رحلة يومية آمنة في العمل

أية منير

ندعو النساء إلى الخروج للعمل لتحقيق ذواتهن، ثم يُحمِّلهن المجتمع مسؤولية التحرش بهن، فمصر دولة من بين 59 دولة لا تمتلك قانونًا أو سياسات واضحة للتعامل مع التحرش الجنسي في بيئة العمل، مما يعرض النساء لخطر التحرش من ناحية، والتهديد بالفصل أو الوصم وتلفيق التهم من ناحية أخرى، في 2014، أظهرت دراسة للاتحاد العام لعمال مصر أن 30% من السيدات العاملات في مصر يتعرضن للتحرش الجنسي، وفقاً لدراسة صادرة عن الاتحاد العام لعمال مصر في 2014. ووفقا لتقرير صادر عن الاتحاد الدولي للنقابات “تعاني ما بين 40 %إلى 50 % من النساء من تلميحات جنسية غير مرغوب فيها أو ملامسة جسدية أو غيرها من أشكال التحرش الجنسي في أماكن العمل.

يعيق هذا الخطر المحتمل يوميًّا مسيرة تمكين النساء اقتصاديًّا، ما أصبح ضرورة لا غنى عنها، خاصة وأن نسبة 30% من الأسر المصرية تعولها سيدات، كما وصلت نسبة النساء العاملات في القطاع غير الحكومي إلى 35%، وفق إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2017، فكيف لنا أن نؤمِّن للنساء على الأقل رحلة يومية آمنة؟

لتوفير أماكن عمل آمنة للنساء يجب أولًا معرفة المقصود ب”المساحة الآمنة”، وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان فهي “حيز رسمي أو غير رسمي تشعر فيه المرأة أو الفتاة بالأمان الجسدي والنفسي، وتستطيع فيه المستفيدات التعبير عن أنفسهن بحرية من دون الخوف من التحيز ضدهن أو التعرض للأذى، كما توفر هذه المساحات للنساء والفتيات نقطة للوصول إلى الخدمات، ومكان لتوفر المعلومات، وفرصة للتواصل وإعادة بناء شبكات المجتمع والدعم”.

يشدد تعريف المساحة الآمنة على ضمان حماية النساء وتوفير الأمان “النفسي والجسدي”، ما يتفق مع تعريف التحرش في القانون المصري، ففي عام 2014 أصدر الرئيس السابق عدلي منصور القرار الجمهوري رقم 50 لسنة 2014 والذي قضى بتعديل بعض مواد قانون العقوبات المصري وعدل نص المادة 360 يشدد تعريف المساحة الآمنة على ضمان حماية النساء وتوفير الأمان “النفسي والجسدي”، ما يتفق مع تعريف التحرش في القانون المصري، مكرر أ، وغلظ عقوبة “التعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل” لتصبح الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه بدلاً من الحبس لستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه.

كما تم إضافة مادة جديدة 306 مكرر ب، والتي ذكرت لأول مرة كلمة “التحرش” في قانون العقوبات المصري. وقررت الفقرة الثانية من المادة 306 مكرر ب، تشديد العقوبة في حالة “…أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته …..” لتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.

وكانت هذه أول إشارة صريحة في قانون العقوبات لاعتبار “السلطة الوظيفية” من أسباب تشديد عقوبة الجاني في جريمة التحرش. ولكن لم ينتبه المشرع في هذا القانون لمعالجة بعض الجوانب المتعلقة بالطبيعة الخاصة لجرائم العنف الجنسي داخل أماكن العمل؛ حيث يصعب إثبات أغلب تلك الوقائع لحدوثها داخل أماكن خاصة ومغلقة؛ وبالتالي صعوبة وجود شهود على تلك الوقائع.

تنعكس ثقافة الشارع المصري أيضًا على أماكن العمل، ف”إيه اللي وداها هناك” أو “ده عمره ما اتحرش بيا” عبارات نسمعها عند كشف أي ضحية عما تعرضت له، وتواجه الهجوم واللوم والوصم واتهامات صريحة بالكذب والتلفيق للنيل من سمعة الجاني الطيبة وتعليمه العالي، كما تتعرض أحيانًا للتكذيب من زميلاتها، فتُدفع الضحايا للسكوت، وتتم حماية الجاني الذي يكرر جريمته، ولذلك أصبح من الضروري أن تخلق الشركات والمؤسسات التي تسعى لتوفير بيئة عمل آمنة للنساء، مناخًا آمنًا يشجع العاملات فيها على الحديث عما يتعرضن له، وأن تؤكد على دعمهن المستمر.

وعلى الرغم من الحديث الدائم والمتكرر على السوشيال ميديا عن التحرش، لا زال هناك فقرًا كبيرًا في التوعية عنه بين الطبقات العاملة، وخاصة في الريف، ما يترتب عليه تعرُّض النساء لخطر للتحرش من دون وعي أو إدراك منهن أن ما حدث جريمة في القانون المصري، وأن لهم كامل الحق في إبلاغ السلطات، بل والمطالبة بسياسات آمنة في مكان عملها لحمايتها، ومن ثم يأتي هنا دور مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة لتوعية السيدات في المحافظات والأقاليم، ونشر تعريف التحرش والقوانين الموضوعة لمواجهته والمساحة الآمنة ودورها في تمكين المرأة – خاصة المعيلة- بين الفئات الأقل حظًّا في الحصول على هذا النوع من المعلومات، مثل عاملات المصانع.

إلى جانب ما سبق، ومن خلال عملي كمهندسة معمارية، أجد أن التصميم المعماري الداخلي لأماكن العمل قد يعيق الشفافية وسياسات مناهضة التحرش – إن وجدت- حيث أن التقسيم الداخلى للغرف يعيق الرؤية، ويوفر مساحة للجاني لمحاصرة الضحية، وذلك لأن الغرف مغلقة غير مراقبة بالكاميرات، وبينها فواصل خرسانية غير شفافة، كما أن الكثير من المصانع لا توفر منطقة عزل كبيرة بين المساحات الخاصة بالنساء والرجال، ما يجعل مساحة النساء مخترقة وسهلة الوصول، الوضع ذاته بالنسبة للحمامات وبوابات الدخول والخروج!

أصبح حق المرأة في العمل ضرورة مجتمعية، ليس فقط لدورها الاقتصادي في الأسرة، بل وحقها الإنساني في أن تعيش مستقلة ماديًّا مُمكَّنة اقتصاديًّا، وبينما يصور الكثيرون في خطابهم الذكوري أن كُلفة عمل المرأة كبيرة على الدولة، من حيث توفير بيئة عمل آمنة وسياسات تقضي على التمييز الجندري وتحمي حقوقها، جاء تصريح الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية ليؤكد على أهمية الدور الذي تقوم به المرأة فى النشاط الاقتصادي، لافتة إلى أن القضاء على الفجوة الاقتصادية بين الرجل والمرأة يمكن أن يسهم فى زيادة الناتج المحلى الإجمالى العالمي بما يتراوح بين 12- 28 تريليون دولار بحلول عام 2025.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة