حرية مع إيقاف التنفيذ… نشطاء ممنوعون من السفر والسبب مجهول

«بعد وقت طويل من المماطلة في اني أخد باسبوري، وبعد صعوبة أو شبه استحالة اني أخد الفيزا في وقت ضيق جدًا، استلمت الفيزا النهاردة، وإن شاء الله حسافر بليل لفينيسيا لحضور حفل استلام الجوائز. نظريًا أنا مش ممنوعة من السفر، عمليًا حنجرب النهاردة». بهذه الكلمات عبرت المحامية المصرية ماهينور المصري، عبر حسابها على فيسبوك، عن سعادتها باستلام جواز سفرها واستخراج فيزا للسفر لحضور فعاليات تسليم جائزة « أورورا»، الممنوحة من مبادرة «أورورا الإنسانية»، والتي رُشحت لها تكريمًا لعملها الحقوقي ودعمها للحريات، بعدما صادرالأمن جوازها لدى عودتها من مؤتمر «فاتسلاف هافيل» لحقوق الإنسان، المقام في العاصمة التشيكية «براغ» في 2018، ثم إلقاء القبض عليها في سبتمبر 2019 واحتجازها احتياطيًا  حتي يوليو 2021.

حمل منشور ماهينور بين طياته تخوفًا ساخرًا من تراجع الأمن عن قرار السماح لها بممارسة حقها في السفر، وهو ما تحقق بالفعل بعدها بساعات، حيث أعلنت  في اليوم التالي عن إبلاغها أثناء تواجدها بالمطار بمنعها من السفر بقرار من النائب العام، موضحة: «على الرغم من انه من أقل من شهر سألنا وما كانش في أي منع».

يكفل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وقد صادقت مصر على كليهما. وتعني حرية السفر أن لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده. وبينما تسمح كلتا الاتفاقيتين للدول بفرض قيود على هذه الحرية، اشترطت أن ينص القانون عليها بوضوح، وأن تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي، ومتناسبة لحماية الأمن القومي، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حقوق الغير وحرياتهم، على أن تكون متماشية مع الحقوق الأخرى، بما فيها المساواة وعدم التمييز.

لم يكن ما حدث لماهينور استثناء، حيث منعت السلطات خلال الشهور الماضية عددًا من الحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني من السفر، وذلك على الرغم من محاولات النظام الحثيثة للظهور بمظهر المراعي لحقوق الإنسان، أو على الأقل من يحاول تصحيح أخطائه في ملف الحريات العامة والسياسية، في عام أطلق عليه رئيس الجمهورية «عام المجتمع المدني»، كجزء من استراتيجية حقوق الإنسان الجديدة التي كشفت عنها مصر العام الماضي، بعد انتقادات لسجلها الحقوقي من 32  دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بينما لم يؤكد منع ماهينور ورفاقها من السفر إلا على وجود مشاكل فعلية في ملف الحريات في الدولة المصرية.

ففي أغسطس الماضي، فوجئ الباحث أحمد سمير سنطاوي أثناء تواجده في المطار للذهاب لاستكمال دراساته العليا بالنمسا بإبلاغه من قبل موظفين بأنه لا يستطيع السفر، بعد حوالي شهر من خروجه من السجن بعفو رئاسي، بعدما قضى ما يقارب عام ونصف في السجن، وحكم عليه بأربعة سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة.

تكرر السيناريو مع الباحث وليد سالم، الذي وضع اسمه على قوائم الممنوعين من السفر، ما عرقل عودته لدراسته بالولايات المتحدة الأمريكية. وكان سالم قد ألقي القبض عليه في مايو 2018، وظل قيد الحبس الاحتياطي لما يقارب الستة أشهر، حتى صدر قرار في ديسمبر 2018 باستبدال الحبس الاحتياطي بتدابير احترازية، استمرت حتى إلغائها بقرار من نيابة أمن الدولة العليا وإخلاء سبيله بضمان محل إقامته  في فبراير 2020.

بين الممنوعين من السفر أيضًا الباحث باتريك زكي، طالب الماجستير بجامعة بولونيا بإيطاليا، والذي أُلقي القبض عليه من المطار أثناء عودته من إيطاليا، وقضى قرابة العامين  في الحبس الاحتياطي. لا يستطيع باتريك مغادرة البلاد لاستكمال دراسته بسبب قرار المنع من السفر، ولا زالت المحكمة تؤجل جلسات نظر قضيته منذ إحالتها للمحاكمة.

ولا يعد المنع من السفر بعد تقييد الحرية لأعوام أسوأ ما يعاني منه النشطاء في مصر، فلا زال شبح الاعتقال يهدد الكثيرين، خاصة بعد ما حدث للناشط شريف الروبي، الذي تعرض للاعتقال مرة ثانية في سبتمبر الماضي، بعد ثلاثة أشهر ونصف من إخلاء سبيله.

جاء اعتقال «الروبي» من جديد بعد تصريحات أدلى بها لإحدى الفضائيات عن مشاكل تواجهه بعد إطلاق سراحه، إلى جانب عدة تغريدات على صفحته الشخصية،  بينها  واحدة تشير إلى رفض السلطات استخراج جواز سفر له، وقال: «حاولت التواصل مع جهات عدة للسماح لي بالسفر؛ حيث إني لا أستطيع الحصول على عمل. جميع المعارضين غير قادرين على الحياة في مصر، الوضع الأمني في مصر خطر جدًا، وحتى أصدقاؤنا في الخارج يعانون»، وأضاف فى تغريدة آخرى: «السجن عمره ما كان كسر لي. ولا عمر فترات السجن هتكسرني. ولكن المنع من الشغل والمنع من السفر، وعدم وجود قوت يومك، هو اللي يكسر. وإن أخوك يكون في العناية المركزة بجلطة دماغية ونزيف في المخ وهو مقيم في إحدى دول أوروبا ولا تستطيع رؤيته. وقاعد جنبه الآن أصدقاء من ليبيا وأنت ممنوع من السفر».

في السياق ذاته، يخضع عدد من السياسيين والحقوقيين في مصر لقرارات منع من السفر عرقلت حياتهم، وأثرت على حياتهم الشخصية أو المهنية، أو أخرت مسيرتهم العلمية. ففي يوليو 2021 قضت محكمة جنايات القاهرة بعدم قبول تظلمات 14 ناشطً حقوقي ضد قرارات منعهم من السفر، على ذمة التحقيقات في القضية رَقَم 173 لسنة 2011، والمعروفة بقضية «منظمات المجتمع المدني».

وضمت قائمة الممنوعين محمد زارع، مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، ومزن حسن، مديرة مركز نظرة للدراسات النسوية، وجمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وحسام بهجت، ممثلًا للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمحامية الحقوقية عزة سليمان، والمحامي ياسر عبد الجواد، وعلاء الدين عبد التواب، إضافة إلي المحامي ناصر أمين، والمحامية هدى عبد الوهاب، عن المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، والمحامي أحمد راغب عن مركز هشام مبارك للقانون، والناشطة والصحفية إسراء عبدالفتاح وحسام علي وأحمد غنيم، عن المعهد الديمقراطي. وبينما  تم السماح لعدد من الممنوعين بالسفر خلال الشهور الماضية،  يبقى زملائهم من الحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني ممنوعين، من دون إبداء أسباب لرفع المنع أو للإبقاء عليه، كما تستمر قرارات المنع من السفر التي تصدر بشكل عبثي وغير مفهوم، متجاوزة للحقوق الدولية المنصوص عليها، وللدستور والقانون المصري.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة