لولا دا سيلفا.. منارة اليسار تضيء سماء البرازيل من جديد

«مزيد من الأجور العادلة والمساواة والديمقراطية والكتب والثقافة ومكافحة الجوع. تعليم ورعاية صحية أفضل، وأسلحة أقل، والتغلب على الانقسام مع احترام الاختلاف»، وعود ألقاها اليساري «لولا دا سيلفا» بعد إعادة انتخابه رئيسًا للبرازيل، مشيرًا إلى أن بلاده عادت إلى الساحة الدولية، ولم تعد تريد أن تكون «منبوذة».

أعلنت الهيئة العليا للانتخابات في البرازيل أمس الاثنين عن فوز «دا سيلفا» في الانتخابات الرئاسية، بعد تفوقه على منافسه المنتهية ولايته الرئيس «جايير بولسونارو». حصل «دا سيلفا» على  50,9% من الأصوات، فيما حصل منافسه على 49,1% صوت، لتكتب هذه النتيجة نهاية أكثر حكومة يمينية شهدتها البرازيل منذ عقود، بعدما وقعت البلاد في قبضة الحكم اليميني المتطرف منذ عام 2018 مع نجاح «بولسونارو» البالغ من العمر 66 عامًا في الانتخابات الرئاسية.

انتخابات على جولتين واستقطاب حاد

شهدت الانتخابات البرازيلية إقبالًا على صناديق الاقتراع في المناطق الجنوبية والوسطى من البلاد، في حين شهد الشمال توترات بعدما نفذت شرطة المرور الفدرالية عمليات تفتيش على الطرقات العامة، الأمر الذي وصفه حزب العمال اليساري بالجريمة الانتخابية، مطالبًا بسجن رئيس الشرطة الفدرالية للمرور. كما استدعى رئيس الهيئة العليا للانتخابات، رئيس الشرطة، وطالبه بوقف العملية الأمنية بشكل فوري.

وكانت الحملات الانتخابية قوية، وتسببت في حدوث استقطاب سياسي في البلاد، وتبادل المتنافسان الإهانات والاتهامات بشكل علني قبل الجولة الثانية بيومين، أثناء مناظرة بينهما على التليفزيون.

خلال المناظرة هاجم «دي سيلفا» خصمه بشأن سياسته الدولية، وقال: «في ظل حكومتك، أصبحت البرازيل منبوذة. لا أحد يريد أن يستقبلك ولا أحد يأتي إلى هنا»، فيما رد «بولسونارو» ساخرًا: «يظن نفسه أبا الفقراء»، قبل أن يصفه بأنه «لص».

وفي الجولة الأولى من التصويت في 2 أكتوبر الماضي، حصل «دا سيلفا» على 48% من الأصوات، مقابل 43% لـ«بولسونارو».

عن لولا دا سيلفا

ولد دا سيلفا، في أكتوبر 1945 بأحد الأحياء الفقيرة والمهمشة في ولاية «بيرنامبوكو»، وعاش حياة فقيرة وبدأ معاناة البحث عن لقمة العيش وهو لا يزال طفلاً في الثانية عشرة من عمره، حيث عمل ماسحًا للأحذية في شوارع « ساو باولو».

اهتم «دا سيلفا» بالعمل النقابي وهو في سن التاسعة عشرة، وكان يعمل في أحد مصانع تجميع السيارات، وانضم حينها إلى «نقابة عمال الحديد»، وبسبب نشاطه النقابي تعرض للاعتقال بعد اتهامه بالتحريض، وحكم عليه بـ3 سنوات، قضى منهم عامًا واحدًا ثم أطلق سراحه.

اكتسب «لولا دا سيلفا» شعبية بين الأوساط العمالية، وبدأ مسيرة الترشح داخل النقابة ليتولى منصب رئيس نقابة الحديد عام 1978، وبعد ذلك بعامين، أسس مع عدد من أساتذة الجامعات وقادة النقابات والمثقفين «حزب العمال» اليساري المنادي بحقوق العمال وإعادة توزيع الثروة في البلاد.

وفي 1983، أسس «لولا» الاتحاد المركزي للنقابات التجارية في البرازيل، وشارك مع حزبه عام 1984 في إعادة صياغة الدستور البرازيلي المعمول به منذ 1967، ليجبر النظام العسكري على تعديل الدستور،  حتى يصبح انتخاب الرئيس من الشعب بدلًا من غرفتي البرلمان، كما تضمن الدستور نص إعادة توزيع الثروة الزراعية التي يسيطر عليها النظام الإقطاعي في البلاد، لتشهد البرازيل أول انتخابات رئاسية لها عام 1989.

وفي 27 أكتوبر عام 2002،  فاز «دا سيلفا» برئاسة البرازيل للمرة الأولى، بحصوله على 52.4 مليون صوت بنسبة 61%، وتولى المنصب رسميًا في يناير 2003، ثم فاز بفترة رئاسية ثانية بشعبية كبيرة أيضًا، وعندما اقتربت تلك الفترة الثانية من نهايتها في 2010 كانت شعبيته تتخطى 80%، وتعرض لضغوط هائلة كي يعدل الدستور ويبقى رئيسًا لفترة ثالثة، لكنه رفض بشكل قاطع، وقال جملته الشهيرة: «البرازيل فيها ملايين لولا».

وفي عام 2017، تعرض «دا سيلفا» لمحاكمة بتهم الفساد وغسيل الأموال، وصفها هو ومؤيدوه بأنها محاكمة سياسية، وحُكم عليه بالسجن لمدة 9 سنوات. وفي 2019، أسقطت المحكمة العليا في البرازيل الحكم عنه، ليخرج من السجن ويتجه مباشرة إلى نقابة عمال الحديد والصلب في البلاد، ويواصل نضاله وسط رفاقه، فيما تعهد خلال حملته الانتخابية بـ«حماية الديمقراطية وجعل البرازيل سعيدة مجددًا».

أزمات وتصريحات للرئيس اليمينى «بولسونارو»

تسبب الرئيس اليميني «بولسونارو»  في الكثير من الجدل والأزمات خلال فترة رئاسته، وكانت أبرز الأزمات التي افتعلها خلال فترة جائحة كورونا، عندما أدلى بتصريحات تقلل من خطورة الفيروس، مع محاولات لتقويض الجهود المبذولة لمنع انتشاره، مثل الإغلاق والحجر الصحي الإجباري، ما أثار ردود أفعال غاضبة ووصل الأمر إلى مطالبات بعزله من منصبه.

تجاهل «بولسونارو» نصائح وزير الصحة بشأن الابتعاد والتزام المسافة الآمنة، وسار في شوارع العاصمة البرازيلية معلنًا «سنموت جميعًا يومًا ما»، كما حذر مواطنيه من التطعيم باللقاحات، مؤكدًا أن لقاح «فايزر» يمكن أن ينبت لحية للنساء وأن يحول شخصًا إلى تمساح.

من ناحية أخرى، دعم الرئيس اليميني تعذيب تجار المخدرات، وقال إن الشرطي الذي لا يقتل ليس شرطيًا حقيقيًا، وكان شديد الدفاع عن الحقبة العسكرية التي حكمت البرازيل بالحديد والنار حتى عام 1985.

وإلى جانب هذا فشل «بولسونارو» في السيطرة على حرائق غابات الأمازون عام 2020؛ ما أدى إلى توبيخ دولي علني له، فقد بلغت وتيرة إزالة غابات الأمازون في عهده أعلى معدلاتها منذ 12 عامًا، فضلًا عن تدخله في التحقيقات القضائية المتعلقة بأسرته.

لماذا الاحتفاء بـ«دا سيلفا»؟

نفذ «دا سيلفا» خلال فترة حكمه  من 2003 وحتى 2011 برامج إصلاح اقتصادي ركزت على الجانب الاجتماعي وتحسين حياة الفقراء، كما تحولت البرازيل في تلك الفترة إلى بلد يتمتع بسادس أقوى اقتصاد في العالم.

وخلال 5 سنوات فقط، سددت البرازيل ديونها بالكامل وتحولت إلى دولة مقرضة بعد أن كانت مستدينة، وتضاعف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد 5 مرات خلال 8 سنوات، كما تضاعف الحد الأدنى للأجور في البرازيل 3 مرات خلال فترتي رئاسته، وتحولت البرازيل إلى دولة لها ثقلها على المسرح الدولي، إذ كان «دا سيلفا» سياسيًا عالميًا اهتم بالقضايا الدولية وبخاصة قضية التغير المناخي، واختارته مجلة «التايم» الأمريكية عام 2010 الزعيم الأكثر تأثيرًا  في العالم.

وتأتى موجة صعود اليسار في أمريكا اللاتينية الحالية لزيادة مشاعر الغضب الشعبية المعادية لشاغلي المناصب بصفة عامة من اليمين المتطرف، حيث شهدت البرازيل خسائر صحية واقتصادية على مدار سنوات حكم «بولسونارو»،  وبخاصة فترة انتشار الوباء، ما دفع البرازيليون إلى الإطاحة باليمين المتطرف عبر صناديق الاقتراع والتوجه إلى ابن اليسارمجددًا.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة