التوحد في القرن ال 21 مسئولية من؟

«اسمي خان، ولست إرهابيًا». في 2010 تم إنتاج الفيلم الهندي «My name is Khan» للبطل الهندي «شاروخان»، والذي يجسد فيه شخصية شاب مصاب بمتلازمة «أسبرجر»، أحد أنواع التوحد عالي الأداء، والذي يؤثر على قدرات التفاعل الاجتماعي لدى المصاب. ينتقل بطل الفيلم الي البلد الذي يعيش فيها أخيه، بعد وفاة والدته التي كانت تحبه وترعاه وتقدم له الدعم غير المشروط، ثم يقع في حب فتاة لديها طفل من زواج سابق ويتزوجها، بينما يُقتل طفلها بعد أحداث 11 سبتمبر ويتعرض المسلمون للاضطهاد، وتدور أحداث مختلفة ومعقدة عندما تطلب منه زوجته الذهاب الي الرئيس الأمريكي وإخباره بأنه مسلم، اسمه خان، وليس إرهابيًا.

يعد الفيلم من أكثر الأفلام التي سلطت الضوء على معاناة المصابين بالتوحد، وتفاعل الآلاف في العالم مع قصته وبطلها متعدد المواهب، النابغة في الرياضيات واللغات، وكيف ينتابه العجز والخوف في المواقف الاجتماعية ولا يستطيع أن يكون على طبيعته، فالتوحد مرض له مواصفات خاصة، وربما تمكننا من إنقاذ آلاف المصابين به، والارتقاء بهم إلى مستوى العلماء لو امتلكنا في مجتمعاتنا الوعي الكافي بالمرض وأعراضه والعقبات التي يواجهها الأشخاص المصابون به، والتعريف بكيفية التعامل مع المصابين واحترام اختلافهم، لأن احترام الاختلافات من احترام الإنسانية.

يعد التوحد اضطراب نمو عصبي يتصف بضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي وأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة، وهي حالة عصبية تظهر في مرحلة الطفولة المبكرة، ومن شأن تقديم الدعم المناسب لهذا الاختلاف العصبي والتكيف معه وقبوله أن يتيح للمصابين التمتع بتكافؤ الفرص والمشاركة الكاملة والفعالة في المجتمع.

يتميز التوحد بتفاعلاته الاجتماعية الفريدة، والطرق غير العادية للتعلم، والاهتمام البالغ بمواضيع محددة، والميل إلى الأعمال الروتينية، ومواجهة صعوبات في مجال الاتصالات التقليدية، واتباع طرق معينة لمعالجة المعلومات الحسية، وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع اختيار 2 إبريل يومًا عالميًا للتوعية بمرض التوحد، لتسليط الضوء على الحاجة للمساعدة على تحسين نوعية حياة المصابين به، حتى يتمكنوا من العيش حياة كاملة وذات مغزى، كجزء لا يتجزأ من المجتمع.

نتابع هذه الأيام حملة جديدة دشنها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر تحت هاشتاج «حق نوح في التعليم»، بعد استغاثات نشرتها والدة طفل مصاب بمتلازمة «أسبرجر» وجدته لرفض كل المدارس لحالته. نوح 8 سنوات متطور جدًا في اللغة الإنجليزية، قراءة وكتابة، ويتحدثها بطلاقة، ما يرجع لمشاهدته الكارتون باللغة الإنجليزية، حيث يواجه صعوبة شديدة في تعلم العربية أو التحدث بها، كما يمتلك موهبة فريدة في رسم الشخصيات الكارتونية وتحريكها على الكمبيوتر، وأنا أعلم جيدًا أن هناك من يدرسون ويحضرون تدريبات لتعلم نصف المهارات التي يمتلكها نوح، المرفوض من أكثر من 40 مدرسة، ولم تتمكن والدته حتى الآن من الوصول إلى مدرسة جيدة واحدة مجهزة بمدرسين وعقليات تستطيع التعامل مع حالته، من دون خنق مواهبه أو تعقيده.

منذ فترة وجيزة، انطلقت حملة «تجمل بالأخلاق» عبر قنوات التليفزيون، لتوعية الناس بمخاطر التنمر وضرورة مواجهته، مؤكدة أن بعض الأفعال التي يقوم بها الناس في حياتهم اليومية، والكلمات التي يتفوهون بها على سبيل المزاح والفكاهة، ما هي إلا تنمر ناتج عن اختلاف الشخص الآخر في الشكل أو اللون أو الإعاقة أو حتى الاختلاف الجندري، فلماذا لا يوجد مثل هذه النشرات الخاصة بالتعريف عن مرض التوحد والنصح والإرشاد بكيفية التعامل مع المريض؟ ولماذا لا تقوم وزارة التربية والتعليم بفتح فصول داخل المدارس الحكومية خاصة بطلاب التوحد، وتعيين مدرسين مختصين بالتعامل مع حالات مثل نوح؟!

 وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية حول مرضى التوحد، تشير التقديرات إلى ترواح أعدادهم ما بين 800 ألف والمليون مريض، بنسبة حوالي 1% من إجمالي السكان، وهو ما يعنى وجود طفل مصاب من بين كل 160 طفل. وفي كل الأحوال، يجب على الحكومة والجمعيات تعريف الناس بالمرض، والتوعية به في المدارس والجامعات ووحدات الصحة، عن طريق إعلانات مارة أو إعلانات في محطات المترو، مع تنظيم حملة قوية في الفضائيات والسوشيال ميديا.

وأخيرًا، أتمني ألا يكون نتاج هذه الحملة منحة تعليمية لنوح في الخارج، وأن تتكاتف الجهود الحكومية والمجتمعية لتوفير فرص التعليم والتعلم له ولغيره من أطفال التوحد، لأن بلده أولي به، وأحق بالفخر بوجود نابغة مثله، حتى يقف يومًا أمام الرئيس ليقول اسمي نوح، أنا مصري مسيحي، أخدم بلادي دائمًا.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة