في “اليوم العالمي لحقوق الإنسان” الصحافة في مصر بين المنع والحجب والحبس

أطلقت السلطات المصرية الثلاثاء الماضي سراح الصحفي والباحث إسماعيل الإسكندراني، بعد قضائه 7 سنوات في السجن، عقب القبض عليه من مطار الغردقة في نوفمبر 2015 أثناء عودته من ألمانيا، والحكم عليه عسكريًا في 2018 بالسجن عشر سنوات، بتهم نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية، خُففت لاحقًا إلى سبع سنوات.

جاء اعتقال الإسكندراني والحكم بحبسه ضمن سلسلة من الانتهاكات الواسعة التي طالت حرية الصحافة والصحفيين في السنوات العشر الأخيرة، والتي وصلت في 2016 إلى اقتحام قوات الأمن لمقر نقابة الصحفيين والقبض على اثنين من الصحفيين المعتصمين بداخلها، ثم محاكمة نقيب الصحفيين وعضوين بمجلس النقابة بعد اتهامهم بإيوائهم.

تصف منظمة «مراسلون بلا حدود» مصر بـ«أحد أكبر سجون الصحفيين في العالم»، بعد تراجعها للمركز 166 في جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة الخاص بالمنظمة لعام 2021، بينما احتلت المرتبة الثالثة على قائمة الدول التي تحتجز أكبر عدد من الصحفيين في الإحصاء السنوي لـ«الجنة الدولية لحماية الصحفيين»، التي اعتبرت مصر «الأولى على مستوى العالم في عدد الصحفيين المحبوسين على خلفية اتهامات نشر».

ورغم الإفراج عن عدد من الصحفيين المحتجزين خلال العامين الماضيين، يظل حوالي 20 صحفيًا في السجون، وفق حصر «مراسلون بلا حدود»، قبض على غالبيتهم بسبب آرائهم السياسية أو منشوراتهم على مواقع التواصل، جميعهم تقريبًا متهمون بنشر أخبار كاذبة، فيما ينفذ بعضهم أحكامًا بالسجن، مثل الصحفي محمد أكسجين والمدون علاء عبد الفتاح، اللذان حُكم عليهما في نهاية 2021 بالسجن 4 و5 سنوات على التوالي، والمصورة علياء عوض، التي أصدرت محكمة في أواخر يونيو الماضي حكمًا بحبسها 15 عامًا، لتصويرها تظاهرات لأعضاء جماعة الإخوان في 2013.

في ذات السياق، تجاوز الكثير من الصحفيين المحبوسين – والمفرج عنهم- الفترات القصوى للحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون المصري، ويحرم بعضهم من العلاج والرعاية الطبية رغم تدهور صحتهم، وبينهم من تم تدويره في قضية جديدة وهو محتجز، أو اعتُقل من جديد بعد فترة من إطلاق سراحه، وهو ما حدث مع الصحفي أحمد سبيع، الذي برأته المحكمة في قضية «غرفة عمليات رابعة» من اتهامات الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، بعدما قضى 4 سنوات في السجن، ليُقبض عليه مرة أخرى في فبراير 2020، وتقرر النيابة حبسه بالاتهامات نفسها، وهو الآن مودع بسجن شديد الحراسة، وممنوع من لقاء أسرته أو محاميه ومن دخول أي احتياجات شخصية له منذ احتجازه.

كما تفرض السلطات في بعض الأحيان شروطًا على قرارات الإفراج عن الصحفيين، مثلما حدث مع المصور محمود أبو زيد «شوكان»، الذي أطلق سراحه في مارس 2019 تحت المراقبة الشرطية، بعد قضاء عقوبة خمس سنوات بسبب تغطيته فض اعتصام رابعة، ويتوجب عليه قضاء كل الليالي محتجزًا في قسم شرطة لـ 5 سنوات أخرى.

عانت الصحافة وحرية التعبير بشكل عام من أوضاع سيئة مع تزايد وتيرة التضييق على الحريات السياسية منذ 2017، واعتماد قانون جديد لمكافحة الإرهاب استخدمته السلطات لممارسة مزيد من القمع على المعارضين والصحفيين، فضلًا عن قانون الطوارئ، مع استحداث هيئة رقابية جديدة وهي «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام»، ومنحها صلاحيات واسعة لممارسة أشكال متنوعة من الرقابة على وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية والصفحات الشخصية، في الوقت الذي تخضع فيه ما يقرب من نصف وسائل الإعلام لسيطرة الدولة، سواء من خلال وكالاتها الرسمية أو عبر أجهزة المخابرات أو رجال الأعمال المقربين من السلطة، بحسب «مراسلون بلا حدود»، بالإضافة إلى حجب السلطات أكثر من 500 موقع صحفي, وفقًا لمؤسسة «حرية الفكر والتعبير»، منها موقع «مدى مصر» الذي خضعت أربع صحفيات منه للتحقيق في سبتمبر الماضي، بينهن لينا عطا الله رئيسة تحرير الموقع، بسبب شكاوى قضائية تقدم بها حزب «مستقبل وطن» التابع للأمن، بعد كشف أحد المقالات المنشورة عن تورط أعضاء بالحزب في مخالفات مالية جسيمة. وقرر النائب العام الإفراج عنهن بكفالة.

وعلى صعيد القوانين، كثف البرلمان إصدار التشريعات المقيدة للصحافة وحرية التعبير، أبرزها قانون «مكافحة الجرائم الإلكترونية»، وقانون «تنظيم الصحافة والإعلام» الذي يحد بشكل كبير من الحريات الصحفية والإعلامية، ويقيد النشر على مواقع التواصل، كما تتعارض بعض مواده مع الدستور، ويُستخدم كلاهما في استهداف الصحفيين والمعارضين، مع استمرار تجاهل إصدار قانون لحرية تداول المعلومات، رغم تبني الحكومة المصرية له في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2026)، كما جاء في استراتيجية التنمية المستدامة «رؤية مصر 2030»، ورغم تقدُم نواب ووزراء ومؤسسات حكومية ومنظمات مجتمع مدني بعدة مشاريع قوانين لإتاحة وحماية المعلومات خلال السنوات الماضية، وإعلان المجلس الأعلى للإعلام عن إصدار مسودة للقانون في 2017.

وفي الوقت الذي طالب فيه «الأعلى للإعلام» المواقع المحجوبة بتقنين أوضاعها وفقًا لقانون «تنظيم الصحافة والإعلام»، الذي أُقر من دون حوار مجتمعي أو عرض على الجهات المعنية أو إشراك الجماعة الصحفية، تجاهل المجلس طلبات الترخيص المقدمة إليه من المواقع المستقلة، رغم استيفائها كافة شروط الترخيص الصادرة عن المجلس.

وبحسب مؤسسة «حرية الفكر والتعبير» استمرت الأنماط الاعتيادية والمتكررة للانتهاكات ضد الصحفيين خلال 2022، وتنوعت ما بين المنع من التغطية- أحد أكثر الانتهاكات تكرارًا- ومنع النشر، ووقف إعلاميين، ومنع هيئات المحاكم الصحفيين من تغطية وقائع جلسات هامة، مثلما حدث في جلسة محاكمة المسؤولين المتهمين بالفساد بوزارة الصحة، في القضية المتورط فيها مدير مكتب وزيرة الصحة السابقة وطليقها.

كما كشفت التقارير الرصدية الصادرة عن المؤسسة لعام 2022 عن استمرار حالات القبض والاعتقال للصحفيين والإعلاميين، بينهم الإعلامية منال عجرمة التي اعتقلتها السطات في نوفمبر الماضي، والصحفي بجريدة «روز اليوسف» رؤوف عبيد، الذي اعتُقل في يوليو وأُخفي قسريًا لمدة 17 يومًا قبل عرضه على النيابة متهمًا بالانضمام إلى جماعة ونشر أخبار وبيانات كاذبة، والصحفية صفاء الكوربيجي، العاملة بمجلة الإذاعة والتلفزيون، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، وألقت قوات الأمن القبض عليها في إبريل الماضي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة