الثقافة والحرب في اليمن

نبيل عبده 

هل أثرت الأوضاع السياسية على الثقافة في اليمن؟ وما مدى هذا التأثير؟  وإلى أي زمن سيتم تجاهل الثقافة في أوضاع الحرب بالرغم من أهميتها سواء في السلام أو في الحروب؟ ومجموعة من الأسئلة تبادرت لذهني وأنا أحاول أن أعرف ما الذي جعل الشارع اليمني خال من الفعاليات الثقافية في الفترة الأخيرة فدخول اليمن مرحلة صراع عنيف بين مكوناتها السياسية أوجدت انعكاسات سلبية على الثقافة العمل الثقافي، وفي اليمن فمن ضمن هذه الانعكاسات:

الثقافة والعمل الثقافي المدني

فتم إغلاق عدد من المؤسسات غير الحكومية المهتمة والعاملة في المجال الثقافي. بجانب خروج أو هروب العديد من المؤسسات الثقافية للعمل خارج اليمن، نتيجة النقص الشديد في الفضاءات الثقافية التي يمكن الاستفادة منها في الفعاليات الثقافية ومن ضمنها فضاءات كانت تشكل وجهات رئيسية في العمل الثقافي اليمني.

مع الانعدام شبه الكامل للفعاليات الثقافية بسبب ربط جميع الفعاليات المدنية الإنسانية والحقوقية، الاغاثية أو الثقافية بسلسلة طويلة ومعقدة للغاية من الإجراءات الإدارية لاستخراج التصاريح للعمل ورفض إعطاء التصاريح لمعظمها في أغلب الأحيان.

بجانب توجيه التمويل في اليمن للبرامج الإنسانية والإغاثية وندرة التمويل للبرامج الثقافية. وعدم قدرة الفاعلين الثقافيين على السفر إلى البلدان التي تهتم بالتطوير الثقافي في العالم العربي حيث أصبح الخروج من اليمن مكلفا وخطرا للوصول للفعاليات العربية أو الدولية ذات الأطر الثقافية.

إصدار الدول تأشيرات سفر ذات شروط صعبة على اليمنيين تجعل من وصول اليمنيين إلى الموارد التدريبية صعبا ومكلفًا وخطرا بما فيها تلك الدول التي كانت مفتوحة لهم بدون تأشيرات سفر مسبقة.

خروج العديد من الداعمين والمهتمين بالعمل الثقافي من اليمن كالمراكز الثقافية التابعة لدول مختلفة. وإخراج اليمن من قوائم عدد كبير من الممولين من خارجها لصعوبة إيصال التمويل وعدم الموثوقية الاستمرارية والاستدامة في العمل الثقافي في اليمن بسبب الأوضاع العسكرية والسياسية المتقلبة.

استبعاد اليمنيين كمستفيدين من برامج بناء القدرات في البرامج الثقافية لدى عدد من مقدميها من المؤسسات الإقليمية والدولية. إن الأسباب السابقة وغيرها تجعل من العمل الثقافي ضئيل الحجم، وصفري التأثير، وموسمي التنفيذ، ويعتمد على الفعاليات الثقافية الإلكترونية، وخطر على العاملين الثقافيين وخصوصا في المجالات التي لا تتناسب مع السلطات المتحاربة، وهذا يقلل من أهمية وتأثير ووصول الثقافة للفئات الإنسانية التي تحتاجها بشكل فعلي.

الحرب والمواقع الثقافية والأثرية:

على أرض الواقع تعرضت الكثير من المواقع الأثرية والمباني التراثية لأضرار بحيث يبدو أن استرجاعها كما كانت أصبح صعبا مكلفا، وتلعب الحرب دورا ليس فقط في تدمير هذه البنية التحتية الثقافية والتراثية، ولكن أيضا تعرضها للسرقة من قبل من يستثمرون الحرب والضعف الأمني في نهب التراث الثقافي المادي في اليمن, وهذا بالإضافة إلى تشويه معالم المدن التاريخية بالشعارات الحربية والدينية، واتجاه أغلب مؤسسات المجتمع المدني للعمل على القضايا الاغاثية والإنسانية بما في ذلك المنظمات الثقافية والتي كان يفترض بها أن تركز على تخصصها، وتعمل على مراقبة وتدوين ومناصرة حماية التراث الثقافي اليمني، وهذا ما يجعل البنية الثقافية والتراثية اليمنية تحتاج العمل المتواصل لإعادة ما تم تدميره من مواقع أثرية، وإعادة ما تم سرقته، ولا توجد حتى الآن واليمن ما زالت في خضم الحرب أية ضمانات للعمل على هذه المواضيع والحماية من انتهاكات للتراث الثقافي المادي اليمني من التدمير و التلف والسرقة.

الثقافة والفئات الإنسانية

في الحقيقة ليست السياسة أو الاقتصاد أو الأديان من تخلق المشاكل بين الأشخاص بعضهم ببعض أو بين المجتمعات المحلية، أو بين الدول بعضها ببعض، بل هي الثقافة من تخلق كل هذه المشاكل، وليست السياسة ولا الاقتصاد وحتى الأديان من تملك الحل لتلك المشاكل ولكن الثقافة من تملك الحل.

إن العنف ضد الأطفال لا يمكن حله بدراسة للأمين العام للأمم المتحدة أو بمبادرة عالمية من أجل إنهاء كافة أشكال العنف ضده ولكن ثقافة التربية الجيدة هي من تحمل الحل وطغيان أشكال التربية العنقية وإيمان المجتمعات أن العصا خرجت من الجنة وأن الضرب أهم أسلوب للتربية ” ثقافة “، ولكن الترويج بدائل العنف والتربية هو الحل فتأثير الثقافات المجتمعية المسيطرة لها تأثير أكبر من كل دراسات الأمم المتحدة مجتمعة، والعمل على تفكيك هذه الثقافات لن يتم إلا عبر الثقافة نفسها وإعادة توجيهها نحو طرق وأساليب تربوية بعيدة عن العنف.

والشاب اليمنى هو الأقل في العالم حصولا على المعلومات والكتب والمجلات المتخصصة، والأقل من ناحية المشاركة في الأفكار والإبداعات المختلفة بالرغم من أن اليمن مجتمع فتى أغلب سكانه في الفئة العمرية ما بين الطفولة والشباب من سن 0-25 عاما ومع ذلك يحصل الشباب في اليمن على الحد الأدنى من التعليم، والحد الأدنى من الثقافة التي وصلت لمستويات خطرة مما يوقعهم في التعصب والجهل والتطرف وعدم التسامح مع الآخر، والاشتراك في الصراع والانضمام للجماعات المسلحة المتحاربة، ووقوعهم في أدنى مستويات الاحترام للحقوق والحريات، وتدني مستوى تذوق الجمال والحياة لديهم، ورفضهم لكل ما نادت به الاتفاقيات الدولية و الإقليمية من شرائع واتفاقيات تهتم ببناء الإنسان ونموه وبقائه بطريقة كريمة والحل يكمن ببساطة في الثقافة ورفع مستواهم الثقافي وخصوصا في مجالات التسامح والحرية وتذوق الجمال والفنون والحياة.

والتمييز ضد المرأة والعنف الموجه ضدها باغتصابها وإجهاضها وتزويجها بشكل مبكر هو “ثقافة” معنونة بهيمنة ومركزية الرجل عبر التاريخ وأولوياته وقوامته، وأن هذا التمييز موجود وبقوة تضاهى وتزيد بمراحل عن الاتفاقيات الدولية من نوعية الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والتوصية بشأن الحد الأدنى لسن الزواج وغيرها الكثير من الاتفاقيات والمواثيق الثقافة هي الأهم في معالجة هذه المشكلة ومحاولة الوصول بالمرأة إلى المساواة الكاملة.

وعلى نفس النسق يمكن أن نتعرف على مشاكل اللاجئون والمهمشون والطبقات الاجتماعية التي تعتبرها المجتمعات أدنى أو المعوقون والمكفوفين ومن هم في نزاع مع القانون من الرجال والنساء والأطفال وساكني الشارع والصفيح والقمامة، فنظرة التمييز الناتجة عن الفوارق الاجتماعية والدينية والعرقية هي في جوهرها نظرة “ثقافية” وحلها يتم عبر الثقافة من خلال التبشير بالمساواة والعدالة والإنصاف.

ويزداد الأمر سوءً عند التحدث عن الثقافة في محيط الأشخاص ذوي الإعاقة والمهمشين والشباب في بيئات خطرة والطبقات الاجتماعية الأدنى حيث تصبح الثقافة العامة الموجهة لهم إقصائية وعنيفة وغير متقبله للأفكار الجديدة والملهمة في تنمية واحترام إنسانيتهم، فثقافة الإقصاء و الفرز الطبقي والمجتمعي أصبحت موجودة في الشارع اليمني بقوة، وهي شأن ثقافي ومعالجته أيضا ثقافية.

أن العنف ” الجسدي – الجنسي – النفسي ” هو في أساسه “ثقافي”، وتعززه مفاهيم السيطرة والقوة والهيمنة والحل أيضا ثقافي عبر الترويج لقيم المساواة وسيادة القانون وقيم الحق والخير والجمال، وفي الحقيقة فعند النظر إلى مسائل متعلقة بصراع الحضارات نجد أن الكثير من الترجمات العربية قامت بترجمة ما يسمى بصراع الحضارات باسم ” صراع الثقافات ” لأن الحضارة والثقافة تعنيان شيئا واحدا.

أن الثقافة هي جذر أساسي لكل المشكلات وحل جذري لها،  وهي أرقى طريقة للتعبير عن الحقوق والدفاع عنها ونشرها والتثقيف بها والحفاظ عليها وتطويرها نحو الأفضل، وهي الاستثمار الأكثر ربحية من ناحية المردود الحضاري وخصوصا عند استعمالنا للثقافة والفنون والآداب والإبداع لصالح التنمية، وهي المعرفة والمعتقدات والفنون والقانون والعرف والمعارف والقيم والالتزامات الأخلاقية، وطرائق التفكير والإبداع الجمالي والفني والمعرفي والتقني، وسبل السلوك والتصرف والتعبير  وهي الطرق السالكة لتمرير وإدماج مفاهيم الحقوق الإنسانية والحريات الاساسية والديمقراطية والتنمية وهى الأهم لتفعيل المشاركة والتفاعل والتطور والاندماج.

أن من السيء على مستوى الحكومة اليمنية أن تصبح الثقافة من الأمور الهامشية بحيث يجد المطلع على الحراك الثقافي أن الثقافة وخصوصا في مرحلة الحرب في اليمن تتجه لخدمة التوجهات السياسية لأطراف النزاع وخدمة أجندات هو انجرار المثقفين المستقلين بسبب خوفهم من المرحلة العنيفة التي يمر بها اليمن وراء المدارس الأدبية الجديدة، والغرق في الرمزية والتعقيد، والتي تبتعد بالثقافة والإبداع عن المجتمع، وكونها فعل قادر على التغيير والتنمية.

أن ما يحدث في اليمن في مرحلة الحرب ليس إلا مثال على عدم الاهتمام بالهم الثقافي والإبداعي الذي يجذب الأطفال واليافعين والشباب والكبار من الجنسين، والوضع مرشح للتدهور أكثر لتصبح الثقافة الخاصة بكل الفئات الإنسانية في اليمن ثقافة فقيرة وداعية للعنف والتعصب والتطرف وهذا ما يصنع مجتمع غير مستقر لا يؤثر فقط على نفسه ومجتمعه ولكن تكون تأثيراته السلبية قوية على المجتمعات المجاورة.

أن اليمن من المجتمعات الفقيرة والذي ينتشر فيها التعصب والجهل والتطرف، وبالتالي فدور الثقافة فيها ذو أهمية فريدة لحاجة المجتمع اليمني لمعالجات ثقافية جادة تقوم على نشر قيم المحبة والخير والحق والجمال والتسامح واحترام الآخر، وتدفع بالديمقراطية والحقوق الإنسانية والحريات العامة والتنمية للتطبيق والتأثير الإيجابي.

المثقفين والحرب في اليمن

من السيء للغاية مستوى الكمون الذي أصاب المثقفين اليمنيين بحيث أصبحوا أكبر فئة معطلة في تاريخ اليمن المعاصر وأقلها نشاطا في تقديم الرؤى والأفكار الخاصة بإنهاء الحرب في اليمن والترويج للحقوق الإنسانية والثقافية بالرغم من أن فئة المثقفين في أي زمان ومكان هي الفئة الأكثر نشاطا في الدعوة التنوير والحداثة والحقوق والديمقراطية والسلام والتنمية.

أن ما تمر به اليمن من الانحدار المريع على جميع المستويات، وعدم وجود رؤية حقيقية لما يمكن أن تصل إليه البلاد في المستقبل يتطلب من المثقفين المشاركة في مناهضة الحرب والعنف والمناداة بمرحلة من تاريخ اليمن يتم فيها الاهتمام بالحقوق الإنسانية والحريات الأساسية والعامة والديمقراطية وحرية التعبير وبقية الحقوق الإنسانية للمجتمع اليمن بأكمله والحقوق الثقافية للمفكرين والمبدعين المستقلين والمثقفين والمنتجين والمبتكرين، وأن يعملوا على أن لا يسقط السلام المجتمعي والحركة الثقافية والحقوقية الى الحضيض, وأن لا ينجر المثقفين لدعوات الاستقطاب السياسي أو الفرز الاجتماعي أو التجزؤ والتجذر في حماية قضايا المجتمع أو الهرب الى تكوين نخبة ثقافية منعزلة وغير فاعلة.

الثقافة والسلام في اليمن

أن تواجد السلام يحقق تواجد الحقوق والحريات والديمقراطية والتنمية والرفاهية والتسامح والحب والخير والجمال في المجتمع، وعلى العكس عدم تواجد السلام يدفع لانتشار العنف والسلبية والانتهاك، ويقدم النزاع على شاشات الأخبار ويخلق الحروب والنزاعات لأسباب تافهة أو بلا أسباب أو حتى بأسباب كان يمكن حلها أو الاتفاق عليها بالحوار، والسلام مهم ولكن لا وجود للسلام دون ثقافة تدفع باتجاهه وتروج له وتحققه في المجمل.

أن الترويج لثقافة السلام ووجود هذه الثقافة في المجتمع اليمني هو من سيعمل على تطويره ليصبح مجتمع سلمي وحيوي ويعمل لأغراض التنمية والرفاه، ودفعه الإيمان بالقيم العالمية كالحق والخير والجمال والتنمية والعدالة والمساواة والحريات.

أن انعدام السلام في اليمن ناتج عن ثقافة المجتمع اليمنى ثقافة العنيفة، والتي تحترم حمل السلاح ولا تحترم الرأي والتعبير، وتؤمن بالقيادات الراديكالية، وتعيش في بؤر فساد، لأنها تعرف أن الفساد مسيطر على كل شيء، ولا مجال للإثراء إلا من خلاله، وصنع الحروب تلو الحروب واستثمارها.

أن  المجتمع اليمني يحتاج ثقافة سلام، وإدراكه أن أرباح السلام تفوق كثيرا أرباح الحروب فالحروب لا تعطى الأرباح إلا لقياداتها، وليس للشعوب إلا الموت حطبا لها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة