ما قصة “بيرل هاربر” التي طالب زيلينسكي أمريكا بتذكرها؟!

مصطفى الأعصر 

تحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر الفيديو الأسبوع الماضي أمام نواب الكونجرس الأمريكي، مطالبًا إياهم بمزيد من الدعم العسكري لحماية بلاده ومجالها الجوي من الغزو الذي تتعرض له من القوات الروسية منذ أسابيع، وفرض المزيد من العقوبات على موسكو بسحب جميع الأعمال الأمريكية من الأراضي الروسية. واستكمل زيلينسكي حديثه واصفًا غزو روسيا “برعب لم تشهده أوروبا منذ 80 عامًا” وشبّه هجمات روسيا على بلاده بهجمات بيرل هاربر وهجمات 11 سبتمبر/أيلول. معظمنا يعرف جيدًا أو سمع على الأقل عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي شنها تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2001 وتسببت في مقتل وإصابة الآلاف، ولكن القليل فقط يتذكر ميناء بيرل هاربر.

اكتفت الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الحرب العالمية الثانية 1939 بدعم دول الحلفاء عن طريق المساعدات العسكرية وبيع السلاح وفرض العقوبات على دول المحور، بدون أن تتورط في حرب مباشرة، بينما تضررت الإمبراطورية اليابانية من العقوبات المفروضة عليها بغرض تعجيزها عن طريق منع النفط من الوصول إليها، فما كان من اليابان إلا شنّ هجمات بيرل هاربر في صباح 7 ديسمبر/كانون الأول 1941.

 يرى بعض المؤرخين أن اليابان لجأت إلى هجمات بيرل هاربر كضربة استباقية إلى الولايات المتحدة، بينما يرى آخرون أن الولايات المتحدة تمادت في فرض العقوبات وفي استفزاز اليابان كي تدفعها إلى الهجوم عليها وبالتالي يجد الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت مبررًا للمشاركة في الحرب، فقبل هذه الهجمات كانت غالبية الشعب الأمريكي رافضة لتورط بلادهم في حرب مباشرة بينما رؤية روزفلت العسكرية تمثلت في ضرورة خوض الحرب بجانب الحلفاء، وبعد تلك الهجمات أصبحت الإرادة الأمريكية حكومة وشعبًا مع خوض الحرب المباشرة. تسببت تلك الهجمات في تغير مسار الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء، وبالتالي المساهمة في تغيير مجري تاريخنا الحديث ككل، فمن يدرى ماذا كان ليحدث إذا لم تدخل الولايات المتحدة الأمريكية الحرب بكامل قوتها.

ميناء بيرل هاربر هو قاعدة عسكرية أمريكية بجزر هاواي في المحيط الهاديء تعرّض لهجوم مفاجئ في صباح 7 ديسمبر/كانون الأول 1941 من القوات الجوية والبحرية التابعة للإمبراطورية اليابانية أسفر عن خسائر فادحة للولايات المتحدة بمقتل قرابة 2400 شخصًا وإصابة 1200 آخرين وغرق 12 سفينة وتدمير أكثر من 160 طائرة أمريكية ما دفع بالرئيس الأمريكي روزفلت بعقد جلسة عاجلة بالكونجرس في اليوم التالي ليعلن من خلالها الحرب على اليابان. تحدث روزفلت في خطابه بشكل موجز ومكثف مستهلًا كلمته بأن هجوم بيرل هاربر هو يوم سيتذكره التاريخ بالعار، وقال روزفلت “إن القوات الأمريكية في بيرل هاربر تعرضت لهجوم مفاجئ مع إمبراطورية اليابان، وكانت الولايات المتحدة على سلم مع هذه الأمة وعلى وفاق مع اليابان، وبدأنا بالحوار مع حكومتها ومع الإمبراطور، وسعينا إلى استمرار السلام في المحيط الهاديء. الهجوم بالأمس على جزر هاواي تسبب في ضرر كبير للقوات الأمريكية، وتسبب في فقد أرواح الكثيرين من الأمريكان. كقائد أعلى للجيش أمرت باتخاذ جميع الإجراءات للدفاع عن وطننا، ولكن سيتذكر الأمريكيون دائمًا هذا العدوان”.

واستكمل روزفلت خطابه “لا يهم كم من الوقت سيمضي قبل أن نأخذ ثأرنا من هذا الهجوم، لأن الشعب الأمريكي سينتصر انتصارًا ساحقًا في نهاية المطاف، أعتقد أني أحقق أمنيات الكونجرس والشعب الأمريكي عندما أصرّح بأننا لن ندافع فقط عن أراضينا ولكن سنتأكد من أن هذا الهجوم لن يتكرر مجددًا. هناك حقيقة واضحة أن شعبنا وحدودنا ومصالحنا في خطر محدق، بثقتنا في قواتنا المسلحة وفي مواطنينا سننتصر”. واختتم روزفلت كلمته بطلب صريح من الكونجرس بالموافقة على إعلان حالة الحرب على اليابان، ونال الطلب القبول بموافقة أغلبية النواب لتشارك الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية في صف دول الحلفاء، ولنبدأ مرحلة جديدة من تاريخ العالم رُسمت بالدم والحرب والسلاح وملايين الضحايا.

فلم يتناسَ الأمريكيون ما حدث في بيرل هاربر حتى مع انتصار الحلفاء الوشيك في الحرب، فلم ترضَ الولايات المتحدة بإنهاء الحرب قبل أن توجه ضربة ساحقة إلى اليابان تعوّض خسائرهم وتمحي عار بيرل هاربر بانتقام أكثر قسوة، خاصة بعد أن رفض اليابانيون الاستسلام الكامل لقوات الحلفاء حسب إعلان مؤتمر بوتسدام في 2 أغسطس/آب 1945، فكان الرد الأمريكي بقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذرية بعدها بأيام في 6 و9 أغسطس/آب 1945 ليتسبب القصف في إجبار اليابان على الاستسلام وتدمير المدينتين ومقتل قرابة ربع مليون شخص أغلبهم من المدنيين، ولتظل مأساة هيروشيما وناغازاكي علامة في تاريخنا شاهدة على بشاعة الحرب.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة