تطور أشكال العنف ضد المرأة بين الماضي والحاضر

على بوابة جامعتها لقت شابة جميلة في مقتبل العمر مصرعها في يونيو الماضي علي يد شاب بسلاح أبيض، أخذ يطعن في جسدها طعنات متفرقة، حتى ذبحت وماتت بـ 18 طعنة قضواعلى حياتها للأبد. كانت الحياة بأكملها أمام نيرة أشرف، لم يساورها الشك أبدًا أن النهاية يمكن أن تكون بهذا الشكل الوحشي، بالتأكيد كانت تتمنى أشياء أخرى، أن تتخرج وتعمل في مكان تحبه، موديل أو إعلامية كما كانت تحلم. هل فكرت يومًا في أنها ستصبح جثة هامدة في وضح النهار أمام مرآى ومسمع العالم كله، لا لشيء سوى لرفضها الارتباط بالجاني؟ وكأن حبه لها استحقاق مطلق، لا حرية لها ولا قرار فيما تريد.

لم يصبر الجمهور حتى انتهاء حداد أسرتها على ابنتهم المغدورة، نعم «جمهور»، وكأن حادث نيرة فيلم أكشن وإثارة يستمد منه أصحاب العقليات الإجرامية أفكار ومشاهد، ليتكرر الأمر من جديد، وتقتل الطالبة سلمى بهجت في مدخل بيتها، في أغسطس الماضي، من قبل شاب كرر جريمة قتل نيرة بحذافيرها، ولنفس السبب، رفضها الزواج منه، لتتحول هذه الجريمة البشعة في حق المرأة والإنسانية إلى عادة للشباب الملغم نفسيًا، حتى أصبح قنبلة موقوتة تنفجر في وجه من تقول لهم لا.

ومن دون الخوض في تفاصيل الحادثتين، وبشكل عملي بحت مجرد من العواطف التي استنزفتنا نفسيًا، هل يتوقف دور الأخصائي الاجتماعي عند مراحل التعليم الأساسية فقط؟ أين دورة بالجامعة؟ ولعل ما دفعني للتفكير في هذا السؤال سؤال آخر وهو: هل كان من الممكن أن نمنع وقوع هذه الجرائم إذ تمت ملاحظة الطلبة الجناة منذ بداية ظهور سلوكيات غير عادية منهم وتوجيههم نفسيًا؟

فنيرة مثلًا كانت قد اشتكت لأمن الجامعة في وقت سابق للواقعة من مطاردة الجاني لها، وتدخل الأمن وتم احتواء الموقف، فلماذا لم تؤخذ شكواها بعين الاعتبار؟ ولماذا لم يؤخذ سلوكه بعين الاعتبار ويوجه إلى الأخصائي الاجتماعي لمتابعة حالته النفسية؟! فهذه الفئة العمرية من الطلاب يجب أن تظل تحت حماية ورقابة، ليس في المنزل فقط، ولكن أيضًا في الحرم الجامعي،  وتوفير دعم وعلاج نفسي من قبل أساتذة مختصة كان من الممكن أن يحمي نيرة وسلمى وغيرهن من الضحايا، ويعالج ويقوم ويجنب الجناة الوقوع في الخطأ والجرم، ويقيهم من تأثر صحتهم بالأحداث والتريندات التي تقع فيها المرأة دائمًا كبش فداء لكل جرائم العنف الذكوري والمجتمعي.

من الضروري أن تأتي الصحة النفسية في عصرنا هذا أولًا، مقدمة على كل شيء آخر، من أجل بناتنا وأولادنا، ولحماية المرأة الآن ومستقبلًا من جرائم العنف الكثيرة التي تتعرض لها، فلا نريد أن نجد في بناتنا نيرة وسلمى أخريات، ولا نريد أن تتزوج البنات رغمًا عنهن ويصبحن مثل «فتاة الإسماعيلية» التي ضربها زوجها وهي بفستان الزفاف، وخرجت للإعلام  محبة راضية بأمرها نافية انتهاك جسدها وإنسانيتها، وها هي تظهر من جديد محررة محضرًا ضده بحبسها وضربها وتعذيبها، وقد يصبح مصيرها بعد كل هذا الزخم الإعلامي انتقام زوجها منها، مثلما فعل محمد عادل وإسلام في نيرة وسلمى.

عدالة وقانون وصحة نفسية يمكنهم أن يحولوا مسار الكثير من الحيوات، ويغيرن مصير آلاف النساء ليصبحن ناجحات، والأهم على قيد الحياة، بدلًا من التحول إلى جثث وأرقام.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة