجير القسري» ﻷهالي جزيرة الوراق، بعد أن استخدمت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع لتفريق احتجاجات سكان الجزيرة، الذين قررت الحكومة نزع ملكية منازلهم لإقامة مشروع أبراج تجارية وإدارية.

وفي بيان لها أكدت الجزار أن ما يجري حيال أهالي الجزيرة «مخالفة واضحة للدستور الذى تنص المادة 63 منه على حظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله»، واعتبرت أن «مخالفة ذلك جريمة لاتسقط بالتقادم». كما طالبت الجزار الأمن بالتزام ضبط النفس واستخدام الطرق السلمية واحترام المواطنين، مؤكدة على وقوفها بجانب أهالي الجزيرة فيما يخص رفع دعوى قضائية ترفض تهجيرهم القسري، ورفضها أيًا من أشكال العنف الممارس ضدهم.

من ناحية أخرى،ادعى تقرير اللجنة تركيز الاستراتيجية على حقوق العمال وعدم إجازة الفصل التعسفي، في الوقت الذي سن فيه تشريع عام 2021 أجيز فيه فصل موظفي القطاع العام الُمدَرجين على «قوائم الإرهاب» بشكل تعسفي، ومن دون اتخاذ أي إجراءات قانونية واجبة.

3- تعزيز حقوق المرأة والطفل:

زعم تقرير «الاستراتيجية الوطنية» استهدافها لحماية المرأة من كافة أشكال العنف، فيما لا يزال مشروع القانون الموحد لمناهضة العنف ضد المرأة، المقدم من النائبة نشوى الديب، معلقًا في البرلمان حتى اليوم.

مقترح القانون الذي قدمته النائبة المستقلة في مارس سبق وتقدمت به النائبة نادية هنري لبرلمان 2018، حاملًا موافقات 60 نائبًا ونائبة، وبعد تأجيلات مستمرة لم يعرض للمناقشة على اللجان النوعية وكان مصيره الحفظ، وهو ما حدث مع كافة القوانين المقدمة لتجريم العنف على مدار السنوات الماضية، رغم تزايد حالات العنف ضد المرأة سواء على المستوى الخاص أو على المستوى العام، إذ تعرضت أكثر من ثلاث فتيات للقتل هذا العام على يد زملائهم، لرفضهم الزواج منهم.

كما رصدت دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس القومي للمرأة؛ نُشرت في يناير 2022، أن 75% من النساء يتعرضن للعنف و80% يتعرضن للتحرش في مصر. وتوصلت الدراسة التي حملت عنوان «العنف ضد المرأة- الأبعاد وآليات المواجهة» إلى عدة نتائج، أبرزها إبلاغ ما يقرب من ثلاثة أرباع المشاركات في الدراسة عن تعرضهن للعنف، وكان العنف في الشارع على رأس قائمة الانتهاكات، يليه العنف المنزلي، بينما لم تتخذ الدولة رغم هذه الدراسة الرسمية وغيرها التدابير والإجراءات اللازمة لمنع تكرار هذه الوقائع، ما يتيح المجال أمام المعنفين لتكرار وقائعهم في ظل غياب وسائل الردع.

وفيما يخص تعديل القوانين «بما يعزز حقوق المرأة، ويضمن المصلحة الفضلى للطفل، وييسر حصول المرأة على كافة حقوقها وحقوق أطفالها كاملة دون تأخر»، مثلما جاء في التقرير، فلا زالت المرأة تعاني العديد من الأزمات التي لم تنجح التعديلات التي طرأت في قوانين الأحوال الشخصية في حلها، مثل قضية حضانة الأطفال في حالة زواج الأم،  ومعوقات الطلاق للضرر، وحق الولاية، والطلاق الشفهي، والطلاق الغيابي، وغيرها من الأزمات التي لن تحل إلا بإقرار قانون أحوال شخصية جديد يراعي تلك الأزمات والمعوقات ويقدم حلولًا جذرية لها، وهو ما لم يحدث حتى اليوم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة