أعراض ما بعد الأمومة المفقودة

أية منير

رأيت عبر أحد التطبيقات على هاتفي تعليقا لإحدى السيدات تتساءل: “لماذا لم تخبروني أن هناك نساء تختفي بعد سؤالهن الأول عن الحمل بسبب فقدانه؟ لم أجد هنا إلا دردشة طويلة بين سيدات في الشهر السادس أو السابع يعانين بسبب أعراض طويلة المدى ويعيشون تجارب مشابهة، ولكن بين السطور أجد سؤالا من سيدة في طريقها إلى فقدان جنينها تحتاج لأن تعرف هل مر أحد هنا بنفس التجربة، ثم تختفي ولا نعرف مصيرها. أنا هنا لأعلمكن بمصيرها. أنا فقدت جنيني للمرة الثانية على التوالي”.

أبكاني هذا التعليق بشدة، لأنني فهمت ما ورائه، فاختفاء النساء بعد فقدان حملهن هو عرض من أعراض الصدمة والحزن الشديد، فبعد أن كانت تستعد بسعادة غامرة لاستقبال مولودها، عقب معرفة الخبر السعيد بالحمل، وبعد أن غمرت باهتمام كل من حولها ومباركتهم لها، تعيش فترات من توقف السؤال عنها، وهمهمة الدعاء لها، بينما لا يعلم أحد أن توقف الأحداث والزمن هكذا يؤلمها كثيرا، ويجبرها على الاختفاء.

تعيش واحدة من بين كل 6 نساء تجربة فقدان الجنين مرة أو مرتين في حياتها، وتصل نسبة الإجهاض عند الحوامل من 10-20 %، ومن 30 -50 % عند عمليات الإخصاب بشكل عام، كما تصل نسبة احتمالية حدوث إجهاض عند السيدات أقل من 30 سنة إلى 10%، ويزيد خطر الإجهاض بعد سن ال 30، وتكون النسبة 45% عند السيدات اللاتي أعمارهن أكبر من 40 سنة، فيما تعتبر 50% من النساء اللواتي تعرضن لحدوث الإجهاض مرتين قبل ذلك هن الأكثر عرضة لحدوثه مرة أخرى.

وبعد حدوث الإجهاض، تختبر النساء تجارب مؤلمة، وقد تعاني من اضطراب – أو اكتئاب- ما بعد الصدمة، والذي يمكن أن يستمر معها لأعوام. تتعدد أسباب الإجهاض، وتكون في بعض الأحيان غير معروفة في بداية الأمر، خصوصا في الحمل الأول، بينما تؤكد الدراسات على احتياج كل النساء بعد خوض هذه التجربة إلى رعاية صحية ونفسية، وهذا ما سنتحدث عنه اليوم: هل تجد النساء الرعاية المطلوبة بعد فقدان أمومتهن؟!

أثناء حضوري لورشة عن تمكين النساء من الكلام عن ألمهن، توقفنا للحظة عند حديث إحداهن عن تجربة فقدان حملها في الأسبوع السابع وهي تقول: “كنت أعيش أحلى أيام حياتي، بعد أن رأيت سعادة زوجي واهتمامه بي المغلف بالحب والطمأنينة، وفجأة وبدون إنذار توقف هذا لحزنه الشديد على فقداننا الجنين، ولم أكن أعلم أن كل هذا الألم الذي أشعر به هو في ميزان الحدث لا شيء، هذا الكيس الفارغ الذي سقط من مهبلي قد يهم ويحزن الجميع أكثر من شعوري بالألم الشديد وخوفي من أن استحم أو أغفو قليلا حتى لا أصحو على دماء جديدة تغطي سريري”.

لخصت صديقتنا ما نشعر به نحن النساء، وهو أن ما نحمله في أرحامنا قد يكون أهم من حياتنا نحن، فقد عاشت النساء في مصر عقودا طويلة لم تجد خلالها فتوى شرعية واحدة تحلل الإجهاض، حتى في وجود خطر على حياتهن، ونصطدم حتى اليوم برفض الكثير من الأطباء القيام بعمليات إجهاض خوفا على سمعتهم، حتى عند وجود ضرورة طبية، ما يدفع النساء للتوجه للإجهاض غير الآمن، فيفقدن حياتهن، أو يتعرضن لمخاطر أخرى.

لا يوجد حتى يومنا هذا قانون ينظم الإجهاض الآمن في مصر، لأسباب طبية أو غير ذلك، وإن حدث الإجهاض بشكل تلقائي ومن دون تدخل طبي تواجه الأم تساؤلات ولوم: “لماذا حدث ذلك؟ ماذا فعلتي ليحدث هذا؟”، أو يتم إخبارهن: “أنتِ حزينة على نفسك أكثر من حزنك على فقدانك الجنين”، في الوقت الذي تواجه فيه العديد من النساء اللائي أفصحن عن عدم رغبتهن في الإنجاب اتهامات صريحة بالإهمال، أو عدم الحزن، أو اهتمامها بنفسها فقط!

تجربة الإجهاض – أو فقدان الأمومة كما أسميها-هي تجربة تصرخ فيها النساء ليقلن:” أنا هنا، أتألم وحدي، وأعيش مع حزني وبقايا جنيني بداخلي لحظات صعبة لا يعلمها أحد”، يصرخن ليقلن: “أنا موجودة هنا أيضا، بعد فقدانكم جميعا ما كان بداخلي، ولكنني لا زلت حية، أتنفس بصعوبة، وأتألم جدا، هل تسمعونني؟!”.

قد لا تجد العديد من النساء ردا على ندائها، خاصة في الأرياف والأقاليم التي تعيش فيها النساء سباق يومي بين أقرانها، وتفوز من أنجبت أولا، ويعدد الرجال زوجاتهم لينجبوا ولدا، كما توصم المرأة بسبب فقدانها لجنينها، وينفض الجميع من حولها بعد أن ينتهي الحدث، لتعيش هي مع تجربة مؤلمة جدا لا يفهمها أحد.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة