تطبيق متلازمة «ستوكهولم» على العلاقات المؤذية

يُعتقد أن تطور متلازمة «ستوكهولم» هى آلية تأقلم للبقاء على قيد الحياة في المواقف التي تهددها، وأنه استجابة نفسية يمكن أن تتطور على مدار أيام أو أسابيع أو شهور أو حتى سنوات من الأسر أو سوء المعاملة، فيما يعتقد البعض أن هذه الظاهرة هي مجرد جانب من جوانب الإساءة العاطفية أو الصدمة.

تشير بعض الدراسات النفسية إلى وجود بعض العوامل الرئيسية الضرورية التي تزيد احتمالية إصابة شخص ما بهذه المتلازمة، بينها أن يكون الشخص في وضع مشحون عاطفيًا لفترة طويلة من الزمن، أو التواجد في مساحة مشتركة مع المؤذي، مع وجود ظروف سيئة. لدى المؤذى والرهينة تفاعلات ذات مغزى، توفر فرصًا للترابط مع بعضهما البعض، كما أن يُظهر المؤذي بعض اللطف تجاه الرهينة، أو يمتنع عن إلحاق الضرر بها في بعض الأوقات، فإذا أظهر الخاطف اللطف بأي شكل من الأشكال فقد يُساء تفسير ذلك على أنه شخص لطيف بشكل عام، حيث يتمسك الرهينة بهذا الأمل كآلية للتكيف، وكأنها منحة تُنتظر من الحين إلى الآخر، وحتى لو كان المؤذى قاسيًا معظم الوقت، لكنه أظهر اللطف مرة واحدة، تتحمل الضحية وتتقبل السلوكيات السيئة لـ «فتات» السلوكيات الجيدة.

كما قد تمتلك الضحية بعد إنقاذها من المؤذي مشاعر مختلفة تجاه الغرباء و دوائرها المحيطة، على سبيل المثال مشاعر سلبية تجاه أصدقائها أو أفراد عائلتها الذين يحاولون إنقاذها، وأي شخص قد يحاول مساعدتها على الابتعاد عن المؤذي، فضلًا عن رفض التعاون مع أي جهه ضد المؤذي، أثناء الملاحقات  والمحاكمات القانونية مثلًا.

وحتى بعد إنقاذه من المؤذي، قد يستمر الشخص المصاب بمتلازمة «ستوكهولم» في الشعور بمشاعر إيجابية تجاه المؤذي، ويصاب بأعراض قلق واكتئاب وشعور بالذنب وانسحاب اجتماعي، وقد يعاني من حالة إنكار، ويفقد ثقته في نفسه وفي جميع المحيطين به, كما يصاب في بعض الأحيان بحالات هياج و فزع وأرق، أو حالة عدم تكيف مع البيئة المحيطة.

لا يعاني على كل مصابي متلازمة «ستوكهولم» من الأعراض نفسها، وتتفاوت هذه الأعراض من حالة إلى أخرى، وتعد أشهر الحالات لمصابين بالمتلازمة  لضحايا من الإناث، بينها حالة لفتاة عام 1998،  اختطفت وعمرها 10 سنوات،  وظلت أسيرة في غرفة مظلمة ومعزولة تحت الأرض لأكثر من 8 سنوات.خلال هذا الوقت، ورد أنها تعرضت للإيذاء الجسدي من قبل آسرها، لكنه أظهر لها بعض اللطف أيضًا، وعندما هربت في النهاية وانتحر هو، بكت عليه وتملكتها مشاعر الذنب، ووصفت العلاقة بينهما بالـ«معقدة».

قد يعاني العديد من المصابين من تطور القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، لذلك قد يكون من المفيد لهم الحصول على المساعدة والعلاج المناسب، والذي يمكن أن يشمل أساليب العلاج النفسي المعالجة لأعراض محددة قد تظهر بعد الحادث الصادم، مثل الكوابيس أو ذكريات الماضي. ومن خلال العلاج قد ينمو الفرد ليدرك أن التعاطف مع آسريه كان مهارة للبقاء، وأن أفكارهم حول الآسر لا تخدمهم و ليست واقعية، كما يمكن أن يساعد العلاج الشخص على التعرف على المشاعر الإيجابية التي تساعده على فهم أن ما حدث له لم يكن خطأه.

هل يمكن تطبيق متلازمة «ستوكهولم» على حالات أخرى غير الخطف؟

بينما ترتبط متلازمة «ستوكهولم» عادة بحالة الرهائن أو الاختطاف، يمكن تطبيقها على عدة أنواع أخرى من الظروف أو العلاقات، بينها «العلاقات المؤذية».

يُعتقد أن أولئك المتواجدين في علاقات مسيئة، خاصة مع الوالدين أو الشركاء الرومانسيين، سواء كان الأذى نفسي ومعنوي أو جسدي، هم أكثر عرضة للإصابة بالمتلازمة, وتُظهر الأبحاث أن الأفراد الذين تعرضوا للإيذاء قد يخلقون ارتباطات عاطفية بمن يعتدي عليهم، مما يعني أن الإساءة، سواء كانت جسدية أو عاطفية أو جنسية، يمكن أن تستمر لسنوات، وبمرور الوقت، قد يتطور لدى الشخص المعتدى عليه مشاعر إيجابية أو تعاطف مع الشخص المؤذي، وهو ما يظهر في العلاقات الرومانسية المسيئة، فقد يتردد الشخص المعتدى عليه في توجيه الاتهامات، وقد يحاول حتى منع الشرطة من القبض على شريكه، حتى بعد الاعتداء العنيف، ما يمكن اعتباره شكلاً من أشكال متلازمة «ستوكهولم» عند الكثيرين، ويمكن استخدامه غالبًا بالتبادل مع الصدمة. و الصدمة هي عندما يكون لدى شخص ما ولاء لشخص يسيء معاملته أو يؤذيه باستمرار، حتى أنه يشعر بالارتباط بهذا الشخص بعد انتهاء العلاقة، ويرجع هذا الشعور للتعود عليه وعلى وجوده، وهي حالة تشبه الإدمان.

تختلف الصدمة عن متلازمة «ستوكهولم»، لأنه مع  الصدمة من المحتمل أن يكون الشخص قد دخل في العلاقة وشكل ارتباطًا وثيقًا بها قبل أن يبدأ السلوك المسيء، بعكس متلازمة «ستوكهولم» التى تكون مع شخص غريب تمامًا، و ابتدت بالإساءة.

قد تكون العودة إلى الحياة الطبيعية بعد الخروج من الحدث الصادم أمرًا صعبًا للغاية بالنسبة لشخص ما، وقد يكون من الصعب على الضحايا التحدث عن تجاربهم حتى لا تعيد لهم الصدمة، لكن توجد بعض الطرق لدعم الضحية من دوائرها المحيطة, بينها الاستماع للشخص من دورن إصدار حكم، حيث تفكر الضحية في كل ما حدث لها وتحاول معالجة تجاربها، وتجنب الاستقطاب عند الاستماع إلى الضحية، فقد يكون من غير المفيد محاولة إقناعهم بالسمات الخسيسة للمعتدي عليهم، بل يمكن أن يتسبب ذلك في استقطاب الضحية ودفعها للدفاع عن المعتدى وإيجاد مبرارات له، كما يجب التحقق من صحة تفكير الضحايا، هل حقيقي أم خيالات؟ وذلك لأنه في مثل هذه الحالات يتضرر حدس الضحية، وقد يتم الخلط بينه وبين الواقع الذي تعيشه. وأخيرًا، لا يجب تقديم النصيحة ما لم يطلبها الضحايا، فيجب أن تشعر الضحية بالقدرة على اتخاذ قراراتها بنفسها، وإذا طلبوا منك النصيحة وقتها يمكنك تقديمها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة