«COP 27»: مصر تضع لمساتها الأخيرة وتصاعد انتقادات البيئة وحقوق الإنسان

أيام قليلة تفصلنا عن استضافة مصر لمؤتمر الأطراف «COP 27»، التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ، ممثلًا عن القارة الأفريقية، والمزمع عقده في الفترة من 6 لـ 18 نوفمبر القادم بشرم الشيخ. وبينما استمرت تأكيدات المسؤولين المصريين خلال الشهور الأخيرة على أهمية نجاح المؤتمر الذي توليه الدولة والرئيس اهتمامًا كبيرًا، تصاعدت الانتقادات الموجهة إلى سجل مصر الحقوقي، بما يشمله من انتهاكات رصدتها منظمات بتقييد حرية جمعيات بيئية، وإجبار بعض الناشطين البيئيين على الفرار من البلاد، وسط مخاوف حقوقية دولية من استغلال النظام المصري للقمة لتحسين صورته و«تبييض انتهاكات حقوق الإنسان»، ومطالبات للزعماء والمسؤولين بالضغط على مصر للإفراج عن آلاف السجناء السياسيين، ووقف المضايقات القضائية لنشطاء المجتمع المدني، قبل التزامهم بالحضور.

منظمات: سياسات غير كافية وتضييقات على الجمعيات غير الحكومية

ورغم المساعي الحثيثة لإخراج شرم الشيخ  بصورة تتناسب مع المؤتمر، مدينة سياحية خضراء ذكية صديقة للبيئة، عبر 30 مشروع ضخم، بالتوازي مع زيادة الجهود خلال الشهور الأخيرة لتخفيض الانبعاثات الكربونية، التزامًا بما أعلنته مصر بعد قمة «Cop 26»، المنعقدة في «جلاسكو» العام الماضي، وإعلان الرئيس السيسي عن وصول نسبة الاستثمارات الخضراء إلى 40% من إجمالي الاستثمارات,انتقدت منظمات دولية السياسات «غير الكافية» للنظام المصري في ملف حماية البيئة وتقليل الانبعاثات، خاصة مع تمسك الدولة بموقفها المتوسع في إنتاج الغاز الطبيعي، القطاع الذي تستهدف أن تكون مُصدرًا هامًا له.

ووفقًا لتقرير نشرته «هيومن رايتس ووتش» تستهلك مصر الآن أكثر من ثلث الميثان، المكون الرئيسي للغاز الطبيعي-  المستهلك إجمالًا في أفريقيا، بينما تؤكد الأمم المتحدة أنه يساهم بنسبة 30% في ارتفاع درجة حرارة الأرض، في وقت ندد فيه الكثيرون عبر مواقع التواصل بقرارات إزالة مساحات شاسعة من الحدائق والأشجار المعمرة في القاهرة والمحافظات، بهدف التوسع العمراني وإقامة مشروعات بنى تحتية. وفي ورقة موقف أصدرها في 28 سبتمبر، قدر مركز «القاهرة لدراسات حقوق الإنسان»المساحات الخضراء التي اقتلعتها السلطات في المناطق الحضرية بـ 390 ألف متر مربع، ما تم من دون أي مشاورات مجتمعية مسبقة، ورغم الاعتراضات من جانب المجتمعات المحلية المتضررة.

في السياق ذاته، أثار توقيع الخارجية المصرية لاتفاقية مؤخرًا مع شركة «كوكاكولا» لرعاية المؤتمر انتقادات متزايدة، واعتبرته جمعيات بيئية ونشطاء تعارضًا واضحًا مع أهداف القمة، و«غسيل أخضر» لسمعة شركة متهمة بكونها المسؤول الأول عن التلوث جراء استخدام البلاستيك في العالم، وهو ما اعترفت به بنفسها في بيان في 2019، حينما أعلنت عن استخدامها ثلاثة ملايين طن من العبوات البلاستيكية في السنة، ما دفع ناشطون إلى إطلاق حملة إلكترونية لجمع توقيعات ضد الاتفاق الموقع.

على صعيد آخر، أشار تقرير نشرته «هيومن رايتس ووتش» في نهاية سبتمبر إلى تراجع حاد في مساحة العمل المستقل في مجالات البيئة والمناخ منذ 2014. تناول التقرير عدة صور مما وصفه بالضغوط التي تتعرض لها الجمعيات البيئية على يد السلطات، وتقييد قدرتها على العمل المستقل، من خلال فرض عقوبات على التمويل والبحث، وصعوبة استخراج التصاريح، ومضايقة النشطاء وترهيبهم، وأحيانًا منعهم من السفر، ما أجبر بعضهم على الهرب خارج البلاد أو الابتعاد عن العمل البيئي خشية الاعتقال.

لفت التقرير إلى تعمد السلطات المصرية انتقاء المنظمات المشاركة في المؤتمر، واستبعاد أخرى تنتقد الحكومة.  وقالت المنظمة إنها علمت بمنح الجهة المسؤولة عن تنظيم القمة الموافقة الاستثنائية لأكثر  من 30 جمعية أهلية مصرية رشحتها الحكومة، وفحصت بياناتها بشكل سري، من دون الإعلان عن عملية التسجيل. رفضت الحكومة المصرية التقرير، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، السفير أحمد أبو زيد، بإنه مليء بالمزاعم والمعلومات غير الدقيقة.

مكان مخصص للتظاهر.. ومخاوف من استمرار الحبس والتنكيل بالمعارضين والنشطاء

لا تفتصر فعاليات قمم المناخ على قضايا التغيير المناخي والبيئة، حيث تعتبر مجالًا هامًا تستغله الجماعات الحقوقية المختلفة للضغط على الحكومات ودعم قضايا الحريات وحقوق الإنسان، عبر أشكال مختلفة من المشاركات، منها المظاهرات، التي تعد أحد أنشطة القمة الرئيسية، وأصدرت مصر قانونًا لتنظيمها في 2013. ولهذا السبب، أثارت التصريحات الأخيرة لسامح شكري، وزير الخارجية ورئيس القمة، عن السماح بالتظاهر في «أماكن مخصصة» مجاورة  لمركز انعقاد المؤتمر موجة غضب جديدة، وتوالت الانتقادات الدولية للنظام المصري، خاصة وأن الممثل الخاص لشكري، وائل أبو المجد، قال لـ«رويترز» في مايو بإن «نشطاء المناخ فقط» هم فقط من سيسمح لهم بالتظاهر، في وقت تبنت فيه دول وسياسيون خطابًا يشدد على عدم إمكانية تحقيق تقدم في محادثات المناخ بمعزل عن ملفات حقوق الإنسان، حتى خرج أحد أهم الإعلانات الرئيسية عن مؤتمر الأطراف السابق – إعلان جلاسكو – ليؤكد على أهمية احترام حقوق الإنسان كمدخل لاتخاذ إجراءات مناخية فعالة.

هل تناقش مصر أزمة سد النهضة؟

منذ ترشيحها لاستضافة قمة المناخ من قبل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في أبريل 2021، أثيرت بعض المخاوف من تأثير التوترات المصرية الأثيوبية على الموقف التفاوضي الأفريقي المشترك خلال المؤتمر، بينما استمرت التأكيدات المصرية على أهمية المؤتمر لأفريقيا، والتزام مصر بوضع الرؤية الأفريقية واحتياجات القارة- الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية -على رأس اهتماماتها.

وخلال الشهور الماضية، كشف عدد من المسؤولين المصريين، بينهم سامح شكري، أن قضايا المياه والأمن المائي وعلاقتها بالتغيرات المناخية على أجندة أولويات مصر للمؤتمر، فيما رجح خبراء استغلال الحكومة للقمة في طرح أزمة سد النهضة والضغط على الجانب الأثيوبي لتنفيذ التزاماته الدولية، وعلى رأسها «اتفاق إعلان المبادئ»، في ضوء فشل المفاوضات الممتدة منذ أكثر من 10 سنوات.

من جانبه، أكد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في افتتاح فعاليات أسبوع القاهرة الخامس للمياه منتصف الشهر الجاري على أهمية نهر النيل لمصر، واعتمادها عليه بشكل شبه حصري لمواردها المائية المتجددة، في ظل تحديات متزايدة تعاني منها الكثير من البلدان لتوفير الاحتياجات الأساسية من المياه، مؤكدًا على التزام مصر بقواعد القانون الدولي ذات الصلة بالأنهار المشتركة، وبذل أقصى الجهود لتسوية قضية سد النهضة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة