لماذا أحببت نوال السعداوي.. الختان(2-5)

عمرو محمد

حينما بدأت كتابة المقال أصدرت محكمة مصرية حكمها بالسجن ثلاثة أعوام على طبيب و السجن عامًا بحق أم، نتيجة ارتكابهما جريمة ختان الإناث لطفلة بمحافظة أسوان، لم يكن هذا الحكم هو الأول من نوعه، لكن على مدار العام الماضى تحديدًا، و بسبب قيام المشرع المصرى بتغليظ عقوبة ختان الإناث، و كثرة حملات التوعية في القرى والريف المصري، ساهم كل ذلك فى إنقاذ بعض ضحايا هذه الجريمة، فيما تظل المؤشرات تخبرنا بمعدلات مرتفعة للختان بمصر بعيدًا عن أعين الجهات المختصة.

وعند الحديث عن ختان الإناث لابد من الإشارة إلى نوال السعداوي، لدورها العظيم فى مواجهة الأفكار الرجعية التي كانت تتحكم فى مصر قبل أربعين عامًا. سنحاول هنا ذكر بعض المواقف التى دافعت فيها نوال عن ملايين البنات من جريمة تشويه الأعضاء التناسلية.

تحكي نوال السعداوي بكل جرأة عن قصة ختانها: «كنت فى السادسة من عمري، نائمة في سريري الدافئ أحلم أحلام الطفولة الوردية، حينما أحسست بتلك اليد الخشنة الكبيرة ذات الأظافر القذرة السوداء تمتد وتمسكني، ويد أخرى مشابهة لليد السابقة خشنة كبيرة تسد فمي، وتطبق عليه بكل قوة لتمنعني من الصراخ، وحملوني إلى الحمام، لا أدرى كم كان عددهم، ولا أذكر ماذا كان شكل وجوههم، وما إذا كانوا رجالاً أم نساء؟».

تابعت نوال: «أصبحت الدنيا أمام عيني مغلقة بضباب أسود، ولعلهم أيضًا وضعوا فوق عيني غطاء، كل ما أدركته في ذلك الوقت تلك القبضة الحديدية التي أمسكت رأسي وذراعي وساقي حتى أصبحت عاجزة عن المقاومة أو الحركة، وملمس بلاط الحمام البارد تحت جسدي العاري، وأصوات مجهولة وهمهمات يتخللها صوت اصطكاك شيء معدني ذكرني باصطكاك سكين الجزار، حين كان يسنه أمامنا قبل ذبح خروف العيد، وتجمد الدم فى عروقى، ظننت أن عددًا من اللصوص سرقوني من سريري، و يتأهبون لذبحي، وكنت أسمع كثيرًا من هذه القصص من جدتي الريفية العجوز، و أرهفت أذني لصوت الاصطكاك المعدني، وما إن توقف حتى توقف قلبي بين ضلوعي، وأحسست وأنا مكتومة الأنفاس ومغلقة العينين أن ذلك الشيء يقترب مني، لا يقترب من عنقي، وإنما يقترب من بطني، صرخت من الألم رغم الكمامة فوق فمي، فالألم لم يكن ألمًا، وإنما نار سرت في جسدي كله وبركة حمراء من دمي تحاوطني فوق بلاط الحمام، لم أعرف ما الذي قطعوه مني، ولم أحاول أن أسأل، كنت أبكي، وأنادي على أمي لتنقذني، وكم كانت صدمتي حين وجدتها هي بلحمها ودمها واقفة مع هؤلاء الغرباء تتحدث معهم، وتبتسم لهم وكأنهم لم يذبحوا ابنتها منذ لحظات، وحملوني إلى السرير».

ونتيجة لما سبق، خاضت نوال العديد من المعارك الفكرية في مواجهة الإسلاميين أحيانًا، والدولة في أحيان أخرى، من أجل تجريم ختان الإناث، مطالبة الأزهر و رجال الدين بإصدار الفتاوى الخاصة بتجريمه للذكور و الإناث، ولافتة إلى أن الإسلام لم يدعو لقطع أجزاء من جسد الذكر أو الأنثى.

قالت نوال السعداوي إن الختان جريمة تمارس يوميًّا في مصر، وتُعرض حياة الفتيات للموت، وتسبب لهن على أقل تقدير أمراض نفسية لا تُمحى، ورأت أن «هذه الجريمة لا تمارس إلا لفرض قوانين قبلية على النساء».

تعرضت نوال للشطب من نقابة الأطباء، والفصل من عملها كطبيبة بسبب كتاباتها عن ختان الإناث، وصدر بحقها الكثير من فتاوى التكفير والدعوة للانحلال الأخلاقي، لمطالبتها بعدم تشويه الأعضاء التناسلية للأطفال، واشتدت معركتها مع الدولة عام ٢٠٠٧ بسبب وفاة طفلة نتيجة هذه الجريمة، فتجددت مطالباتها للأزهر و نقابة الأطباء بضرورة تجريم العملية حفاظًا على أرواح الأطفال.

ونتيجة لتاريخ حافل من النضال لنوال السعداوي على مدار سنوات بداية من عام ١٩٧٢، قررت الحكومة المصرية فى عام ٢٠٠٨ تجريم ختان الإناث رسميًّا، فنص القانون المصري على «معاقبة كل من طلب ختان أنثى، وتم ختانها بناء على طلبه، بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 7 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات».

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة