في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.. متى يناقش البرلمان «القانون الموحد»؟

لا زالت المنظمات النسوية والحقوقية في انتظار مناقشة البرلمان لمشروع القانون الموحد لمناهضة العنف ضد المرأة، خلال دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعى الثانى لمجلس النواب الذي انطلق بداية أكتوبر الماضي، وسط مخاوف من استمرار تجاهله من قبل المجلس في وقت تتصاعد فيه وتيرة العنف الممارس ضد النساء والفتيات في مصر بشكل يومي، وتغيب الإجراءات والقوانين التي تضمن للنساء الحقوق والحماية.

مقترح القانون الذي قدمته النائبة المستقلة نشوى الديب في مارس، سبق وتقدمت به النائبة نادية هنري لبرلمان 2018، حاملًا موافقات 60 نائبًا ونائبة، وبعد تأجيلات مستمرة لم يعرض للمناقشة على اللجان النوعية وكان مصيره الحفظ، وهو ما حدث مع كافة القوانين المقدمة لتجريم العنف على مدار السنوات الماضية. وعلى الرغم من إصدار الدولة لـ«الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة» في 2015، تقول منظمات حقوقية ونشطاء إن بنودها مجرد حبر على ورق، حيث لم تترجم على الأرض، ولم تتم مراقبتها أو تقييمها حتى اليوم.

مشروع «القانون الموحد» أطلقته «قوة عمل المنظمات النسوية»، وهي مجموعة تضم عددًا من المنظمات العاملة على قضايا المرأة ومناهضة العنف، لمواجهة قصور الإجراءات والتشريعات الخاصة بحماية النساء، في ظل مواد متناثرة في القانون المطبق حاليًا – قانون العقوبات المصري العام-  تُعرف العنف بشكل قاصر، وغياب تجريم بعض أشكال العنف، إلى جانب التمييز في عقوبات بعض الجرائم بين الرجال والنساء.

2022: نُقتل في الشارع

تصر مؤسسات الدولة على وصف ما تتعرض له النساء من جرائم عنف متكررة بـ«الحالات الفردية»، مع رفض الاعتراف بها كظاهرة خطيرة تتطلب إجراءات وتدخلات عاجلة، فيما تتصاعد وتيرة العنف الممارس ضد النساء، ما انعكس في ما شهده الشارع المصري خلال الشهور الماضية من جرائم قتل مروعة لفتيات، بدأت بـ«نيرة أشرف» التي ذبحت أمام جامعتها بالمنصورة في يونيو الماضي، ثم «سلمى بهجت» من الشرقية، تلتها أماني الطالبة بجامعة المنوفية، وأخيرًا خلود من بورسعيد، 20 عامًا، والتي قتلت في 17 أكتوبر الماضي. في كل الجرائم السابقة كانت هناك تهديدات ونية للقتل مع سبق الإصرار والترصد، والسبب رفض الضحايا الزواج من الجناة.

من جانبهم، يعتبر المسؤولون الحكوميون أن التعديلات التشريعية التي أدخلت على بعض القوانين المتعلقة بتجريم الزواج المبكر للفتيات، وتغليظ عقوبات جرائم التحرش والختان، إلى جانب التعديلات الخاصة بالطلاق والنفقة وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات « تكفل للمرأة الحماية والمساواة»، بينما ترى المدافعات والمؤسسات النسوية أن الجهود لا زالت محدودة وغير مؤثرة، خاصة مع تكرار حوادث القتل وتصاعد وتيرة جرائم التحرش والعنف الجنسي والابتزاز الالكتروني، الذي يدفع بالفتيات في كثير من الأحيان إلى إنهاء حياتهن، كما حدث مع بسنت خالد، 20 عامًا، من الغربية، وهايدي، 14 عامًا، من الشرقية، مطلع هذا العام، واللاتي انتحرتا بـ«حبوب الغلال»، بعد أن نشر مبتزون صورًا لهن على مواقع التواصل.

«مالناش دعوة» شعار الدولة في مواجهة العنف الأسري

وفي الوقت الذي يعتبر فيه المسؤولون الحكوميون وسائل التواصل سببًا رئيسيًا لتصاعد العنف ضد النساء، ساهمت هذه الوسائل في إنقاذ الكثيرات، منهن ريهام عبد الرحمن، 24 عامًا، من الدقهلية، والتي نشرت في سبتمبر الماضي نداء استغاثة على فيسبوك بعد تعرضها للضرب والاحتجازعلى يد والدها. انتشرت استغاثة ريهام «انقذوني بموت» بشكل سريع، مصحوبة بصورة لوجهها وعليه آثار إصابات وكدمات، واعتقلت الشرطة والدها في اليوم نفسه. في اليوم التالي تنازلت ريهام عن البلاغ أمام النيابة وأغلقت حسابها على فيسبوك.

لا يوجد نص في القانون يُجرم العنف الأسري، وغالبًا ما تنتهي القضايا بغرامة بسيطة أو بالسجن مع وقف التنفيذ أو بتنازل الضحية عن بلاغها. وبحسب منظمات حقوقية ومحامين، فإن النساء اللاتي طلبن المساعدة من السلطات لم يتلقينها في كثير من الحالات، ما تؤكده تصريحات محامي نيرة أشرف، الذي قال إنها تقدمت ببلاغين ضد المعتدي وأبلغت مباحث الإنترنت برسائل التهديد، وهو ما تم تجاهله بشكل كامل، وكتبت «ريهام» في منشورها أنها تواصلت مع النجدة وأغلقوا الخط عندما علموا أن المشكلة مع والدها، فيما أبلغت  ماري مجدي، 35 عامًا، الشرطة 4 مرات بتعرضها لاعتداءات جسدية عنيفة من قبل زوجها، ولم تقدم الشرطة والنيابة سوى عروض للصلح بينهما، ما دفعها إلى نشر فيديو يضربها فيه على فيسبوك، تحركت على اثره النيابة العامة وأمرت بالقبض عليه، ليحصل بعدها على حكم بالحبس عام واحد.

إحصائيات

وعلى الرغم من غياب الإحصائيات الرسمية الدقيقة والمنتظمة حول حجم وتطور العنف ضد النساء بأشكاله المتعددة، تشمل البيانات المتاحة مؤشرات هامة عن تطور الظاهرة في السنوات العشر الأخيرة. فوفقًا لمسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر والمجلس القومي للمرأة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في ٢٠١٥ تتعرض ٧،٨ مليون امرأة إلى جميع أشكال العنف سنويًا، على يد الزوج أو الخطيب أو أفراد في دائرتها المقربة، أو من غرباء في الأماكن العامة.

يذكر التقرير أن هناك 2 مليون و400 ألف امرأة أصبن بنوع واحد أو أكثر من الإصابات نتيجة لعنف على يد الزوج أو الخطيب، وأن مليون امرأة يتركن منزل الزوجية نتيجة العنف على يد الزوج، بينما لم يتعد عدد النساء اللائي يبلغن الشرطة عن هذه الجرائم عن 75 ألف امرأة.

ويشير المسح السكاني الصحي لعام ٢٠١٤ إلى أن أكثر من ثلث  – ٣٦%- من النساء المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهن بين ١٥إلى 49 عامًا تعرضن للعنف الجسدي منذ سن ١٥ عامًا، كما كشفت دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن طرق ووسائل القضاء على التحرش الجنسي في مصر عام 2013، أن أكثر مرتكبي العنف الذين يُبلغ عنهم هم الزوج الحالي، بنسبة 64%، ويُذكر الآباء بشكل متكرر (الأب/ زوج الأم بنسبة ٢٦%، الأم/زوجة الأب بنسبة ٣١%). وتذكر الدراسة أن أكثر من ٩٩،٣% من الفتيات والنساء المصريات اللواتي شملهن الاستطلاع تعرضن لصورة ما من صور التحرش الجنسي.

تقرير آخر للتعبئة والإحصاء في 2017 يقول بإن 37% من النساء كمتوسط يتعرضن للعنف البدني، من سن 19 وحتى 69 عامًا، فيما يعتبر الأب «المرتكب الأول للعنف البدني ضد المرأة عند بلوغها 18 سنة»، ووفقًا للتقرير، تتعرض 14.5% من النساء للعنف الجنسي.

القانون الموحد: حماية النساء أولوية

يعزو البعض قلة الإحصائيات إلى عدم إبلاغ الضحايا نتيجة غياب القوانين والإجراءات الخاصة بحمايتهن، بينما يضع مقترح «القانون الموحد لمناهضة العنف» ضمن أولوياته إنشاء مراكز حماية لمساعدة المعنفات ومساكن آمنة للنساء وصندوق خاص يسمى بـ«صندوق الحماية» لتعويض المعنفات.

يستند مشروع القانون المكون من 53 مادة إلى الدستور المصري، والمواثيق والمدونات الدولية التي التزمت بها الدولة، على رأسها الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، ويطرح تعريفات جديدة لجرائم الاستغلال الجنسي والابتزاز والتنمر الإلكتروني، ويواجه جرائم الاغتصاب والعنف الأسرى بعقوبات رادعة، كما يشتمل على بنود لتوسيع دائرة من يحق لهم تقديم البلاغات، بما فيهم مقدمي الخدمات بمنظمات المجتمع المدني، وتخصيص مراكز شرطية متخصصة للتحقيق في بلاغات العنف، وخط ساخن للتعامل مع هذه القضايا، إلى جانب دوائر للنظر في قضايا العنف في المحاكم الابتدائية.

من ناحية أخرى، يساهم غياب الجانب الهيكلي لمواجهة العنف ضد النساء، ومعالجة ميزان القوى الناتج عنه، عن سياسات ومبادرات مناهضة العنف الحكومية، في زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي، كما يعزز التراخي في الردع سلطة المجتمع الأبوي المحافظ، الذي دفع الطبيبة «داليا» إلى إلقاء نفسها من شرفة بيتها بمدينة السلام، بعد اقتحام جيرانها للمنزل واعتدائهم عليها بالضرب لاستضافتها أحد زملائها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة