عصا في عجلة كأس العالم قطر 2022

مع بداية العد التنازلي واقتراب موعد انطلاق كأس العالم، البطولة الأكثر متابعة من عشاق الساحرة المستديرة، والمقامة للمرة الأولى في دولة عربية، تتزايد الانتقادات الموجهة لقطر، الدولة المضيفة، على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان والعمالة المهاجرة، إلى جانب القوانين التمييزية ضد مجتمع الميم، وذلك على الرغم من الاستعدادات التي قامت بها الدولة خلال السنوات الأخيرة، والتي تجعل منها النسخة الأكثر تكلفة في تاريخ البطولة.

تواجه قطر منذ وقوع الاختيارعليها منظمًا للبطولة انتقادات حادة، فإلى جانب اتهامات بانتهاكات لحقوق العمال في مواقع البناء، أشار المعارضون إلى تورط مسئوليين قطريين في تقديم رشاوى للفوز بالتنظيم. وعلى الرغم مما قامت به قطر من إصلاحات، استجابة للضغوط الدولية، لا زالت الأخبار تنتشر حول سوء المعاملة وعدم الالتزام بحقوق العمال المهاجرين المشاركين في بناء المشروعات الخاصة بمرافق البطولة، وأشارت الصحف إلى إجبار العمالة المهاجرة المشاركة في بناء استاد «البيت»، الذي يستضيف المباراة الافتتاحية، على سداد رسوم توظيف غير قانونية، والإقامة لعدة أشهر في مساكن مكدسة غير ملائمة، ما دفع بعض الدول إلى اتخاذ عدد من الإجراءات العقابية، فأعلنت العاصمة الفرنسية باريس عن منع عرض مباريات البطولة على شاشات الميادين العامة والأماكن المخصصة للمشجعين، وانضمت إليها بعد ذلك عدة مدن، منهم  «بوردو» و«مارسيليا» و«نانت» و«ليل» و«ريمس» و«ستراسبورغ»، فيما جاءت هذه القرارات ملحقة بتعليقات شديدة اللهجة من رؤساء بلديات هذه المدن، بينهم «مارتين أوبري» عمدة مدينة «ليل»، الذي وصف إقامة البطولة في قطر بالـ«هراء»، من حيث حقوق الإنسان والبيئة والرياضة.

وعلى الرغم من حظر قواعد كأس العالم التصريحات السياسية بشأن زي الفرق الرياضية، جاءت تصميمات أطقم كأس العالم الثلاثة للمنتخب الدنماركي بألوان «باهتة»، احتجاجًا على قطر وسجلها الحقوقي، وقالت شركة الملابس الرياضية«هامل» المصنعة للملابس في بيان أصدرته بداية أكتوبر الجاري: «قللنا كافة التفاصيل الخاصة بالقميص الجديد في كأس العالم للدنمارك، بما في ذلك شعارنا وشعاراتنا المميزة. لا نرغب في الظهور خلال البطولة التي كلفت آلاف الأشخاص حياتهم».

أضاف البيان: «نحن ندعم المنتخب الدنماركي على طول الطريق، لكن هذا لا يعني دعم قطر كدولة مضيفة. نعتقد أن الرياضة يجب أن تجمع الناس معًا». كما اختارت الشركة اللون الأسود للقميص الثالث للمنتخب، وأوضحت في تصريح آخر: «الأسود هو لون الحداد، وهو اللون المثالي لقميص الدنمارك الثالث»، فيما تعد الدنمارك في طليعة المنتقدين لمونديال قطر، وأعلن مسئولون عن عدم مشاركة المنتخب الدنماركي في أي حملات تجارية للبطولة، إلى جانب مشاركتهم مع 9 منتخبات أخرى، وهم منتخبات هولندا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا وألمانيا والنرويج والسويد وسويسرا وويلز، في ارتداء شارات كابتن «وان لاف»، وهي شركة تعمل على تعزيز التنوع والشمول.

بين المعلنين عن ارتدائهم للشارة «هاري كين»، قائد المنتخب الإنجليزي، الذي ذكرت التقارير أنه سيرتدي الشارة «مهما حدث»، على الرغم من تحذيرات تلقاها بأن كأس العالم ليست مكانًا للبيانات السياسية، فيما أكد «جيمس كليفرلي»، وزير خارجية المملكة المتحدة، أنه «سيدعم تمامًا» «كين» واتحاد كرة القدم بشأن موقفهما من شارة «وان لاف»، بينما تلقى نجم المنتخب الإنجليزي السابق «ديفيد بيكهام» الكثير من الانتقادات بعد موافقته على أن يصبح سفيرًا لقطر ووجهًا للبطولة، وانتقده زميله السابق «إريك كاتونيا»، الذي أكد على مقاطعته لمشاهدة البطولة.

وردًا على حملة الهجوم التي تعرضت لها الدولة بسبب موقفها المتشدد من مجتمع الميم، حيث يعاقب القانون القطري المثليين بعقوبات تصل للسجن 10 سنوات، وأحيانًا الإعدام، استمرت تأكيدات مسئولين قطريين على أن «الجميع مرحب بهم في كأس العالم، طالما يحترمون ثقافتنا»،  بينهم ناصر الخاطر الرئيس التنفيذي للبطولة، وفاطمة النعيمي المديرة التنفيذية لإدارة الاتصال في اللجنة العليا للمشاريع والإرث لكأس العالم قطر، كما رد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في مؤتمر صحفي ببرلين في مايو الماضي، على سؤال حول حقوق الزائرين من مجتمع الميم بتكرار المقولة ذاتها، في وقت انتقدت فيه منظمات حقوقية الإشارة المتكررة إلى الثقافة لإنكار حقوق مجتمع الميم، وأكدت«هيومان رايتس ووتش» في بيان أصدرته في يوليو الماضي على ضرورة عدم استخدام «الثقافة» كغطاء للخطاب والممارسات والتشريعات التي تستبعد فعليًا المحتوى المتعلق بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية من الفضاء العام.

من جانبه، طالب رئيس الاتحاد الألماني للكرة «بيرند نويندورف» بإنشاء صندوق لتعويض العمال الذين توفوا أو أصيبوا من العمل في بناء الملاعب، كما دعت منظمة العفو الدولية وعدة جهات أخرى قطر والفيفا إلى إنشاء برنامج لتعويض العمال الأجانب والمهاجرين المتضررين، وتقديم تعويضات للمصابين من العمالة الوافدة وأهالي المتوفين منهم، والتي قدرت صحيفة «الجارديان» في 2021 عددهم بـ6500 عامل مهاجر من جنوب وجنوب شرق أسيا، داعيين الفيفا إلى تخصيص 440 مليون دولار- وهو المبلغ المعادل  للجائزة المالية المعروضة للفرق الفائزة في البطولة- لدعم صندوق التعويض، والمساعدة في إنشاء مركز للعمال المهاجرين، بينما قالت «روثنا بيجن» المتحدثة باسم منظمة «هيومان رايتس ووتش»: «من الضروري أن تمارس كل اتحادات كرة القدم أقصى ضغوطها على الفيفا والسلطات القطرية لتدشين صندوق من أجل تعويض العاملين في منشآت المونديال عن أجور لم يحصلوا عليها أو إصابات تعرضوا لها أو تعويض ذويهم في حالات الوفاة».

وفي 13 أكتوبر الجاري، أعلن «ألاسدير بيل» نائب الأمين العام للفيفا، أمام أعضاء مجلس أوروبا المراقب لحقوق الإنسان، عن اهتمام الاتحاد بتأسيس صندوق للتعويضات لضحايا حوادث العمل.

وفي الوقت الذي تنفي فيه الدوحة وجود انتهاكات للعمالة، وإشارتها المستمرة إلى الإصلاحات التي أجرتها في قوانين العمل، بما في ذلك الحد الأدنى للأجور، وإلغائها لنظام الكفالة، وتنظيم قواعد لعمل في أشهر الصيف الحارة، إلى جانب صرف تعويضات عن الأجور التي لم تسدد لمستحقيها، أفادت تقارير في أغسطس أن قطر رحلت عشرات العمال الأجانب، بعد القبض عليهم واحتجازهم، بسبب تنظيمهم احتجاجًا على عدم دفع الأجور، بدعوى «خرق قوانين الأمن العام».

من المقرر أن تنطلق بطولة كأس العالم 2020 الأحد 20 نوفمبر المقبل، على استاد «البيت»، ويلتقي فيها المضيفون مع الإكوادور في المجموعة الأولى.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة