إشكالية ضرب الزوجة بين التشريع والشريعة

أثار مشروع قانون تقدمت به نائبة في البرلمان المصري الكثير من الجدل، إذ طالبت فيه بتغليظ عقوبة ضرب الزوج لزوجته، لتصل إلى السجن مدة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات.

اعتقاد البعض بأحقية الزوج في تهذيب زوجته وتأديبها في حالات مختلفة، ووفقًا لتعليمات الدين الإسلامي، كان سبب الجدل الدائر، واستند مؤيدو هذا الرأي إلى تصريحات قديمة لشيخ الأزهر، أحمد الطيب، تعود لعام 2019، ذكر فيها أن الإسلام “أباح ضرب الزوج لزوجته الناشز إن تأكد أنه العلاج الوحيد”.

دفعت تصريحات الطيب الباحث إسلام البحيري إلى الهجوم عليه، وتباينت ردود الأفعال في الأوساط الدينية والنسوية في مصر ما بين مؤيد ومعارض، وسط إحصاءات من جهات حكومية تؤكد تعرض ملايين الزوجات في مصر للضرب على يد أزواجهن كل عام.

قال شيخ الأزهر إن “الضرب ليس واجبًا وليس فرضًا وليس سنة وليس مندوبًا، لكنه أمر مباح”، وفقًا لتصريحه في أحد البرامج التلفزيونية، داعيًا إلى حوار مجتمعي لمنع ضرب المرأة “بشكل مطلق”، وطرح القضية على البرلمان لسن القوانين اللازمة، فيما شن بحيري خلال تلك الحلقة هجومًا على الإمام الطيب، مشيرًا إلى مخالفة رأيه للدستور والقانون، وأن “كلامه خطأ وضد الدستور، ولا يوجد ما يسمى الضرب بشروط”. وأضاف: “فكرة فتح الضرب لأن الزوجة ردت على زوجها يخلق دولة في الغابة وضد الدستور، والدستور أقوى من أي مؤسسة في مصر”.

وبحسب إحصاءات شبه حكومية صدرت خلال الشهور الماضية، تزايدت ظاهرة العنف الأسرى التي تستهدف النساء بسبب التداعيات الخطيرة الناتجة عن فيروس كورونا ومكوث الأزواج لفترة طويلة داخل المنزل، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة الناجمة عن الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة، فيما لا تزال هناك إشكالية قانونية قائمة بالفعل متمثلة في المادة 60 من قانون العقوبات المصري، والتي تُستغل لإفلات كثير من الأزواج من العقاب على ضرب زوجاتهم، حيث تنص المادة أنه “لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملًا بحق مقرر بمقتضى الشريعة”.

من جانبها، قالت الدكتورة مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة إن قبول تعرض المرأة للعنف غير متوافق مع الشرع والقانون، مؤكدة أن إهانة المرأة وضربها “لا يوجد به رأي ورأي آخر”، كما أصدر المجلس بيانًا مكملًا أعلن فيه رفضه جملة وتفصيلًا لأي آراء تتخذ أي ستار لتبرير استخدام العنف ضد المرأة، وتستند إلى حجج قانونية مضللة ولا أساس لها، يتم عن عمد إساءة تفسيرها لتبرير استخدام العنف ضد المرأة والترويج له، في الوقت الذي تكفل فيه الدولة المصرية حماية المرأة من جميع أشكال العنف.

كانت مرسي قد صرحت لأحد البرامج بأن “حق سيدات مصر في رقبة شيخ الأزهر، إذا تم فهم تصريحه بحق الزوج في تأديب زوجته بطريقة خاطئة”، ولم يتأخر رد الأزهر طويلًا، حيث نشر أحمد الصاوي رئيس تحرير جريدة “صوت الأزهر” مقالًا أكد فيه على عدم وجود “اختصاص تشريعي” لمؤسسة الأزهر يخول لها إصدار القوانين أو عرقلة صدورها عن البرلمان، وتابع: “ولا نعرف كذلك إن كان لدى السيدة -التي تحظى باحترام كبير داخل الأزهر- معلومات محددة حول تأييد الإمام الأكبر، شيخ الأزهر الشريف، للعنف الأسري، خاصة الذي يستهدف النساء، وتحريضه عليه”.

في سياق متصل، اعتبرت دار الإفتاء المصرية أن ضرب الزوجة ليس من الدين، حتى لو كانت “ناشزًا”، مؤكدة أن الإسلام دين الرحمة، وأن الله وصف النبي محمد بأنه رحمة للعالمين، وأن المرأة أحق بالرحمة من غيرها لضعف بنيتها، وأن الإسلام أمر الزوج بإحسان عشرة زوجته، وأن سيدنا محمد لم يضرب أيًّا من زوجاته.

وعن المذكور عن الضرب في سورة النساء: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ”، أكدت دار الإفتاء أن الفقهاء أجمعوا على أنه لا يقصد بالضرب هنا إيذاء الزوجة أو إهانتها.

وبين مهاجم لتصريحات شيخ الأزهر، ومن اتخذها ذريعة لتبرير العنف الأسري دينيًّا، يظل انتشار العنف الأسري داخل المجتمع المصري أمرًا ينتظر حلولًا سريعة ورادعة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة