مارين لوبان: العالم لا يحتمل المزيد من الحمقى

مصطفى الأعصر

بعد أن وصلت إلى جولة الإعادة في الانتخابات الفرنسية الجارية، تحدثت مارين لوبان في خطابها التحفيزي الذي تدعو من خلاله جموع الفرنسيين إلى التصويت في جولة الإعادة يوم الرابع والعشرين المقبل، بكلمات قليلة تحمل في طياتها الكثير لتفسيره “تصويتكم في الرابع والعشرين من أبريل سوف يكون حاسمًا في القرارات السياسية التي سوف تحكم مسار فرنسا خلال الخمسة أعوام المقبلة في المجال العسكري والدبلوماسي وفي مجالات الهجرة والاقتصاد والاجتماع، سوف نستعيد سيادة فرنسا في المجالات كافة، سوف نتصدى للهجرة ونستعيد الأمن للجميع”. فمن هي مارين لوبان التي نخشى على فرنسا من توجهاتها السياسية، تلك التوجهات التي لسنا بمنأي عن انعكاساتها المباشرة على دولنا في المنطقة العربية وعلى العرب والمهاجرين الموجودين بفرنسا وعلى الأقلية المسلمة من الفرنسيين الذين يصل عددهم إلى 6 ملايين مسلم بنسبة تقترب من 10% من إجمالي عدد السكان، ومعظمهم من المهاجرين من دول المغرب العربي، تونس والمغرب والجزائر.

مارين لوبان في مواجهة ماكرون مجددًا.. الحظوظ لصالح من؟

في سيناريو متكرر لما حدث في انتخابات فرنسا 2017، تصل مارين لوبان إلى جولة الإعادة في منافسة إيمانويل ماكرون، بيد أن هذه المرة نسب التصويت متقاربة بشدة بعد أن حصد ماكرون في الجولة الأولى نسبة 27.8% من أصوات الناخبين وحصدت لوبان نسبة 23.1% بينما حل اليساري جان لوك ميلانشون ثالثًا بفرق رقم مئوي واحد، حيث حصد 22% من الأصوات ليخرج من جولة الإعادة تاركًا الساحة لماكرون الذي شهدنا سياساته العاجزة تجاه الأزمات التي واجهت بلاده والمنطقة، ولمارين لوبان اليمينية المتطرفة التي تعد الناخبين بدولة قومية أكثر تطرفًا ومواقف أكثر حدة وسوءًا من ماكرون تجاه القضايا العالقة. أحيانًا أفكر ألم يستطع ميلانشون بذل القليل من الجهد لاستقطاب بضع مئات الآلاف من أصوات الناخبين الإضافية الكفيلة بتغيير النتيجة والإطاحة بلوبان من جولة الإعادة، كي لا تجد الشعوب نفسها مضطرة مرة أخرى للاختيار بين السيء والأسوأ.

أرى أن الانتخابات الفرنسية ستأول في النهاية لصالح ماكرون ولكن لا يمكن تجاهل فكرة أن مارين لوبان هذه المرة تمتلك فرصًا للنجاح أكثر من تلك الموجودة في 2017، فبالنظر إلى تاريخ لوبان السياسي نجدها امرأة شديدة الذكاء وشديدة البرجماتية وتسير دومًا في خط تصاعدي وفق خطة متزنة على سلم السياسة المتأرجح، فمنذ دخولها عالم السياسة بالانضمام لحزب الجبهة الوطنية عام 1986 الذي أسسه والدها جان ماري لوبان وهي تخطو بخطى ثابتة وناجحة نحو الأمام دومًا، وتسببت في نقل الحزب نقلة نوعية ليصبح للمرة الأولى له ظهير شعبي قوي وقادر على المنافسة في الانتخابات خاصة بعد أن انتزعت زعامة الحزب من أبيها عام 2011.

ليست مسيرة لوبان السياسية فقط التي تدعم فرصها في النجاح هذه المرة لكن أيضًا قد تسبب سلبية الناخبين في وصولها إلى كرسي الرئاسة حيث دعت لوبان المواطنين ممن لم يصوتوا في الجولة الأولى إلى التصويت لصالحها في الجولة الثانية وحسم الأمور، في الوقت الذي أظهر استطلاع داخلي أن غالبية الناخبين من أنصار مرشح اليسار ميلانشون سيمتنعوا عن التصويت أو يضعون بطاقات صفراء في إجراء عقابي.

هناك دور كبير أيضًا للأزمات الطاحنة التي مرت بها فرنسا خلال سنوات حكم ماكرون الخمس الماضية وسوء تصرفه في إدارة تلك الأزمات، فبعد أن أصبح ماكرون أصغر رئيس في تاريخ فرنسا بنجاحه في انتخابات 2017، سرعان ما بدأت الاضطرابات الداخلية في 2018 بتظاهرات واحتجاجات مئات الآلاف من المواطنين فيما عُرف بحركة السترات الصفراء، اعتراضًا على سياسات ماكرون الاقتصادية حيث قرر المصرفي السابق زيادة الضريبة على الوقود، فانتفض الفرنسيون اعتراضًا على القرار الذي تراجعت عنه الحكومة الفرنسية فيما بعد، رغم ذلك توسعت حركة السترات الصفراء اعتراضًا على ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام، ما أجبر الحكومة الفرنسية لرفع الحد الأدنى للأجور، لتصبح الحركة رمزًا في أوروبا وتنتقل إلى بلدان أخرى للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، وكان لأزمة فيروس كورونا أيضًا تأثير مباشر على الاقتصاد الفرنسي كأغلب دول العالم، كما للحرب الأوكرانية الأخيرة تأثير كذلك تسبب في ارتفاع تكلفة المعيشة على الفرنسيين، فضلًا عن تدهور العلاقات مع دولة الجزائر وتصريحات ماكرون غير المنضبطة في هذا السياق، وصولًا إلى الانتقال من مرحلة استيعاب العرب والمسلمين إلى معاداتهم بالوقوف خلف قانون “الانفصالية الإسلاموية”.

قد يكون المنقذ لماكرون من هذه المعضلة، التقرير الصحفي الذي نشره موقع ميديا بارت الفرنسي في 16 أبريل الجاري، حيث يتهم المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال مارين لوبان ومقربين منها باختلاس نحو 600 ألف يورو من الأموال العامة الأوروبية خلال فترة ولايتهم في البرلمان الأوروبي من 2004 حتى 2017، ويذكر التقرير أن مرشحة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان، قد تكون اختلست شخصيًا نحو 137 ألف يورو من الأموال العامة من برلمان ستراسبورغ.

مارين لوبان لا تتراجع عن تصريحاتها المتطرفة

لفهم طبيعة المرحلة المقبلة والتغيرات الجذرية التي قد تحدث بأوروبا وبالمنطقة العربية إذا ما نجحت لوبان في انتزاع بطاقة الفوز، يجب أن ننظر إلى تصريحاتها الإعلامية وأيديلوجيتها التي تسعى لتطبيقها، تتبنى لوبان خطابًا ذو نزعة قومية كالذي يتبناه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الذي تبناه من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما دعا لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، وهي لا تخفي إعجابها بشخص بوتين وتراه زعيمًا قوميًا يعمل لمصلحة بلاده، كما تدعو لوبان إلى خروج تدريجي من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك السويسري، وهي خطوة تشبه البريكست وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما يزعزع كيان الاتحاد، وصرحت بكل وضوح أنها مع إعادة تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد في سوريا.

لا تخفي لوبان انحيازاتها المتطرفة أو توجهاتها المناهضة للهجرة والمهاجرين بل تعلن عنها بكل وضوح وفخر، وأوضحت أنها لن تمنح تأشيرة دخول لأي مواطن جزائري، ولن يُسمح لهم بتحويل أصول مالية، ولن يسمح للشخصيات الجزائرية الهامة بشراء ممتلكات في فرنسا إلا إذا تمت الموافقة على ترحيل الجزائريين “غير المرغوب فيهم” هكذا بكل بساطة، فمن وجهة نظرها أن لفرنسا قرار سيادي بترحيل أي أجنبي غير مرغوب فيه حتى بدون إدانة قضائية أو أمر قضائي.

وعلى مستوى المواطن الفرنسي المسلم الذي يمثل قرابة 10% من السكان، فتبدي لوبان مواقف أكثر تشددًا من ماكرون، فتسعى لمنع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، واعتبرت هذا القرار جزءًا من مشروعها لمحاربة التطرف والإسلاموية، وبررت موقفها بأن من لا يرتدون الحجاب من النساء يتعرضن للضغوط والتشكيك في عفتهن، وهو أمر لا تقبله، ففي فرنسا يجب أن تكون حرية النساء مصانة! وعلى رغم ما يحمله خطابها من كراهية وتناقض واضح إلا أنه يلقى قبولًا لدى مؤيديها، وهناك ملايين الفرنسيين الذين يرون فيها منقذًا لفرنسا العظيمة. بشكل شخصي أتمنى أن تنتهي الخطابات الإقصائية من العالم، وأتمنى فوز ماكرون على مضض، فالعالم لا يحتمل المزيد من الحمقي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة