معاناة مزدوجة.. المتعايشين مع مرض الإيدز بين الوصم والآم

اسماء عصام 

ما زال المجتمع المصري والعربي حتى اليوم غير قادر على تقبل الأمراض التي يمكن أن يكون أحد مسبباتها ممارسة الجنس، وكأن بقية طرق انتقالها غير معروفة ومثبتة علميًّا في آلاف الأبحاث والكتب والدراسات الطبية والعلمية. 

متلازمة النقص المناعي المكتسب (AIDS) هي مرض مزمن يُحتمل أن يشكل خطرًا على الحياة، ويسببه فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، حيث يتداخل الفيروس مع قدرة الجسم على محاربة العدوى والمرض، من خلال تدمير الجهاز المناعي.

لا يوجد أصعب من أن يصل الحال بالمريض للموت خوفًا من من مواجهة وصم المجتمع لحاملي الفيروس، والتعامل معه و كأنه هو نفسه فيروس متنقل يمكنه أن يرسل عزرائيل بكبسة زر واحدة عن طريق تواجده معك في نفس الغرفة، أو بمجرد ملامستك، فهو سلام من يدي عزرائيل إلى يديك.

ينتقل الإيدز من شخص لآخر عبر ثلاثة طرق:

– علاقة جنسية غير محمية – نعم هذه هي طريقة الإصابة الأكثر انتشارًا في العالم، عندما يقوم حامل الفيروس بممارسة علاقات جنسية من أي نوع كانت (طبيعية، شرجية أو فموية)، بدون استعمال الواقي بشكل صحيح، سواء كانت العلاقة مع رجل أو مع امرأة لا يحملان الفيروس، هذا الشخص ينكشف للفيروس ومن شأنه أن يصاب بالعدوى، مع العلم إن خطر الإصابة قائم حتى نتيجة اتصال جنسي لمرة واحدة فقط.

– بواسطة الدم و/أو منتجات الدم – أي اتصال مباشر لدم مصاب بالفيروس مع دم شخص غير مصاب من شأنه أن يصيبه بالعدوى، بشرط وجود دم بكمية كافية من أجل التسبب بالعدوى. وهذه الإمكانية محتملة من خلال الاستعمال المشترك والمتكرر لأدوات حادة تم تلويثها بالدم، مثل الإبر والحقن وشفرات الحلاقة وأجهزة الوشم.

– من امرأة حاملة للفيروس إلى جنينها أو إلى طفلها – امرأة تحمل الفيروس أو مريضة بالإيدز، يمكنها أن تنقله إلى جنينها أثناء الحمل، وإلى طفلها خلال الولادة وبعد الولادة عن طريق حليب الأم. 

السؤال الآن هو هل الرعب الحقيقي سببه الفيروس أم العقول؟ ففكرة أن حامل/ة الفيروس قد يكونوا مارسوا الجنس خارج إطار الزواج، وبطريقة غير آمنه أيضًا، فتسببوا لأنفسهم بالمرض، هي فكرة مصدرها الوحيد الأعمال الدرامية، كما كنا نشاهد على التليفزيون مجموعة من المدمنين يجلسون إلى جانب بعضهم البعض، ويحملون في أياديهم سرنجات ملوثة يتعاطوا بها المخدر، ثم تأتي نقطة التحول في حياة المدمن عندما يعلم أنه أصيب بمرض الإيدز، وينتهي الفيلم بموته في حادث سيارة! فإلى متى سيظل مصدر معلوماتنا الدراما والإشاعات المتناقلة؟

في 2011 جسدت الفنانة هند صبري في فيلم “أسماء” شخصية سيدة تعاني من مرض نقص المناعة، وقررت أن تحارب الوصم المجتمعي لها عن طريق الظهور في برنامج تلفزيوني على الهواء مباشرة لتتحدث عن مرضها، و ينتهي الفيلم بنهاية مفتوحة، ولكن في الواقع تعاني الكثير من السيدات الحوامل في أروقة المستشفيات أثناء محاولة الحصول على ولادة آمنة لطفلها الذي من المحتمل أن يكون حاملًا للفيروس، ووفقًا لوزارة الصحة ارتفعت نسبة السيدات المتعايشات مع الفيروس في مصر في 2019 إلى 13.3%، بينهن حوامل تعرضن لمواقف قاسية عندما رفضت مستشفيات إجراء عمليات الولادة لهن بعد علمهن بطبيعة مرضهن.

وبحسب قاعدة بيانات،برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز)  التي وضعت نسبًا تقديري للحوامل المصابات اللاتي يتلقين العلاج، بين أعوام 2010:2017، جاءت النسب كالآتي: (في عام 2010: 7%،في عام 2011: 4%،في عام 2012: 4%،في عام 2013: 8%، في عام 2014: 5%، في عام 2015: 10%، في عام 2016: 13%، في عام 2017: 9%).

وعلى الرغم من سرعة التعرف على الفيروس في جسم المريض الآن عن طريق التحاليل المبكرة في الصحة و وفرة العلاج، إلا أنه حتى وقتنا هذا يجهل الكثيرون عن مسببات المرض وطبيعته وأسبابه، ويمكن أن تكون بداية العلاج هي البحث عن معلومات أكثر عن كيفية الحفاظ على جسد حامل المرض من التعرض لأي فيروس آخر، مثل فيروس كورونا المنتشر انتشار مرعب الآن، فبدلًا من أن يجد حاملي الفيروس من المجتمع الدعم في هذه الأوقات الحرجة والأوبئة ننهال عليهم بالوصم والاتهامات، من دون التطرق لمسببات المرض الأخرى.

يمكن لوزارة الصحة باعتبارها الجهة الصحية الرسمية القيام بحملات إعلانية أكثر على قنوات التليفزيون لتوعية المواطنين بأسباب المرض وطرق التعامل معه، وأنه لا ينتقل عن طريق المصافحة، لأنه لا يعيش في الهواء أو على الجلد، وأن الإيدز لا ينتقل حتى بالقبلات، نظرًا لوجو إنزيم في اللعاب يشل نشاط الفيروس، كما أنه لا ينتقل عبر الشرب من كأس مشتركة، لأنه لا يعيش في الهواء أو في اللعاب، ولا ينتقل  أيضًا عبر كرسي المرحاض، لأنه كما قلنا لا يعيش في الهواء، فضلًا عن عدم انتقاله باللسعات، لأن البعوضة، مثل كائنات حية أخرى، لا يمكنها أن تحمل فيروس الإيدز “البشري”. وأخيرًا، الإيدز فيروس نقص مناعة، وليس نقصًا في شرف أو أخلاق حامله.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة