هل تسري قوانين ومواثيق الشرف الصحفي في مصر على النساء؟

أعادت حادثة القبض على الفنانة منة شلبي منذ أيام بالمطار، بتهمة حيازة مواد يشتبه في كونها مخدرة، الحديث عن قواعد وأخلاقيات النشر الصحفي والإعلامي في مصر، ومدى التزام المؤسسات الإعلامية والصحفية، والصحفيين، بميثاق الشرف الصحفي والقوانين المنظمة، بعد مخالفات جسيمة ارتكبتها صحف ومواقع إخبارية وفضائيات في تناولها للخبر، أبرزها نشر صورة جواز سفرها وبياناتها الشخصية.

يعزو البعض تراجع احترام أخلاقيات الصحافة إلى وقوع الكثير من وسائل الإعلام فريسة للـ«ترافيك»، و«الترند» الذي أصبح محركًا رئيسيًا لجميع وسائل الإعلام والتواصل، وما نتج عنه من ممارسات سلبية وتجاوزات بينها نشر صور وأسماء وبيانات المتهمين قبل صدور أحكام قضائية نهائية ضدهم، ونشر صور الجثث، وعدم احترام حرمة الموت ومشاعر الأهالي أثناء تغطية الجنازات، إلى جانب نشر معلومات مضللة أو مبالغ فيها، والاهتمام بأخبار الفضائح والأسرار الشخصية وشائعات المشاهير، متجاهلين المعايير المهنية والأخلاقية وقواعد ممارسة الصحافة التي تُحدد للصحفي واجباته ومسئولياته.

ميثاق للشرف الصحفي وقانون لتنظيم الصحافة وأكواد لضبط النشر

وافق المجلس الأعلى للصحافة في مارس 1998 على إصدار ميثاق شرف صحفي، يتكون من 53 مادة، أعدته نقابة الصحفيين المصرية، وهو مٌلزم للصحفيين حتى اليوم. ينظم الميثاق حقوق وواجبات الصحفيين المهنية والأخلاقية، ويشدد على التزام الصحفي فيما ينشره بمقتضيات الشرف والأمانة والصدق، بما يحفظ للمجتمع مثله و قيمه، وبما لا ينتهك حقًا من حقوق المواطنين، أو يمس إحدى حرياته، كما ينص على الالتزام بعدم نشر الوقائع مشوهة أو مبتورة، و عدم تصويرها أو اختلاقها على نحو غير أمين.

تؤكد بنود الميثاق على الالتزام بتحري الدقة في توثيق المعلومات، وعدم استخدام وسائل النشر الصحفي في اتهام المواطنين بغير سند، أو في استغلال حياتهم الخاصة للتشهير بهم أو تشويه سمعتهم، أو لتحقيق منافع شخصية من أي نوع، وتعد كل مخالفة لأحكام هذا الميثاق انتهاكًا لشرف مهنة الصحافة، وإخلالًا بالواجبات المنصوص عليها في قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970، و قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996، الملزمين لجميع العاملين بالصحف، ويشددان أيضًا على مراعاة مبادئ الشرف والأمانة وآداب المهنة وأعرافها وتقاليدها، وعلى عدم نشر أسماء و صور المتهمين قبل صدور أحكام نهائية، وغيرها من الضوابط الأخلاقية والمهنية لنقل الأخبار.

وفي مايو 2022، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام القرار رقم 22 لسنة 2022، الخاص بإصدار كود «ضوابط وأخلاقيات نشر أخبار الجريمة والتحقيقات»، والذي أضيف إلى لائحة الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام وسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على القواعد والمعايير الضابطة للأداء الصحفي والإعلامي والإعلاني.

ينص الكود على عدة مبادئ يلتزم بها الصحفي والمؤسسات عند نشر أو بث أخبار الجرائم والتحقيقات، أبرزها التحلي بالصدق والحياد والموضوعية، ويضع قواعد للغة النشر أو البث، وضوابط  خاصة باختيار العناوين، لتأتي معتدلة ومعبرة عن حقيقة مضمون الخبر، مع التأكيد على ضرورة الابتعاد عن العناوين التي لا تُعبر عن الحقيقة بغرض الإثارة أو جذب الانتباه، أو زيادة التفاعل أو المبيعات.

كما يشدد الكود على قاعدة أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، وينص على عدم جواز نشر صور أو أسماء المشتبه بهم أو المتهمين طالما لم تتم إدانتهم. وفي حالة وجود ضرورة مهنية أو مجتمعية تقتضي النشر، يشترط الكود إخفاء الأسماء وطمس الملامح، احترامًا لقرينة البراءة المفترضة في كل إنسان.

النساء دائمًا هن الضحايا.. ومحامية: التربص الإعلامي بالنساء يؤدي إلى مزيد من العنف

لا تتدخل القوانين والضوابط السابقة في نشر الخبر من عدمه، وإنما في احترام معايير المهنة أثناء نقله، حيث لا تكمن الأزمة في نشر خبر القبض على منة شلبي، لكن في انتهاك حقوقها القانونية وخصوصيتها لدرجة وصلت إلى نشر جواز سفرها، واستخدام المواقع لعناوين مثيرة مثل «أول صورة لمخدرات الفنانة»، و«معاها مخدرات. القبض على منة شلبي»، و«التفاصيل الكاملة لعملية القبض على منة وانهيارها»، وكل ذلك قبل ساعات من صدور بيان النيابة العامة، التي أوضحت أن المواد المضبوطة يُشتبه في كونها مخدرة، وأخلت سبيلها في اليوم نفسه بكفالة، لحين استكمال التحقيقات وإرسال المواد للطب الشرعي لفحصها وبيان طبيعتها ومدى احتوائها على أي من المواد المخدرة.

دائمًا ما تكون النساء ضحايا لمثل هذه الممارسات الإعلامية والصحفية، في ترصد واضح يرتبط بالواقع الذي تعيشه المرأة في المجتمع المصري، ولسهولة تحقيق المشاهدات من خلال المواضيع المسيئة للنساء، خاصة التي تتضمن أخبارًا أو صورًا خاصة، رغم وجود أكواد مهنية تتعلق بما يُعرف بالصحافة الحساسة للنوع الاجتماعي. وفي حالات النشر عن جرائم العنف ضد النساء، يظهر هذا الترصد في العناوين والصور المستخدمة للأخبار، والخوض في تفاصيل الحياة الخاصة للضحايا، حتى في جرائم القتل، وهو ما حدث في التناول الإعلامي لقضية نيرة أشرف التي ذبحت أمام جامعتها بالمنصورة في يونيو الماضي.

استمرت وسائل الإعلام المختلفة في نشر تصريحات قاتل نيرة أثناء جلسات محاكمته المذاعة مباشرة، والتي استغلها هو ومحاميه لتشويه القتيلة والإساءة لسمعتها، عبر الحديث عن ملابسها وعلاقاتها وحياتها لتبرير الجريمة، وحملت المواضيع الصحفية عناوين مثل «قاتل نيرة يكشف عن حقيقة ارتباطهما»، و«قاتل نيرة يكشف كيف وقع في حبها ولماذا رفضته»، و«دفاع قاتل نيرة: هاتف محمد عليه صور تمثل أدلة جديدة»، فضلًا عن نشر موضوعات تساهم في مزيد من التبرير للعنف والوصم للضحية، مثل «صور جديدة تجمع نيرة أشرف مع فنان مشهور»، وغيرها من الأخبار التي لا علاقة لها بالجريمة، لكنها تتعلق بنوع الضحية.

مخالفات جسيمة شهدها أيضًا التداول الإعلامي لقضية بسنت، 20 عامًا، التي انتحرت مطلع هذا العام بحبوب الغلال السامة، بعد نشر مبتزون صورًا لها على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعدما سماح المحكمة لوسائل الإعلام بالتصوير والبث المباشر لوقائع محاكمة المتهمين، والتي شملت بيانات وتفاصيل خاصة جدًا، علمًا بأن المجلس الأعلى للإعلام طالب في وقت سابق، في قضايا الانتحار تحديدًا، بالحفاظ على خصوصية من تعرض لحادثة انتحار، أو محاولاته، فيُحظر اسمه، أو صوره، أو مكان سكنه، والمنطقة التي يسكن فيها، أو وسائل الاتصال به، أو أي معلومات تؤدي إلى سهولة التعرف عليه.

وبالمثل، سمحت المحكمة في فبراير الماضي بتصوير وبث محاكمة المتهم بابتزاز طالبة بكلية الطب البيطري. وأخذ القاضي يسأله على الهواء مباشرة حول علاقتهما كيف بدأت، وطبيعة الصور التي أرسلتها له الضحية، وذلك رغم سماح القانون للمحاكم على سبيل الاستثناء بعقد الجلسات الخاصة بأمور الشرف في غير علانية، وصدور تعديل تشريعي يشترط التغطية والنشر والبث بموافقة رئيس المحكمة.

تقول ندى نشأت، المحامية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، إنه رغم اعتبار البعض تصوير وبث الجلسات أحد أوجه الردع المجتمعي، لم تساهم إذاعة جلسات القضايا الخاصة بعنف ضد النساء إلا في مزيد من الانتهاك والتشهير بالضحية وذويها، ولم تحقق بأي شكل الردع، أساس وهدف النشر والإذاعة.

أكدت ندى على ضرورة التفرقة بين حق الإعلام في النشر، وتحوله إلى آداة للتشهير، فالأول يندرج تحت بند حرية الصحافة، بينما يعد الثاني جريمة يعاقب عليها القانون. وأشارت إلى ارتكاب وسائل الإعلام الكثير من المخالفات القانونية في تغطية واقعة منة شلبي، بدءًا من إدانتها من قبل توجيه السلطات اتهام رسمي لها، ووصولُا لتسريب بياناتها الشخصية المحمية بالقانون حتى في حالات الإدانة.

تؤكد ندى أن هناك تعمدًا لاستهداف النساء حتى في غير حالات الجرائم والمخالفات الجنائية، وضربت المثل بما حدث مع الفنانة شيرين عبد الوهاب، التي استباحتها وسائل الإعلام تمامًا، ونشرت عن حياتها الشخصية وعلاقاتها وأزماتها النفسية و«إدمانها للمخدرات»، اعتمادًا على شائعات مصدرها أحد أفراد أسرتها، رغم عدم توجيه اتهام رسمي لها بالتعاطي.

من ناحية أخرى، تمتلئ صفحات الحوادث بموضوعات وأخبار عن قضايا اغتصاب، تعتمد في نقلها أسلوب الإثارة والإيحاءات الجنسية، من دون إدانة للعنف الواقع على الضحية، أو تحليل حقيقي لما حدث، ما يعكس تطبيع الإعلام مع العنف القائم على النوع، وفقًا لندى، التي لفتت إلى الدور الرئيسي الذي لعبته وسائل الإعلام في التشهير المتعمد بالفتيات المتهمات بقضية «تيكتوك»، من خلال الخوض في تفاصيل حياتهن الشخصية ونشر صورهن الخاصة، في الوقت الذي لم تنشر فيه نفس الوسائل توضيح محامي إحدى المتهمات عبر حسابه على فيسبوك أكثر من مرة، أنه لم يتم تقديم ورقة، أو بلاغ، أو فيديو، أو أي دليل يثبت التهمة الموجهة إليها بالإتجار بالبشر، بل قام بعض الصحفيين بتحليل فيديوهاتها – التي لم تعتبرها النيابة أدلة- واستخدموها كإثبات لعملها بشكل مخالف للقانون.

تؤكد ندى أن مثل تلك الممارسات الإعلامية غير المنضبطة والمتربصة تؤدي في النهاية إلى مزيد من الكراهية والعنف ضد النساء، وهو ما يظهر بوضوح في ما يُسمى بقضايا الشرف، التي يمرر فيها الإعلام تبريرات مبطنة للعنف، بدلًا من مواجهته والتصدي له.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة