ورقة لـ«قضايا المرأة»: النساء الأكثر تضررًا من تغير المناخ.. وغياب التكامل بين السياسات الوطنية أهم المشكلات

أصدرت مؤسسة قضايا المرأة المصرية ورقة بحثية بعنوان «النساء وتغير المناخ في مصر»، تزامنًا مع انعقاد مؤتمر الأطراف في شرم الشيخ.

تتناول الورقة قضية التغيرات المناخية وتأثيراتها المختلفة، مع سرد لتاريخ التعاطي الدولي مع قضايا المناخ والبيئة، وعرض للتحديات التي تواجه الدول النامية. كما تلقي الضوء على الاتفاقيات والسياسات والاستراتيجيات والخطط الدولية والوطنية الخاصة بمواجهة التغيرات المناخية، مع التركيز على أهمية منظور النوع الاجتماعي في تحليل سياسات العدالة المناخية ومكافحة آثار التغير المناخي، وكذلك وضع التغير المناخي في مصر تحديدًا وتأثيره على النساء على مستوى السياسات وبعض قطاعات الأعمال والمناطق الريفية والإسكان والصحة، كما تشير الورقة إلى تأثير التغييرات المناخية على النساء في المجالين العام والخاص وسبل مواجهته.

مؤشرات هامة

عرضت الورقة في الجزء الأول مؤشرات عالمية وتنموية مهمة بالنسبة لنساء الدول النامية، لمعرفة كيف تعيش النساء وفي أي مجالات تعملن ومصادر الخطر والفرص الأساسية في حياتهن، وبالتالي كيف يتأثر كل هذا بتغير المناخ، وموقع النساء في مكافحته، لا سيما نساء الدول النامية.

بحسب الدراسات، ستدفع التغيرات المناخية بحوالي 132 مليون شخص في العالم في هوة الفقر خلال العقد القادم، إن لم يتم بذل الجهود لتخفيف آثارها. ومن المتوقع أن تتصدر النساء الفئات الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية، خاصة مع زيادة معدلات الفقر بينهن، ما يرجع لعدة عوامل منها حصولهن على أجر أقل عن نفس العمل، أو عملهن في أعمال مختلفة عن تلك التي يعمل فيها الرجال، أو عدم العمل بأجر من الأساس.

وبخلاف الفقر، كأسوأ حالات تدهور الأوضاع المعيشية والتنمية البشرية٬ أشارت الورقة إلى وجود فجوة بين النساء والرجال في مؤشرات التنمية، بعضها يتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بقضية التغير المناخي ومكافحته ومكافحة آثاره، مثل العمل والتعليم والحماية الاجتماعية والصحة، التي تعد أحد أكثر القطاعات تأثرًا بالتغير المناخي.

وأكدت الورقة على أن موضوع صحة المرأة في علاقته بالتغير المناخي يحتاج إلى تحسين المؤشرات والخدمات الصحية العامة٬ كما يتطلب توجهات محددة تتناولها الهيئات الدولية المعنية، مثل توجيهات لجنة «السيداو» في توصيتها العامة رقم 37 التي ترسم منهجًا وخطوات يمكن الاستفادة بها، منها مشاركة فئات مختلفة من النساء في تصميم ومراقبة الخدمات الصحية٬ والاستثمار في الأنظمة والخدمات الصحية القادرة على مقاومة الكوارث والتغيرات المناخية٬ وضمان إزالة الحواجز التي تعوق حصول النساء والفتيات على المعلومات والخدمات الصحية بما في ذلك الصحة النفسية والعقلية وعلاج  الأورام والصحة الجنسية والإنجابية والكشف عن السرطان والوقاية والعلاج من الأمراض المنقولة جنسيًا.

كيف ترى السياسات المعنية بالمناخ النساء المصريات؟

عرضت الورقة مراجع دولية مهمة بخصوص النساء والمناخ والتنمية، وأهم التشريعات والسياسات والاستراتيجيات المصرية والمبادرات الحكومية المتعلقة بالتغير المناخي والتنمية المستدامة وتمكين المرأة، إلى جانب ممارسات وسياسات أخرى تقوم بها الدولة تتناقض مع أهداف واتجاهات سياساتها الخاصة بمكافحة التغير المناخي والتزاماتها القانونية والدولية، مثل قطع الأشجار وإزالة المساحات الخضراء في المدن الكبرى، والمخالفات التي تتعرض لها المحميات الطبيعية بسبب مشاريع إنتاج الكهرباء أو التنمية السياحية، وخطط وسياسات التوسع العمراني غير المتوازنة.

لا تذكر السياسات الوطنية المطروحة من الدولة المصرية بخصوص التنمية وتغير المناخ وتعزيز المساواة بين الجنسين سواء على المستوى المحلي أو الدولي النساء صراحة ضمن الفئات ذات الأولوية في العمل المناخي، وفقًا للورقة، وذلك على الرغم من إشارة التقديرات إلى أن النساء أكثر عرضة للمخاطر المناخية، ليس فقط لأنهن يمثلن غالبية فقراء العالم – وبالتالى يفتقرن إلى الوسائل اللازمة للتعامل مع الآثار السلبية لتغير المناخ – ولكن أيضًا لأنهن أكثر اعتمادًا على سبل العيش والموارد الطبيعية التى تميل إلى أن تكون أكثر حساسية لهذه التغييرات.

فعلى سبيل المثال، لا تتضمن «الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050» محورًا مستقلًا متعلقًا بالنوع أو النساء. وتغيب الأبعاد المتعلقة بالنوع عن محاور وأهداف مهمة فيها٬ رغم أن الاستراتيجية نفسها تنوه أنه من بين تحديات تنفيذ هدفيها الأول والثاني «عدم أخذ أولويات واحتياجات ومسؤوليات المرأة في الاعتبار في القضايا المتعلقة بالتغير المناخي، رغم قابليتها الشديدة للتأثر بها خاصة في المجتمعات الريفية والأقل تعليمًا». كما يزداد التخوف من أن مسألة زيادة تشغيل النساء في قطاع الطاقة المستدامة بيئيًا ليست مسألة تشغل صناع الاستراتيجية التي لا تذكر شيئًا عن تشجيع القطاع الخاص على تشغيل النساء في هذه الوظائف الخضراء. وحتى بالنسبة للقطاعات كثيفة العمالة النسائية كالزراعة (والتي تعمل فيها النساء بكثافة سواء بشكل مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر) وتساهم بنسبة معتبرة من الانبعاثات في مصر (حوالي 9٪ من الانبعاثات) لا تذكر النساء وأدوارهن في إطاره رغم مساهمتهن الكبير في العملية الزراعية والعمليات المرتبطة بها.

ولفتت الورقة إلى غياب التكامل والتنسيق فيما بين السياسات الوطنية المطبقة، خاصة فيما يتعلق بالمرأة والاعتبارات التنموية في سياق تغير المناخ٬ فهناك اختلافات بين السياسات التي تطرحها الدولة على المستوى الدولي وتلك التي تطرحها على المستوى الوطني، فيبرز وزن قضايا المرأة والأبعاد المتعلقة بالنوع بوضوح في السياسات المطروحة دوليًا، فيما تبدو صياغاتها كطموحات أو توجهات عامة أكثر منها التزامات محددة، مثل طرح «جمهورية مصر العربية الدولي: المرأة والبيئة وتغير المناخ»،  الصادر عن المجلس القومي للمرأة في مارس 2022، والذي يعد أكثر مساهمة متماسكة قامت بها مصر لإدماج منظور النوع في قضايا المناخ والبيئة والتنمية،  وهو الوثيقة الوحيدة تقريبًا التي ذكرت بوضوح قضية العنف ضد المرأة في سياق الضغوط التي يشكلها تغير المناخ والكوارث البيئية على قدرة النساء على الوصول لخدمات الصحة الإنجابية وخدمات الحماية من العنف، وأكدت على أهمية أن تكون النساء صانعات للتغيير ومشاركات في آليات صنع القرار، وأن آليات التخفيف والتكيف يمكن تحسينها بإدماج اعتبارات المرأة وقيادتها في الخطط الوطنية. ورغم ذلك تقول الورقة إنه يصعب تحديد إذا ما كان هذا الطرح بمثابة سياسة مطروحة على المستوى الوطني أو الدولي، حيث يبدو هامشيًا ضمن سياسات الدولة داخليًا٬ فلم يصدر في إطار أي آلية دولية معينة،  ولم تتم الإشارة إليه في أي وثائق أو سياسات أخرى، حتى «الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ» الصادرة بعده.

العدالة في مكافحة التغير المناخي

تؤكد اتفاقية باريس على أن المجتمعات المختلفة لا تتأثر فقط بآثار التغير المناخي وإنما أيضًا بآثار التدابير المتخذة لمكافحته والتعامل معه. ولذلك من المهم ألا تتضرر المجتمعات – أو الفئات الأكثر عرضة للخطر بداخلها كالنساء – من جهود المكافحة نفسها وألا ترسخ جهود المكافحة هذه مظالم وأوضاع تمييزية ومجحفة قائمة.

وتوضح الورقة إلى أنه لكي تتسم مكافحة التغير المناخي بالعدالة وتصبح مسارًا معززًا لأهداف التنمية المستدامة وتحقيق المساواة٬ يجب أن تعمل في اتجاهين: الأول هو رؤية مواقع النساء وخبراتهم والثاني هو العمل على تغيير جوانبها الظالمة. فمن المهم الاستفادة من خبرات النساء النابعة من مهامهن الرعائية ومن خبراتهن التاريخية خاصة كعضوات في جماعات مهمشة مرتبطة بالموارد الطبيعية مثل مجتمعات الشعوب الأصلية والمزارعين وسكان الريف والصيادين إلخ. وإدماج منظور النوع في مكافحة تغير المناخ يجب أن يكون في كافة المراحل بدءًا من جمع البيانات وتصنيفها، وصولًا لتصميم السياسات وتنفيذها وتقييمها. 

كما انتقدت الورقة تعامل سياسات الدولة مع النساء كمتضررات من التغير المناخي مستحقات للحماية من آثاره وليس كمشاركات ومساهمات في الانتقال نحو اقتصاد جديد مستدام وأخضر٬ ودمج النساء في جهود «التكيف» أكثر من جهود «التخفيف»، وذلك بتجاهل إشراك النساء في مجالات العمل المسببة للانبعاثات، والتي يهيمن عليها الرجال حاليًا، مثل الطاقة والنقل والصناعة، في أشكالها الجديدة، وتركيزها على مجالات العمل التقليدية للنساء. ويتضح عدم الحرص على إشراك النساء بهذه الطريقة في مختلف السياسات التي تم استعراضها في هذه الورقة، ما تلفت الورقة إلى أنه يعكس أيضًا عدم اهتمام الجهات المانحة التي تدعم معظم هذه المشاريع بتشغيل النساء رغم الخطاب الدولي الرائج حول تمكين المرأة.

وتشدد الورقة على أهمية زيادة تشغيل النساء في قطاع الطاقة المتجددة، والتعامل مع النساء كمساهمات وصانعات للتغيير والانتقال نحو الأنماط الجديدة في الإنتاج والحياة، من ناحية التمكين السياسي للنساء في مواقع صنع القرار كالبرلمانات والحكومات والمجالس المحلية والنقابات العمالية والفلاحية والمهنية وغيرها، مع تمكينهن من العمل في المجالات التي يتيحها الانتقال للطاقة النظيفة وأنماط الإنتاج المستدامة بيئيًا، من خلال تشجيعهن وخلق الحوافز لانخراط النساء في الأعمال المرتبطة بالتنمية المستدامة وفي أنشطة كسب العيش المرتبطة بمكافحة التغير المناخي، إلى جانب تشجيع الشركات العاملة في هذه المجالات على تشغيل النساء لا سيما في المواقع القيادية.

توصيات هامة

خرجت الورقة بمجموعة من التوصيات، أهمها التكامل والتنسيق بين الخطط والسياسات المعنية بقضايا البيئة والمناخ والتنمية وتمكين المرأة، والتوقف عن الممارسات والسياسات التي تناقضها، وإشراك الفئات المختلفة وخاصة النساء في تصميم وتنفيذ وتعديل الخطط بما يحقق مصالحهم وأولوياتهم خاصة في المناطق الأكثر تضررًا٬ وفي كافة المجالس واللجان التي تعمل على قضية التغيرات المناخية، وسن التشريعات الكفيلة بتفعيل الاستحقاقات الدستورية المعطلة خاصة تلك المتعلقة بمكافحة التمييز، والربط بين تلك التشريعات وسياسات البيئة والمناخ والتنمية وتمكين المرأة٬ على أن يتم تعميم منظور النوع في مختلف تلك التشريعات والسياسات بحيث ترى النساء وتحسن أوضاعهن في السياقات المختلفة.

كما أوصت الورقة بإشراك المجتمع المدني والتنسيق معه من أجل الاستفادة بالجهود المختلفة وتعميم التجارب والمشروعات الناجحة فيما يتعلق بجهود مكافحة تغير المناخ، لا سيما التكيف مع آثاره في المناطق ومع الفئات الأكثر تضررًا، واعتبار التحول الأخضر فرصة لإشراك النساء في القطاعات والأنشطة الاقتصادية التي كن مستبعدات منها طويلًا، مثل الصناعة والطاقة والنقل والبناء والتشييد، وهي القطاعات التي تعتبر من المصادر الرئيسية للانبعاثات والملوثات٬ إلى جانب تفعيل وحدات تعزيز المساواة بين الجنسين بالوزارات المختلفة، لضمان أن يكون اشتغال النساء في قطاعات وأنشطة اقتصادية جديدة في سياق جهود التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها سبيلًا للتمكين والعيش الأفضل وليس المزيد من الاستغلال والعنف والتمييز.

وشددت الورقة على ضرورة التركيز على تمكين المرأة الريفية، سواء فيما يتعلق بجهود التخفيف أو التكيف، حيث تتأثر بشكل مباشر وكبير بالكوارث والتغيرات المناخية، ، سواء كن من المزارعات أو من يعملن بأعمال أخرى، بأجر أو بدون أجر، بالقضاء على التمييز والإقصاء ضدهن في قوانين العمل والتأمين الاجتماعي والصحي٬ وتعزيز ملكيتهن أو حيازتهن للأصول وخاصة الأرض الزراعية والسكن في الريف، وتمكينهن من أدوات وتقنيات الإنتاج الزراعي المستدام لتعظيم الاستفادة الاقتصادية، فضلًا عن تعديل أولويات الإنفاق العام باتجاه المزيد من الإنفاق على مجالات الصحة والتعليم والبحث العلمي والضمان الاجتماعي، إلى جانب إدماج منظور النوع في قضية التمويل المناخي سواء في الشق المتعلق بالتخفيف أو التكيف، والربط بين التمويل المناخي الدولي والموازنة العامة للدولة.

يمكنكم الإطلاع على الورقة البحثية من خلال هذا الرابط:

https://drive.google.com/file/d/1dJ5GDc9sdWJEWEy03KzhN1Tly9v-5F2S/view

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة