لقاء مع إحسان عبد القدوس

فاطمة الزهراء الإدريسي

ربما يبدو هذا عنوانًا غريبًا بعض الشيء للقاء بين الأديب الكبير إحسان عبد القدوس وقارئته التي ولدت في نفس يوم ميلاده، ولكن بعد سبعة وستين عامًا، وقبل وفاته بأربع سنوات!!

ولكنني سعدت بهذا اللقاء، حين دعيت إلى منزله رفقة أسرتي الصغيرة، باعتباري واحدة من أشد المعجبين بقلمه، وقابلت عائلته حيث أحسست فعلًا أنني أتواجد في متحف يقام فيه صالون أدبي يدور حول أدب هذا الكاتب الموهوب.

يقول إحسان في مجموعته القصصية “الوسادة الخالية”: (في حياة كل منا وهم كبير اسمه الحب الأول.. لا تصدق هذا الوهم، إن حبك الأول هو حبك الأخير)، وإن كنت أؤيد إحسان في هذه الفكرة تأييدًا تامًا من ناحية العشق، فأنا أختلف معه كليًّا فيما يخص حب الأدب. لقد كانت كتاباتك يا إحسان حبي الأول، وستظل الأكثر شغفًا بالنسبة لي، قرأت لروائيين كثر قبل أن أقرأ لك، من جنسيات مختلفة و بأكثر من لغة، وأحببت الكثير منهم، غير أن لكتاباتك وقع آخر على نفسي، وقع يجعلني أجزم و أنا في السادسة والثلاثين أنني لا أسعد بقراءة مثلما أسعد بقراءة كتبك، و قد يشاركك في هذا الأمر الكاتب الفرنسي – والذي ذكرته أيضًا في عديد من مؤلفاتك- “Guy de Maupassant”. و لا غرابة في ذلك فكلاكما صحفي في الأصل، و كلاكما اهتم بالتحليل النفسي و جعله ركنًا أساسيًّا في الرواية و القصة القصيرة، حتى غدوتما بالنسبة لي أفضل معالجين نفسيين و أنجحهما على الإطلاق.

كانت قصة “أين عمري” أولى قراءاتي لإحسان عبد القدوس، وكنت وقتها في الثالثة عشر من عمري، وكانت “علية” بطلة القصة في السابعة عشر، ووجدتني أقارن بين السطور التي أقرأها والفيلم السينمائي، وللأمانة فالفرق كان شاسعًا بينهما، حيث أن إحسان عبد القدوس في كتاباته لا يسعى إلى تجميل الواقع وتقديم نهاية سعيدة تسعد الجماهير وتضمن النجاح للمنتج السينمائي.

كان الفضل الأول في هذه القراءة لماما التي قدمت لي بعض الكتابات النادرة في الطبع آنذاك للأديب الذي سيصير المفضل لي، أذكر “شفتاه” وهي قصة فتاة أحبت رجلًا وظلت تذكره إلى أن التقيا بعد سنوات بمحض الصدفة، و “قلبي ليس في جيبي” وهي قصة امرأة ذات طموح جامح. وقد ذكرت هاتين القصتين لأن الأولى كانت في بدايات إحسان والثانية وقلمه في أوج النضج، ولكن لا واحدة منهما تقل حلاوة عن الأخرى.
وتوالت قراءاتي: “أنا حرة” والعذر الوحيد الشريف للعبودية هو الحب، و”الطريق المسدود” ومرة أخرى فيلم لا يرقى أبدًا لمستوى الرواية – بالرغم من الانتقاء الموفق لأبطاله- ولكن هذا الإصرار على أن تتزوج فايزة من فارس أحلامها، في حين أن الكاتب جعلها تنضم إلى صف طويل من الفتيات، صف الحائرات.

وصف إحسان للمشاعر الإنسانية بشكل مبهر ليس العنصر الوحيد في جمال كتاباته، بل أن كل شخصية من قصصه تتقمص الوسط الذي نشأت فيه والتجارب التي مرت بها والحقبة الزمنية التي عاشت فيها، فإذا سمعت حوار نادية لطفي بطلة “لا أنام” مع زوجة أبيها طنط صافي لا يمكن أن تصدق أن من كتبه هو نفس من كتب الحوار بين عزيزة وخادمتها في قصة زوجة وخادمة.

تكلمت في هذا المقال عن القليل جدًّا من كتابات أديبي المفضل، وطبعًا لن تكفيني الكلمات لسرد ما قرأته، وما أتمنى تكملة قرائته. وإحقاقًا للحق بما أنني وجهت نقدًا للأعمال التي تحولت إلى أفلام سينمائية ودراما تلفزيونية، فأود أن أنوه إلى أربعة أعمال حافظت على مضمون القصة ولم تسع إلى تعديل لا فائدة منه سوى إرضاء الجمهور بتقديم محتوى أجوف من الجوهر الذي أراده الكاتب: “في بيتنا رجل” و”الخيط الرفيع”، اللذان تألق فيهما هنري بركات كمخرج، سواء في اختيار الأبطال أو نقل الأحداث، إلى الحفاظ على الحوار الأصلي بقلم إحسان، “أين عقلي” وتجسيد عبقري من السندريلا لدور عايدة، وأخيرًا مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي”، وقد يكون مصطفى محرم قد أضاف الكثير من الأحداث لشخصيات الرواية، ولكنه لم يخرج قط عن القالب الذي وضعه الكاتب.

وفي النهاية أتمنى أن تهتم دور النشر بطباعة أعمال إحسان عبد القدوس، التي لا نجدها في الأسواق بسهولة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة