الإعلام والمجتمع المدني في اليمن

نبيل عبده

يعتبر التوجه الإعلامي لمؤسسات المجتمع المدني حجر الزاوية في نجاحها، ويضمن التوجه الإعلامي الصحيح والمحترف شهرتها بحيث تستطيع ترويج أهدافها وتعريف المجتمع بأنشطتها، وهذا ما يساهم في مشاركة المجتمع في تصميم مشاريعها ونقدها وتقييمها وزيادة عدد متطوعيها، ويساعدها على الترويج للحقوق الإنسانية والحريات العامة والديمقراطية والتنمية وغير ذلك من اهتمامات المؤسسات المدنية بشكل مباشر من خلال نشر مخرجات أنشطتها وتقاريرها أو بشكل غير مباشر من خلال محتوى البيانات الصحفية والإعلامية التي تنشر للإعلان عن إقامة أو اختتام تلك الأنشطة.

وتعتبر الأنشطة الإعلامية الصحيحة، والمحترفة، والمتميزة بالشفافية والمصداقية من الطرق الهامة لإيمان المانحين بأعمال المؤسسات الغير حكومية، وطريقة جيدة للوصول إليهم، وسبيل من سبل التقاطع معهم فأغلب المانحين يبحثون عمن يتقاطع مع أهدافهم ورؤيتهم للحلول الاجتماعية والحقوقية من منظمات المجتمع المدني المحلية ويحفزونها على الشراكة معهم في مشاريع مستقبلية.

وعبر عشرات السنين كونت المؤسسات الإعلامية العديد من الأدوات التي تسهم برفع شأن أي مؤسسة مجتمعية إن استطاعت إدارة واستثمار هذه الأدوات باحتراف من قبل الصحف والإذاعات والإعلام الورقي والإلكتروني وتقنيات الإعلام الاجتماعية وشبكات التواصل الاجتماعي مرورا بالمطبوعات ذات الصبغة الإعلامية للمؤسسات نفسها والتي تشرح لمستفيديها و متطوعيها رؤية وهدف ورسالة المؤسسة وأفكارها في تطوير المجتمع الذي تنتمي إليه.

لقد أصبح الإعلام ذو أهمية استثنائية في العمل المدني، وبالتالي يجب أن يصبح أولوية في المؤسسات المجتمعية وتصميم استراتيجياتها وخططها وأعمالها التنفيذية لتسهم في صناعة توجه إعلامي محترف وشمولي لها، وبما يضمن معرفة الجهات ذات العلاقة في اليمن وخارجه بأنشطتها المختلفة، وبما يدعم التقاطع في الأهداف والشراكة معها في مشاريع مستقبلية، ويضمن وصولها الجيد لمستهدفيها من الأفراد وصناع القرار وأصحاب المصلحة، ومنذ نشوء مؤسسات المجتمع المدني في اليمن ومع التطور الذي حدث في الإعلام ونشوء عشرات الصحف في اليمن فيما قبل 2011 وظهور الانترنت وبدء وجود المواقع والمدونات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وزيادة عدد القنوات التلفزيونية بدأ أن تلك المؤسسات المدنية تعيش عصرها الإعلامي الذهبي.

وللأسف فقد مر الإعلام في اليمن بأحداث سيئة كما لم يمر به أي كيان مؤسسي أخر فيما بعد 2011،  ومن ضمن هذه الأحداث سجن الصحفيين، ولجوء بعض منهم خارج اليمن، وإغلاق مراكز إعلامية، وصحف أهلية، وإغلاق مؤسسات غير حكومية تهتم بالإعلام وتطوره وبناء القدرات في مجاله.

ويأتي الاستقطاب كأسوأ أنواع الواقعية الإعلامية في اليمن فمنذ العام 2011 وبعدها أحداث 2014 و2015 وما تلاها أصبح الإعلام اليمني مرهون لخدمة شخصيات سياسية وجماعات عسكرية أو دينية متصارعة فيما بينها، وتكريس جميع أنشطة الوسائل الإعلامية المتبقية على مراقبة ومتابعة أخبار الصراع وتقديم الأخبار والرؤى والتحليلات التي تركز على ميدان الحرب وتم النسيان الكلي لميدان التنمية وأخبارها.

ومن ثم يأتي الفرز كواحد من أشد الأعمال سواء في وسائل الإعلام في اليمن والتي أصبحت تعمل على فرز التنوع الاجتماعي في اليمن والذي كان متداخلا حتى وقت قريب وتحويله ألوان صارخة ومنقسمة ومتضاربة مع بعضها وأصبحت وسائل الإعلام والمنصات الإعلامية أبواق لأصحاب السلطة من السياسيين والحركات الدينية التي أصبح بعضها مسيطرا على الحياة العامة والسياسية مما ضاعف من عنف اللوحة اليمنية وتوترها.

لقد أصبح من النادر نشر أنشطة المجتمع المدني في اليمن، واختفاء الإعلام التنموي والحقوقي والديمقراطي فيما عدا بعض الإشارات لهذه الأنشطة في بعض الحسابات الفردية أو التابعة للمؤسسات في  وسائل التواصل الاجتماعي بحيث تبدو بعض تلك الأخبار والمنشورات الخاصة بتلك الأنشطة مختزلة، وبدائية، و متخمة بالرأي الفردي لصاحب الحساب على فيسبوك أو تويتر، وتفتقر إلى العمل الإعلامي المنظم والمنتظم والمؤسسي والقائم على الفكرة المتميزة والمعالجة الجيدة والتناول الإعلامي الجيد لها،  والأسلوب الاحترافي في تقديمها، وفي الحقيقة ما يزال حتى لدى الفاعلين الرقميين الأشهر، والنشطاء الالكترونيين الأبرز في اليمن تلك الأمية الحقوقية، وتدني الفهم والإحساس بأهمية الحقوق والحريات والديمقراطية في نشوء مجتمع مسالم ومتسامح ومتفهم وديمقراطي.

إن الإعلام في اليمن أصبح يحتاج استراتيجيات للتطوير والتحديث وتغيير الأفكار المسيطرة حاليا وذلك لضمان تنوع التوجهات الإعلامية، واستقلالية المؤسسات الإعلامية عن مراكز القوى السياسية والدينية، وضمان استمراريتها في الصدور، وحمايتها من الإغلاق والمصادرة، وابتعادها عن تبني المفاهيم التي تعمق الصراع في المجتمع، وتحفيزهم على تقديم الخبر لجمهورها بشكل نزيه وشفاف موضوعي ومحايد، وتشجيعها على التركيز على الإعلام التنموي والحقوقي والإنساني.

ومن ناحية مؤسسات المجتمع المدني فقد أصبحت في الوقت العصيب الذي يمر به اليمن بشكل عام تحتاج لتعزيز مصداقيتها في التغطية الإعلامية بما يخلق هوية إيجابية لها، وزيادة المعرفة بالجهات الإعلامية والمستهدفة من أنشطتها، وجذب اهتماماتهم وطرق التواصل الفضلى معهم وتحفيزهم لنشر أخبارها للوصول إلى مستهدفيها، وزيادة التركيز على تواجدها على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية لنشر وتوثيق أنشطتها وتاريخها العملي والمهني مع التزامها الكامل بالشفافية والنزاهة والشمولية والموضوعية والمصداقية والاستقلالية عن مراكز الصراع في قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة والديمقراطية والتنمية ككل, 

لقد كان أثر الصراع على الإعلام والمجتمع المدني في اليمن سلبيا بشكل صارخ فمن وقوع البعض في فخ الصراعات السياسية والاجتماعية مرورا بتوقف البعض الآخر عن العمل، وليس انتهاء بتجاهل التجربة المدنية والتركيز على الصراع، ومن المهم الآن أو فيما بعد وصول المتحاربين إلى أي اتفاق لتسوية أن يكون إعادة بناء المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الغير حكومية ضمن أولويات العمل ليعود الإعلام في اليمن مهتما بقضايا الإنسان وتطوره أكثر من أخبار الحرب وكوارثها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة