نشر الفجور في “البلكونة”.. جريمة للنساء فقط

أية منير

“البلكونة جزء من الشارع” هكذا علق المصريون على واقعة القبض على سائحة أوكرانية خرجت في شرفة منزلها مرتدية مايوه بكيني، حيث قام أحدهم بمراقبتها وتصويرها من مسافة بعيدة جدا، حتى اضطر هو لتكبير الصورة أكثر من مرة – لا يوجد معلومات كيف رآها بدون تكبير الصورة حتى قرر أن يرفع هاتفه ويلتقطها، ربما يمتلك عين ثاقبة تشعر بالنساء أكثر مما تراهم- وأرسل هذا المقطع للشرطة، ونشره على السوشيال ميديا، ليحقق أعلى المشاهدات، وينشر رسالته حول العالم “البلكونة والبكيني خط أحمر”. 

في أي بلد آخر قد تتوقع أنه عندما تجد الشرطة شخصا يقتحم خصوصية جيرانه ويقوم بتصويرهم بدون إذن، وينشر مقاطع لسيدة شبه عارية على السوشيال ميديا للتشهير بها، ستقبض عليه فورا، ولكن ما حدث هو العكس، حيث قامت الشرطة بالقبض على السائحة بتهمة” نشر الفجور” . 

قبل أن نطرح سؤالا مهما وهو من الذي قام بنشر الفجور، تلك السائحة في بلكونة منزلها التي لا يراها أحد إلا عن طريق تكبير صورة من الهاتف عدة مرات، أم الشخص الذي قام بتصويرها ثم نشر المقطع على السوشيال ميديا؟! سنطرح سؤالا آخر، وهو هل شاهدت جارك اليوم في بلكونة منزله بملابسه الداخلية؟ 

في الطبقة المتوسطة، والتي يصعب عليها شراء مكيف هواء للتخفيف من حرارة جو المنزل في الصيف، وبالتأكيد لن تستطيع أن تحزم أمتعتها بكل سهولة لتستمتع بالهواء البارد ورؤية ممتعة للبحر في الساحل، يخرج علينا في كل الحارات والأحياء المصرية جارنا العزيز مرتديا ملابسه الداخلية، شبه عاري، يشرب كوبا من الشاي وقت العصاري، ليستمتع بنسمة هواء غير مكلفة، ويقضي وقتا ممتعا في بلكونة منزله بلا تكاليف أو مصاريف إضافية، فيما لم نسمع من قبل أن قام أحدهم بتصوير ونشر مقطع فيديو “خادش للحياء” لجاره، واتهمه بنشر الفجور وأبلغ الشرطة للقبض عليه! 

هل الفارق هو أن من خرجت حرة بالبكيني هي امرأة ظنت أنها في بلد ما ترتديه الفتيات فيه على البحر قد ترتديه في شرفة منزلها الخاصة؟

نعم أظن أن الفارق الوحيد هو جنس الفاعل، فقد تظهر صورة رجل بلباسه الداخلي على السوشيال ميديا، وتستخدم كشيء مضحك فكاهي، لا خادش للحياء ولا ناشر للفجور، فلا يستطيع أحد أن يقتحم خلوة هذا الرجل، بل تضطر نساء الحارة إلى حرمان أنفسهن من نسمة الهواء والدخول من البلكونة لترك مساحة الشارع كله مخصصة للرجل المصري صاحب اللباس الأبيض الشهير. 

هذه المفارقة لن تنسينا أبدا أن ضحية هذه الحادثة كانت أجنبية، لذلك تم التعامل مع القضية نفسها بشكل مختلف، فتم الإفراج عنها، وبعد ضغط السوشيال ميديا تناثرت أقاويل أن المصور قد يواجه اتهاما بخرق خصوصية أحدهم، وهو ما يضعنا أمام مفارقة آخرى، فماذا لو كانت الضحية مصرية؟! 

نعلم جميعا أن هناك تهمة معدة خصيصا للنساء في مصر تحت شعار “قيم الأسرة المصرية”، وهي تحديدا ما كانت ستواجهها الضحية إذا كانت مصرية، فكانت القضية ستتحول من خلاف على هل له الحق في تصويرها من عدمه، إلى عصا تأديب وتهذيب للفتاة المصرية، كما حدث مع فتيات ال”تيك توك”، الذين اجتمع الشعب كله على تهذيبهن. أنتن مصريات، وللمصريين حق في أجسادكن.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة